الجمعة، 7 ديسمبر 2012

الطريق إلى الدولة الحديثة معبّد باللون الأحمر ..!



الطريق إلى الدولة الحديثة معّبد باللون الأحمر ..!

نشر في الرؤية / العرب

في الأعوام الأخيرة أصبح الحديث عن الدولة الحديثة وأسس قيامها وشروطها حديث العالم والكتب في حد سواء .. فما هي الدولة الحديثة بشروط ونظرة العالم اليوم ..؟
في كتاب " النظرية العامة للدولة الحديثة " يفصِّل المؤلف " محمد رعدون " الحديث عن الدولة ومفهومها مذ بداية ظهورها كمفهوم حتى وقتنا الحاضر ، فمفهوم الدولة في الأساطير القديمة كان عبارة عن " دولة " تحكمها الآلهة ، إله السماء " إنو " يصدر الأوامر وإله العاصفة " إنليل " ينفذ الأحكام الإلهية بالبشر ..
أما فكرة نمو الدولة فهي ثمرة من ثمرات الإصلاح الديني في أوروبا القرن السادس عشر وقد قادها " مارتن لوثر " الألماني و" جان كالفن " السويسري ولم يلبث أن تطور هذا الإصلاح الديني إلى ثورة ضد تكبيل العقل بقيود فرضتها الكنيسة وقتذاك ونتيجة لهذا الضغط الوعظي تطورت حركة التنوير إلى ثورة سياسية ضد استبداد الكنيسة بالسلطة ومن هنا برزت ما يسمى بـــ" العلمانية " والتي نادت بفصل الدين عن الدولة مما أنشأ صراع وتصادم ما بين سلطة الكنيسة والدولة حتى تدخلت الثورة الفرنسية بالعنف الثوري لتحسم الصراع لصالح العلمانية ..
وحين برز مفهوم الدولة اختلط على بعض الزعماء عبر التاريخ مفهوم الدولة وحدودها ؛ حيث ذهب البعض إلى اعتبار أن الدولة هي من حقه واحتكرها ضمن ممتلكاته الشخصية وليس بعيدا عن ذلك الملك لويس الرابع عشر الذي كان يقول : أنا الدولة ..! بينما لويس الخامس عشر كان يردد : أنا القانون ..! أي أن النظام العام كله ينبع منه وكل حقوق ومصالح الأمة متحدة مع حقوقه ومصالحه ..! أما ملك اليابان " الميكادو " فاعتبر نفسه إله الشمس الذي يحكم الكون كله ..!
ومع انبثاق مفهوم الديمقراطية تخلخلت المفاهيم المقدسة التي كان الزعماء والحكام يتفاخرون بها وتحطمت الأوهام الإلهية التي خدعوا عقول شعوبهم بها ..!
من هنا برزت مفاهيم أخرى لمفهوم الدولة تتماشى والعصر الديمقراطي ، فمفهوم الدولة عند " ريمون بولان " هي حضارة تفصح عن نفسها في مؤسسات ينظمها القانون .. أما عند " جورج بوردو" هي صاحبة السلطة الدائمة التي يتعاقب الحكام بصورة عرضية في ممارستها .. وعرفها " لاسكي " بأنها المجتمع الذي يعيش فيه مجموعة من البشر سويا ويعملون معا من أجل مصالحهم المشتركة ..
أما " ماركس " وتلاميذه فقد رأوا أن تحديد الدولة وتشكيلها ينجم عن تقسيم مادي وحتمية تاريخية تكون فيها المؤسسات السياسية انعكاسا لتقنيات الإنتاج وأساليبه إضافة إلى البنية الفوقية التي تضم الأخلاق والدين والقانون والفنون وهلم جرا ..
ويذهب المؤلف في شروحاته حيث يرى أن الدولة كانت مرتبطة بمفهوم الإقليم ، حيث دأب الحكام عبر التاريخ على تجميع الملكية الإقليمية وضمان توحيدها الداخلي من أجل ضمان توفر هذا الشرط .. ففي بداية تشكل الدول كان المقصود بمصطلح " تأهيل الإقليم " أشغال الري وبناء السدود وشق الطرق وغيرها من الأشغال التي كان المجتمع يعنى بها في طريقه نحو التحديث والمدنية والتطور ..
ومن ثم ألقى الضوء على الشروط البدهية لتشكيل دولة وهو" الشعب " والشعوب هم مجموعة من الأفراد الذين ينتمون إلى الدولة بعلاقة قانونية عرفها القانون الدولي بمسمى " الجنسية " مع العلم أن القانون العالمي لحقوق الإنسان الذي أعلن في باريس عام 1948م أكد ونص أن لكل إنسان الحق بأن يتمتع بجنسيته وأنه لا يجوز نزع الجنسية من أي إنسان ..!
ولو ألقينا نظرة شاملة على دول الخليج والوطن العربي لأدركنا أنهم يخالفون هذا القانون النصي وأن ثمة دول بعينها قامت بسحب جنسيات مواطنيها من غير أي حق شرعي على رأسها " البحرين " من وقت قريب جدا ..! وهذا يثب بمدى الظلم الذي يعيش في كنفه الإنسان العربي ؛ وكأنه في غابة بلا حقوق ولا قوانين تصون إنسانيته وكرامته في وطن اعتبره البعض مزرعة وآخرون ملكية خاصة قابلة للإحتكار لثرواتهم وسيطرتهم وإستبدادهم ..!
يعرج المؤلف بعد ذلك على توضيح الفرق ما بين الدولة بوصفها كيانا سياسيا والأمة بوصفها كيانا قوميا .. أما السلطة هي أهم مكون من مكونات الدولة وهي التي تحول الشعب إلى دولة بإعتبار أنها تملك وسائل إكراه اللازمة لتنفيذ أوامرها وهي تستند في ذلك قطعا إلى قوتها المادية .. واليوم أهم ما يميز الدولة الحديثة هي احتكار القوة العسكرية تأكيدا لسلتطها العليا وذلك واضح للعيان ؛ حيث تقوم السلطات بقوتها العسكرية ضخ دماء شعوبها وقذف عتادها وأسلحتها ومتفجراتها عليها كي تبقى في سلطتها دون أن يهمها الإنسان وعدد الضحايا الساقطين بدمائهم .. دون أن يبالوا بخراب الوطن ولا أفواج اللاجئين الفارين مع خوفهم ورعبهم من سطوة نظام عسكري لا يهمه سوى مصلحته الخاصة .. كرسيه .. عرشه الدنيوي .. والأمثلة لا تعد ولا تحصى بطول خليجنا وعرض محيطنا العربي ..!
أما الدول العظمى فهي تنتج وتصنع الأسلحة لتتاجر بها بل وتسعى إلى إضرام الحروب بين الدول العربية خاصة ؛ كي تعيش على حسابها .. ولعل أقرب مثال واقعي هي أمريكا والتي لا يمكنها بعد أزمات الاقتصادية التي مرت بها أن تكف عن لعنة الحروب ..!
ما بين أمم تقصف وأمم تحيا على ثروات القصف ؛ شتان ما بين الأولى المقصوفة والثانية القاصفة  ..!

ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق