الاثنين، 11 أبريل 2011

هويتنا العربية والفرد (२ )

( المقالة نشرت في جريدة الرؤية ؛ كما في كل يوم اثنين ) هويتنا العربية ؛ والفرد ॥؟! ( 2 ) هذه المقالة متسلسلة مع مقالة الأسبوع الماضي ، في حديثها عن مسير الهويات العربية ، التي باغتت بانفتاحها المجتمع ؛ خاصة تلك القامات بجيوبها الثقيلة ، لكني اليوم سأفتتح المقالة بمفتاح القصة من خلال قصة قصيرة جدا ، عنوانها " احتلال " تقول الراوية : ( كان حذاؤه إيطاليا ، وساعته سويسرية ، وبنطلونه إنجليزي ، وقميصه ايرلندي ، وعطره فرنسي ، وأكله هندي ، ولفافته أمريكية ، وسيارته يابانية ، وكانت لغته مزيجا من كل ذلك ، ولكن جواز سفره كان عربيا ..!) * بعدما ثقل على المجتمع في حضارية هذا العصر مجاراة الفرد الذي من صلبه ، لم يبق أمامه من مهرب سوى حيادية تبدي أشد ما تبدي انفعالا عميقا ممزوجا بالذهول والحيرة تجاه ما يحدث في ساحة ملعبه الذي كان خاصا وغدا ما بين ليلة وضحاها عاما ..! ومما لا يمكن نكرانه أن هذه التداعيات عينها أحدثت نوعا من الخلخلة في كيان الفرد الذي وجد نفسه هو الآخر متورطا في مطب هويتين ؛ هويته المحلية التي تراكمت عليه من مجتمعه ، وهوية أخرى معاصرة تسلقت عليه بكافة صيحاتها من الخارج ، صاحبنا البطل في القصة القصيرة جدا ما هو إلا فرد عربي ، أجل عربي ولكن شيئا واحدا فقط يثبت لنا انتماؤه العربي ؛ إنه شيء مادي بحت وبحجم كف اليد ، يحمل عنه معلومات شخصية ولا يتعداها سوى كون حامله " عربي " ، عربي فقط ولا تفاصيل أخرى من الممكن أن تعنى بها عوالم الماديات ..! هذه المستوردات الخارجية كانت مادية في البدء ، فمن منا لا يفتتح وجباته اليومية من الصباح حتى المساء بطعام من أصل أمريكي أو فرنسي أو ايطالي ..؟! ناهيك عن أشياء أخرى غربية متلاصقة بنا بشكل يكاد يوميا ؛ وفي النهاية كلنا يهتف سجّل : أنا عربي ..! ومن ثم أكملت المستوردات المعنوية ما بدأته المادية ، واكتسحت الأسواق آخر تقنيات التكنو " الهواتف المتحركة / الحواسيب " التي غدت في أول طلوعها مغتربة في بيتها الجديد ، ولكن نتيجة لعوامل التي تم ذكرها سابقا منها الفضول الراغب في الانفتاح أو التقليد الأعمى للآخر من قبل الفرد مما ضاعفها تحفزا في فرض وجودها بجدارة ؛ لتضحى هي من تدير البيت وأصحابه ، بينما الهوية العربية في عقر دارها غدت دون وجودها مغتربة ، خاوية ..! فتلكم الاختراعات لم تكن سوى غربية مئة بالمئة ، والفرد العربي تجاه هذه الحقيقة الفاغرة هل يعد نفسه عربيا مئة بالمئة ..؟! الجواب ببساطة مطلقة : لم تعد هويته عربية خالصة ؛ فشوائب تلكم المتغيرات غدت ضرورة من ضرورات هذا الزمن الراكض بقوة تريليون طائرة نفاثة ، والفرد لم يجد بدا سوى اللهث وراءها بالسرعة عينها لا بدافع الاختيار وحده الذي كان ، بل بدافع الفرض ، وإن وظفت صيغ المبالغة كلها لا أعتقد بأني أجدها كافية ؛ فقد غدا وجودها في حياتنا " واجبا " على كل فرد .. فهذه الهوية الناقصة المغتربة هي نفسها من فجرت الثورات العربية ؛ لاستعادة كمالها الناقص ..؟! في هذا العالم المتناقض لم يعد بإمكان الإنسان أن يحيا في ظل متغيرات العالم من حوله متفرج الأيدي والحواس ، وللمجتمع الدور الأكبر ؛ لأنه هو من سخرها لأفراده ؛ في مجتمع أراد أن يكون حضاريا بلغة الغرب ، بصناعات غربية ، بهويات غربية ، بأدمغة غربية ، وإذا ما كان كل قرار صادر في كافة الهيئات والمؤسسات من أصغرها إلى أكبرها تحتم حضاريتها في التعامل من الفرد ، وأبسط مثال أنها تشترط عليه في حال تقديم طلب وظيفة ورقة بخط حاسوبي منمّق موثقا معلوماته الشخصية برقم هاتفه المتحرك ويبعثه عبر بريد الكتروني ، أو ربما المقابلة تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعية الفيس بوك وتويتر .. إن هويتنا العربية تشتعل على جمر حقائق عدة ؛ فمن ناحية الفرد ورغم دود الخلخلة التي تتجشم شعوره فإنه مُصر على اكتمال قمر هويته العربية الناصعة ولكن بطرق غربية مستحدثة ، بينما المجتمع بقادته يرغبون تحضرا تواكب مكانتهم في سبق عالم ديمقراطي شامل فقط كصورة مؤطرة لوجه سياسي لامع متحضر في المحافل الدولية ، وفي الوقت عينه يضيقون الخناق بكافة السبل تلك الهوية العربية التي يرفضون اكتمالها في الداخل بوسائل غربية ..! لكن يا تُرى إن وجدت اختراعات عربية بديلة لاختراعات غربية هل ستواري حفرة الشك الغائرة بشكل ملحوظ جدا ما بين السلطة والفرد بمعدل متساو..؟! الفرد الذي أصبح عميق الثقة بشاشة حاسوبه أكثر من أي شيء آخر ؛ أليست هي من أخرجته من عزلته إلى عالم تواصلي ، وفجرت فيه قيم الكرامة والحرية ، وأثبتت له أنه يستحقهما بجدارة ، وعززت فيه إيمانا بأنه كيان مستقل تهز حماسته هزا بقولها له على طريقة " أوباما " : " بلى تستطيع ذلك " ، تستطيع التغيير ، تستطيع أن تقول وتفعل ، بعد أن أمسيت لا تقول ولا تفعل ..؟ والمجتمع القامات العالية يستوقفها في - الوضع الراهن - حاسوب مسطّح لا تدري بأي لغة أو عقلية أو يد تتعاطى معه ..؟! فهل ثمة نهاية لصراعات المجتمع والفرد وهويتهما العربية في حربهما الدائرة العتيقة ..؟! من حيّز حريتي ؛ رأيي أنا : لا فكاك ، من هذا الصراع الأبدي ؛ إلا بترقيع عدة فجوات متخثرة منذ قرون ..! ومن حيّز حريتك أيها الآخر : فما رأيك أنت ..؟ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * القصة القصيرة جدا من تأليف كاتبة المقال .. يتبع .............................................، ليلى البلوشي Lailal222@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق