الأحد، 17 فبراير 2013

" ديوجين " وهوامير تويتر ..!


 
 
 
" ديوجين " و هوامير تويتر..!

 

نشر في الرؤية / العرب ..

 

يقال إن الطبقية أول ما ظهرت في الهند كانت على يد ملك يدعى " مانو " هو من منح سمعة إلهية للطبقات في الهند كما تذهب افتراءاته التي صدقها الحمقى والجهلة في ذاك الوقت ، حيث ذهب إلى أن من فمه انبثق الكهنة ، ومن ذراعيه الملوك والمحاربون ، ومن فخذيه خرج التجار ، ومن قدميه الخدم والصناع .. ومنذ ذلك الحين شيد هرم الطبقات الإجتماعية في الهند الذي يتألف من ثلاثة آلاف طابق ..!

وكان الملك " مانو " ينصح بتصويب سوء السلوك في الطبقات ؛ فإذا استمع إنسان من طبقة دنيا إلى أشعار الكتب المقدسة يسكب رصاصا مذابا في أذنيه ، وإذا رتل تلك الأشعار يقطع لسانه ..!

وهناك في الهند من هم بلا طبقة يشكلون واحدا من كل خمسة هنود ، وهم أسفل من أشد السافلين يسمونهم " من لا يُلمسون " ؛ لأنهم ملعونين ينقلون العدوى ولا يمكنهم التكلم إلى الآخرين ، ولا السير على دروبهم ولا لمس أكوابهم أو أطباقهم ، رجالهم مهانون دائما بينما نساؤهم مشاريع اغتصاب لأي كان رغم أنهم من طبقة لا يُلمسون ..!

التاريخ زاخم بقصص وحكايات وقوانين كان مبعثها أثرياء متغطرسين في زمن من يملك ثروة يملك سلطة بل يملك كل شيء ، ومن حقه أن يهين أي كان فهو صاحب سيادة وزعامة والبشر الآخرين الذين لا سلطة لهم ولا مال فهم في مرتبة العبيد ..!

يبدو أن نفسية بعض البشر و إلى وقتنا الحاضر ما يزالون يقدسون كالعبيد كل صاحب زعامة أو مال أو سلطة ، ولعل أقرب مثال واقعي هو عالم " تويتر " الذي جاء كي يلغي الفوارق بين أصحاب السيادة والبشر ، والذي وجد كي يكسر سياسات الخوف ويسقط أقنعة النفاق ، ولكنك تجد حسابات لهوامير ما تزال تتعاطى بسياسة الفوقية والدونية .. بسياسة صاحب سلطة مطلقة وعبيد ، وهي حسابات تستهين بالعقل البشري فحين يأتي أحد الهوامير يصل حد تفاهته واستهزائه بالناس أن يضع نقطة ويعمل لها المتابعون آلاف الـــ" رتويت" إعادة تدوير  ، مما لا شك هذا التصرف يضعنا أمام فئتين : فئة الهامور الذي لا يحترم متابعيه ويسقطهم إلى أسفل السافلين وهو واثق تمام الثقة أنهم سيفعلون المستحيل من أجل إرضائه ، والفئة الأخرى تلك التي ارتضت أن تكون ضمن قائمة الأسفل السافلين ، وارتضت ببلاهة أن تهين عقلها الحرّ في هذا العالم وإنسانيتها لعين هامور من أجل غايات نفعية ..!

فهل هو توجه فكري أم توجه مصلحة ، توجه فضول أم توجه أسياد وعبيد ، أم حاكم ومحكوم أم مالك الأرض وعبيدها ..!

بتأكيد هي ليست علاقة موظف وجد لخدمة مواطني شعبه مثله مثل أي مواطن .. كما في دول أمريكا وأوروبا ..!

هذه المهزلة الإنسانية تجعلني أضع هنا قصة الفيلسوف " ديوجين " مع " إسكندر الأكبر " لعلها تكون مفتاحا لإنسانية إنسان حريص على كرامته وحريته التي فطرها عليه خالقه ودينه قبل كل شيء ..!

 الفيلسوف " ديوجين " الذي كان يردد في القرن الرابع الميلادي أنه ينبغي الحكم على الإنسان بما يملكه من صفات وليس بما يملكه من ثروات ؛ وذلك لأن الثروات الخارجية هي ثروات وهمية ، ويمكن للقدر أن يزيلها بضربة واحدة ، ولكن المهم هو الكنز الداخلي والذكاء باعتبارهما راسخين ولا يمكن لأحد انتزاعهما ..

وانطلاقا من ذلك لم يكن " ديوجين " يهتم بالمظاهر وعاش مثل متسول في أثينا الثرية ، ولم يكن يقتات سوى القدر اليسير من الخبز وحبوب العدس ..

وذات يوم شاهد " ديوجين " بعض الكهنة وهو يقبضون على لص سرق أشياء بسيطة فصاح : " انظروا إلى اللصوص الكبار الذين يقتادون لصا صغيرا " ..! وذات يوم طالب برؤية إنسان وقال بصوت عال : " أريد أرى إنسانا وليس بقايا بشر " ..!

عرف عن " ديوجين " جسارته في مجتمعه ، ولم يكن يخشى شيئا ، وقد كان معروفا في زمنه وحين سمع به " الإسكندر الأكبر " الذي كان على رأس إمبراطورية مترامية الأطراف أراد أن يلتقي به وذهب إليه حيث كان في كورنته ، فوجد الفيلسوف يتمتع بحمام شمسي وعندما استمع إليه الإسكندر نال إعجابه الشديد لما يملكه من شجاعة وحكمة فقال له : " ما الذي يمكن أن يجلب له المتعة والسعادة .."  أجاب " ديوجين " بجفاء : " أن تبتعد قليلا فإنك تحجب الشمس عني ..! " ..

 بتأكيد من الإجحاف أن يلقى اللوم كله على الأثرياء وأصحاب السيادة والزعامة بل يشترك الإنسان الذي ارتضى أن يهين كرامته في هذه المهزلة البشرية ..!

الإنسان الذي تسقط أمامه كرامته الإنسانية ويعامل كحيوان أو كشيء تافه لا قيمة له من قبل لفيف من السلطات أو أصحاب الثروات - ما من شك - هو شريك في إهانة نفسه .. شريك في تنزيل نفسه إلى مستوى هابط من الإنسانية .. وشريك في جعل نفسه مهرجا في سيرك الذي وظيفته تسلية الضاحكين عليه والمهينين له ..!

واختم مقالتي بعبارة الفيلسوف الألماني " إمانويل كانت " : " من يجعل من نفسه دودة ليس له أن يتذمر إذا ما داسته قدم ..!"

 

ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق