أنا وساحر بانكوك
مريم الساعدي
حسنا، لازلت لا أستوعب هذه الأمور. لم أذهب إليه بالطبع. كنت أتطلع فقط لذلك أحيانا من باب الفضول، لكن لم يحصل وأن فكرت بالذهاب فعلا. هو صادفني، كنت خارجه من المستشفى الأمريكي، هكذا نسميه هنا في الامارات، هناك في بانكوك يسمونه بومونغراد، أو شئ من هذا القبيل، تعودنا دوما تغيير الأسماء الصعبة لأخرى نستطيع نطقها، فهو مجرد اسم في النهاية، مجرد علامة. لذلك قد تجد في أهلنا من اسمه جراده، فراشه، حمامه، ضبابه، جربوع، ضب، عنبه، موزه، زيتون، الخ الخ الخ، يعني أي شئ يخطر ببال الواحد حين يُبشر بالمولود الجديد، الاسم مجرد علامة وعلى المعيل الانتقال للمرحلة التالية للتسمية، مرحلة ايجاد الكلأ والمرعى في صحراء قاحلة أيام البداوة والقحط- بالطبع الآن اختلف الوضع، صار وقت كافي لانتقاء الأسماء رغم ذلك قد تجد من يسمي ولده المسكين على اسم جده المستعجل في ذلك الحين- الإشكالية أن الاخرين لا يستوعبون هذه الفكرة، يظنون عدم اهتمامنا بنطق الأسماء الأجنبية بشكل صحيح نوع من التعالي أو الاستهزاء بكرامة الانسان وحقوقه الطبيعية بسبب الطفرة النفطية. حصل هذا معي مره، حين نطقت اسم الطالبة الألمانية في الفصل كيفما اتُفق، احمرت الطالبة البولندية، احمرت واصفرت، وأرغت وأزبدت، اتهمتني أو كادت باللاإنسانية واللاإحترامية واللااهتمامية واللاسامية، فقط لأني لم أبذل جهدا لنطق اسم رفيقتها الألمانية بشكل صحيح. واستغربت ردة فعلها لأنهن جميعا ينطق اسمي طوال الوقت "ميغيام"، وكأني نوع من أنواع البلغم الملوث بالسل، ولم أفكر يوما في الاحتجاج أو حتى عناء تصحيحه لهن ، لأنه بالنسبة لي مجرد اسم والعبرة بالنية وافترضت دوما أن النية سليمة والأهم الإنتقال للموضوع الذي من أجله نطقن اسمي بدل تضييع الوقت في تصحيح الإسم. عموما تكفلت الألمانية بالرد عني حين علقت بأنها لا تنطق اسمي بشكل صحيح أيضا، وهذا يجعلنا متعادلتان. أردت خلع حذائي وضرب البولندية على رأسها، ثم تراجعت، فأنا شخص حضاري رؤوف ومتمدن، ثم هي من بلد مسكين، يكافح إحساسه الخاص بالدونية.
حسنا، كنت أقول ماذا؟ آه نعم، المستشفى الأمريكي في بانكوك، لا أعرف لماذا اتفقنا ضمنيا على تسميته بالأمريكي. ربما لأنه نظيف ومرتب جدا، ويؤدي عمله بكل دقه وسرعة، وهكذا يجب أن تكون مواصفات من يحكم العالم. بغض النظر عن الواقع، وأضع تحت هذه العبارة خط لاؤكد أني أدرك أن النظرية شئ وأن الواقع ليس بالضروة نفس الشئ، حتى لا يهب في وجهي أعداء الامبريالية الرأسمالية البيزنطية. وهذا ليس تخوف سريالي، فعلا هناك أشخاص ينتقون من معنى الكلام أرذله ويقررون الرد عليه واقحامك فيما لا ناقة لك فيه ولا جمل ولا حتى صرصور. حصل الأمر مؤخرا، حين دخلت في نقاش حامي الوطيس - أدركت لاحقا أنه كذلك- مع كاتب عربي اتهم الشيطان الأكبر وحلفاءه بأنهم السبب في كل مآسي العرب، دون أن يشعر بأي حاجة للإشارة بإصبع الاتهام ولو إلى أي عربي واحد أي عربي على الإطلاق!.
في بانكوك، بانكوك هذه صارت وجهتنا الطبية، كل مرض يشخصه أطباؤنا يتم تشخيصه بالعكس في بانكوك. فكم من سرطانات اتضح أنها مجرد أكياس دهنيه وأنسجة ما، وكم من عمليات كانت ستقطع أعضاء الجسد اتضح أن العلاج في حبة دواء أو قطرة ماء. أو هذا ما يتداوله الناس.
اقترب الأخ الساحر وقال: أريد التحدث معك، قلت: نعم؟ وبعد كيت وكات قال: هناك امرأه ما ( طبعا، فتش عن المرأه) إمرأه، تكبدت عناء اختلاس خصلات من شعري ولفها في شئ ما ودفنها في ليلة ظلماء في إحدى المقابر..ايييه االلهم عافنا، تبدو الحكاية مرعبة وأنا أكتبها الآن، كنت أستخف به في حينها!!
المهم هي تريد أن تؤذيني ومن المفترض أن يقوم عملها ذاك بهذه المهمة. يعني آلام في الجسد هنا وهناك، كسل، خمول ( آه الأن فهمت سر كسلي الأزلي، أنا مسحوره، لست كسولة ، ياما في الكسل مظاليم!). أخبرني أيضا أني سأعيش طويلا، لما يقارب الثمانين عاما أو أكثر. جعلني هذا أسترخي، أستطيع كتابة روايتي لاحقا. كتب باولو كويلهو روايته الرائعه "الخيميائي " بعد الأربعين، فرانك ماكوورت كتب تحفته "رماد أنجيلا" بعد الستين. أمامي ، أكثر من أربعين عاما.
أعطاني مواصفات هذه الحقودة الغادرة، ثم تحت إلحاحي أعطاني حرف إسمها الأول، ثم بعد مداولات ومناوشات ووعود بالكتمان قوية، أعطاني اسمها.
اها، لا أعرف غيرها بهذا الاسم.
ويبدو هذا الفعل لائق بها. لطالما أبدت مؤشرات. الآن، أسترجع الشريط بيننا من البداية في ذاكرتي، يبدو هذا الفعل المشين نتيجة طبيعية لمعطيات العلاقة القائمة على الصراحة والمواجهة من طرفي وعلى الصمت والتمسكن البارد من طرفها.
طلب مني وعدا ألا أخبر أحدا. بالطبع أعطيته إياه مع بعض العملة التايلندية.
أخبرت أمي، والأسره، والصديقات، وبعض الأصدقاء على المسنجر.
حسنا، أردت الاستئناس بآرائهم.
الأسره: لم يأخذ أحد الأمر على محمل الجد، ما يفسر ربما وقوعهم جميعا تحت مفعول السحر المخدر للحواس . الصديقات: البعض أشار إلي اللجوء لمشايخ الدين، والبعض أصر أن ألجأ لساحر لفك السحر، فما يفل الحديد إلا الحديد. أصدقاء المسنجر: وجدوها حكاية مسلية فيما يبدو، وفرصه للتقرب للجانب الإنساني مني، الجانب الخرافي الجبان.
حسنا الآن، كيف علي التصرف؟
صرت أفتح التلفزيون على إحدى قنوات القرآن وأنا نائمة، يظل القرآن يصدح في الغرفة فأشعر بالاطمئنان وأنام، اكتشفت لاحقا أن القناة تتحول إلى الموسيقى بعد فترة من الوقت!!. يال الهول!!
لم يمض كثير وقت حتى نسيت الموضوع.
وفي الحقيقة نشرته على الملئ استهزاءا به. وصار موضوع تندر عام " انتبهي قد تحولك إلى ضفدعه" قالت أختي، "لا بأس، إن كان سيأتي أمير وسيم لانقاذي" ، أمير ينقذ ضفدعه!، لازالت فسحة الأمل في اتساع مضطرد.
لكن حصلت أشياء لاحقا جعلتني أستعيد التفكير فيه وأخذه بجدية أكبر.
السرير يهتز فجأه وأنا نائمة لأستيقظ مفزوعة وأتحول إلى دجاجة منتوفة الريش من شدة الخوف. أتسلل لأنام في غرفة أختى الصغرى، على الأرض لضيق سريرها. بلا لحاف، فقط غطاء رأس أحاول أن أجعله يتسع لكل المساحة المهولة من أخمص القدم إلى قمة الرأس. لو كنا أفغانيات لكان التشادور مفيد جدا في هذه الحالة. حتما حماهن من مخاوف كثيرة، وأفكر أن غطاء المرأه يتسع كلما اتسعت مخاوفها!
وأيضا من العلامات الأخرى لمفعول السحر، مشاكل المعدة والجهاز الهضمي. أخبرني هو بذلك ، الساحر، أقصد عالم الفلك كما أسمى نفسه. أنا أسميته ساحر، لأنها كلمة واحدة فقط. بالطبع يمكن أن أسميه فلكي، ولكن أخشى أن تسقط اللام عند الطباعة والنشر وتصير فكّي فيضيع المعنى. من المؤسف أن معاني كثيره كبيرة قد ضاعت دوما بسبب أخطاء مطبعية صغيرة. عموما، كنت أعاني من اضطرابات الجهاز الهضمي مؤخرا، أرجعتها دوما لتخبيصي في الأكل، بيتزا بعد وجبات الريجيم الثلاث المفترض توزيعهن على مدار اليوم، لكن لضيق الوقت، واتساع البطن، يتحولن لوجبه واحده. ثم مشروبات غازيه ، بيبسي، كوكا كولا، ميرندا حمرا، أحببت دوما الميرندا الحمرا والفيمتو وعصير الرمان والبطيخ وكل شئ أحمر، ثم ميرندا برتقالية، قطعة حلوى، كعك ربما، حبات شوكلاته متلاحقه، ثم مكسرات مالحه بعد الحلو، طبعا! فأنا أكتب, والكاتب شخص عصابي، شخص يجب أن يتوتر في كل شئ، ويدخن بشراهه، وبما أنني لا أدخن، كان يجب أن أفعل شئ آخر بشراهة، الشراهة هي دليل التوتر، التوتر دليل التفكير، التفكير دليل الكتابة، الكتابة دليل الحياة. حسنا، كل واقع آخر محض خرافة.
الآن كل شئ أبتلعه يأتيني قافلا ، عائدا أدراجه من حيث دخل، لتصيبني حموضه وإحساس بحرقان في القلب. أحرق الله قلب كل ساحر ومن يلجأ إليه. قولوا آمين.
قلتم؟ أفترض ذلك. لن يضيركم لو فعلتم. حتى أولئك الظانين أنه محض هراء، قولوا آمين. بالمجان!.
حسنا، لم أستطع النوم في غرفة أختي. تصر على تشغيل المكيف، وأنا لا أحبه. أشعر بأني دجاجة في ثلاجة. يعني دجاجة خارج الثلاجة لا بأس. لكن مجمده؟ يصير الأمر .. مهين للغاية. كرهت دوما فكرة الاستلقاء بعجز، لذلك لم أذهب لمستشفى قط، أن تتمدد على سرير ما ومن المفترض أن لا تتحرك لأن أحد آخر أعلم منك عليه العبث بجسدك ليعرف علته. هزلت! ، أبدا، لن أستسلم مثل عنز استراليه في اتجاهها للمسلخ.
معروف عن الغنم الاستراليات استسلامهن لسكين الذبح. لذلك نحن أبدا لا نأكل لحمهن. أنا لم أر هذا الأمر بنفسي، لكن أمي أخبرتني التفاصيل، هي تحب شراء ذبائح العيد والمناسبات واللامناسبات بنفسها، تنتقي الأصايل، بنات القبايل، العربيات، أولئك النحيفات المليئات بالشعر دون اللحم، الملتصق عظامهن بجلدهن، دليل حسن الحسب والنسب والمجاعة. بعكس الأجنبيات المربرات المتغذيات على أطايب الأعشاب الخضراء الريانة، الجميلات مظهرا الفاسدات مخبرا.
قالت أمي " تساق الغنمة منهن، بكل هدوء، بل وتتقدم هي السائق لتسبقه إلى المذبح، يستلمها القصاب، وتتمدد من نفسها بكل أدب ورشاقة، تستلقي على أرضية المذبح، وكأنها سائحة تتشمس على شاطئ بحر، تعدل من وضع رقبتها، لتناسب وضعية السكين، وتُذبح بكل حضاره".!
فيما تكون العنزة العربية لا تزال ترفس وتركل وتقاوم مثل محارب شرس، عند مدخل المذبح.
لا يرضى الأصيل بالضيم. لذلك لا يدخل اللحم الاسترالي بيتنا. فنحن من أنصار الكرامة!
وها أنا مجددا ، في خضم كل الحكايات، أنسى أصل الحكاية.
حكاية السحر والساحر .. والنفوس المريضة ووجوب التحصن والاستعداد للمواجهة . أشعر بالتعب وبالرغبة في النوم وليمسخوني سحلية لو يشاؤون.
أتجه إلى الثلاجة ، أشرب دواء الحموضة، أسقط على الأريكة، أنام من الإعياء، مثل جندي احتياط عاد جريحا من حرب لم يشترك فيها و لم تعد كل الحروب تعني له أي شئ. أي شئ البتة.
أعتقد أني في الأصل غنمة استرالية!
حسنا، لازلت لا أستوعب هذه الأمور. لم أذهب إليه بالطبع. كنت أتطلع فقط لذلك أحيانا من باب الفضول، لكن لم يحصل وأن فكرت بالذهاب فعلا. هو صادفني، كنت خارجه من المستشفى الأمريكي، هكذا نسميه هنا في الامارات، هناك في بانكوك يسمونه بومونغراد، أو شئ من هذا القبيل، تعودنا دوما تغيير الأسماء الصعبة لأخرى نستطيع نطقها، فهو مجرد اسم في النهاية، مجرد علامة. لذلك قد تجد في أهلنا من اسمه جراده، فراشه، حمامه، ضبابه، جربوع، ضب، عنبه، موزه، زيتون، الخ الخ الخ، يعني أي شئ يخطر ببال الواحد حين يُبشر بالمولود الجديد، الاسم مجرد علامة وعلى المعيل الانتقال للمرحلة التالية للتسمية، مرحلة ايجاد الكلأ والمرعى في صحراء قاحلة أيام البداوة والقحط- بالطبع الآن اختلف الوضع، صار وقت كافي لانتقاء الأسماء رغم ذلك قد تجد من يسمي ولده المسكين على اسم جده المستعجل في ذلك الحين- الإشكالية أن الاخرين لا يستوعبون هذه الفكرة، يظنون عدم اهتمامنا بنطق الأسماء الأجنبية بشكل صحيح نوع من التعالي أو الاستهزاء بكرامة الانسان وحقوقه الطبيعية بسبب الطفرة النفطية. حصل هذا معي مره، حين نطقت اسم الطالبة الألمانية في الفصل كيفما اتُفق، احمرت الطالبة البولندية، احمرت واصفرت، وأرغت وأزبدت، اتهمتني أو كادت باللاإنسانية واللاإحترامية واللااهتمامية واللاسامية، فقط لأني لم أبذل جهدا لنطق اسم رفيقتها الألمانية بشكل صحيح. واستغربت ردة فعلها لأنهن جميعا ينطق اسمي طوال الوقت "ميغيام"، وكأني نوع من أنواع البلغم الملوث بالسل، ولم أفكر يوما في الاحتجاج أو حتى عناء تصحيحه لهن ، لأنه بالنسبة لي مجرد اسم والعبرة بالنية وافترضت دوما أن النية سليمة والأهم الإنتقال للموضوع الذي من أجله نطقن اسمي بدل تضييع الوقت في تصحيح الإسم. عموما تكفلت الألمانية بالرد عني حين علقت بأنها لا تنطق اسمي بشكل صحيح أيضا، وهذا يجعلنا متعادلتان. أردت خلع حذائي وضرب البولندية على رأسها، ثم تراجعت، فأنا شخص حضاري رؤوف ومتمدن، ثم هي من بلد مسكين، يكافح إحساسه الخاص بالدونية.
حسنا، كنت أقول ماذا؟ آه نعم، المستشفى الأمريكي في بانكوك، لا أعرف لماذا اتفقنا ضمنيا على تسميته بالأمريكي. ربما لأنه نظيف ومرتب جدا، ويؤدي عمله بكل دقه وسرعة، وهكذا يجب أن تكون مواصفات من يحكم العالم. بغض النظر عن الواقع، وأضع تحت هذه العبارة خط لاؤكد أني أدرك أن النظرية شئ وأن الواقع ليس بالضروة نفس الشئ، حتى لا يهب في وجهي أعداء الامبريالية الرأسمالية البيزنطية. وهذا ليس تخوف سريالي، فعلا هناك أشخاص ينتقون من معنى الكلام أرذله ويقررون الرد عليه واقحامك فيما لا ناقة لك فيه ولا جمل ولا حتى صرصور. حصل الأمر مؤخرا، حين دخلت في نقاش حامي الوطيس - أدركت لاحقا أنه كذلك- مع كاتب عربي اتهم الشيطان الأكبر وحلفاءه بأنهم السبب في كل مآسي العرب، دون أن يشعر بأي حاجة للإشارة بإصبع الاتهام ولو إلى أي عربي واحد أي عربي على الإطلاق!.
في بانكوك، بانكوك هذه صارت وجهتنا الطبية، كل مرض يشخصه أطباؤنا يتم تشخيصه بالعكس في بانكوك. فكم من سرطانات اتضح أنها مجرد أكياس دهنيه وأنسجة ما، وكم من عمليات كانت ستقطع أعضاء الجسد اتضح أن العلاج في حبة دواء أو قطرة ماء. أو هذا ما يتداوله الناس.
اقترب الأخ الساحر وقال: أريد التحدث معك، قلت: نعم؟ وبعد كيت وكات قال: هناك امرأه ما ( طبعا، فتش عن المرأه) إمرأه، تكبدت عناء اختلاس خصلات من شعري ولفها في شئ ما ودفنها في ليلة ظلماء في إحدى المقابر..ايييه االلهم عافنا، تبدو الحكاية مرعبة وأنا أكتبها الآن، كنت أستخف به في حينها!!
المهم هي تريد أن تؤذيني ومن المفترض أن يقوم عملها ذاك بهذه المهمة. يعني آلام في الجسد هنا وهناك، كسل، خمول ( آه الأن فهمت سر كسلي الأزلي، أنا مسحوره، لست كسولة ، ياما في الكسل مظاليم!). أخبرني أيضا أني سأعيش طويلا، لما يقارب الثمانين عاما أو أكثر. جعلني هذا أسترخي، أستطيع كتابة روايتي لاحقا. كتب باولو كويلهو روايته الرائعه "الخيميائي " بعد الأربعين، فرانك ماكوورت كتب تحفته "رماد أنجيلا" بعد الستين. أمامي ، أكثر من أربعين عاما.
أعطاني مواصفات هذه الحقودة الغادرة، ثم تحت إلحاحي أعطاني حرف إسمها الأول، ثم بعد مداولات ومناوشات ووعود بالكتمان قوية، أعطاني اسمها.
اها، لا أعرف غيرها بهذا الاسم.
ويبدو هذا الفعل لائق بها. لطالما أبدت مؤشرات. الآن، أسترجع الشريط بيننا من البداية في ذاكرتي، يبدو هذا الفعل المشين نتيجة طبيعية لمعطيات العلاقة القائمة على الصراحة والمواجهة من طرفي وعلى الصمت والتمسكن البارد من طرفها.
طلب مني وعدا ألا أخبر أحدا. بالطبع أعطيته إياه مع بعض العملة التايلندية.
أخبرت أمي، والأسره، والصديقات، وبعض الأصدقاء على المسنجر.
حسنا، أردت الاستئناس بآرائهم.
الأسره: لم يأخذ أحد الأمر على محمل الجد، ما يفسر ربما وقوعهم جميعا تحت مفعول السحر المخدر للحواس . الصديقات: البعض أشار إلي اللجوء لمشايخ الدين، والبعض أصر أن ألجأ لساحر لفك السحر، فما يفل الحديد إلا الحديد. أصدقاء المسنجر: وجدوها حكاية مسلية فيما يبدو، وفرصه للتقرب للجانب الإنساني مني، الجانب الخرافي الجبان.
حسنا الآن، كيف علي التصرف؟
صرت أفتح التلفزيون على إحدى قنوات القرآن وأنا نائمة، يظل القرآن يصدح في الغرفة فأشعر بالاطمئنان وأنام، اكتشفت لاحقا أن القناة تتحول إلى الموسيقى بعد فترة من الوقت!!. يال الهول!!
لم يمض كثير وقت حتى نسيت الموضوع.
وفي الحقيقة نشرته على الملئ استهزاءا به. وصار موضوع تندر عام " انتبهي قد تحولك إلى ضفدعه" قالت أختي، "لا بأس، إن كان سيأتي أمير وسيم لانقاذي" ، أمير ينقذ ضفدعه!، لازالت فسحة الأمل في اتساع مضطرد.
لكن حصلت أشياء لاحقا جعلتني أستعيد التفكير فيه وأخذه بجدية أكبر.
السرير يهتز فجأه وأنا نائمة لأستيقظ مفزوعة وأتحول إلى دجاجة منتوفة الريش من شدة الخوف. أتسلل لأنام في غرفة أختى الصغرى، على الأرض لضيق سريرها. بلا لحاف، فقط غطاء رأس أحاول أن أجعله يتسع لكل المساحة المهولة من أخمص القدم إلى قمة الرأس. لو كنا أفغانيات لكان التشادور مفيد جدا في هذه الحالة. حتما حماهن من مخاوف كثيرة، وأفكر أن غطاء المرأه يتسع كلما اتسعت مخاوفها!
وأيضا من العلامات الأخرى لمفعول السحر، مشاكل المعدة والجهاز الهضمي. أخبرني هو بذلك ، الساحر، أقصد عالم الفلك كما أسمى نفسه. أنا أسميته ساحر، لأنها كلمة واحدة فقط. بالطبع يمكن أن أسميه فلكي، ولكن أخشى أن تسقط اللام عند الطباعة والنشر وتصير فكّي فيضيع المعنى. من المؤسف أن معاني كثيره كبيرة قد ضاعت دوما بسبب أخطاء مطبعية صغيرة. عموما، كنت أعاني من اضطرابات الجهاز الهضمي مؤخرا، أرجعتها دوما لتخبيصي في الأكل، بيتزا بعد وجبات الريجيم الثلاث المفترض توزيعهن على مدار اليوم، لكن لضيق الوقت، واتساع البطن، يتحولن لوجبه واحده. ثم مشروبات غازيه ، بيبسي، كوكا كولا، ميرندا حمرا، أحببت دوما الميرندا الحمرا والفيمتو وعصير الرمان والبطيخ وكل شئ أحمر، ثم ميرندا برتقالية، قطعة حلوى، كعك ربما، حبات شوكلاته متلاحقه، ثم مكسرات مالحه بعد الحلو، طبعا! فأنا أكتب, والكاتب شخص عصابي، شخص يجب أن يتوتر في كل شئ، ويدخن بشراهه، وبما أنني لا أدخن، كان يجب أن أفعل شئ آخر بشراهة، الشراهة هي دليل التوتر، التوتر دليل التفكير، التفكير دليل الكتابة، الكتابة دليل الحياة. حسنا، كل واقع آخر محض خرافة.
الآن كل شئ أبتلعه يأتيني قافلا ، عائدا أدراجه من حيث دخل، لتصيبني حموضه وإحساس بحرقان في القلب. أحرق الله قلب كل ساحر ومن يلجأ إليه. قولوا آمين.
قلتم؟ أفترض ذلك. لن يضيركم لو فعلتم. حتى أولئك الظانين أنه محض هراء، قولوا آمين. بالمجان!.
حسنا، لم أستطع النوم في غرفة أختي. تصر على تشغيل المكيف، وأنا لا أحبه. أشعر بأني دجاجة في ثلاجة. يعني دجاجة خارج الثلاجة لا بأس. لكن مجمده؟ يصير الأمر .. مهين للغاية. كرهت دوما فكرة الاستلقاء بعجز، لذلك لم أذهب لمستشفى قط، أن تتمدد على سرير ما ومن المفترض أن لا تتحرك لأن أحد آخر أعلم منك عليه العبث بجسدك ليعرف علته. هزلت! ، أبدا، لن أستسلم مثل عنز استراليه في اتجاهها للمسلخ.
معروف عن الغنم الاستراليات استسلامهن لسكين الذبح. لذلك نحن أبدا لا نأكل لحمهن. أنا لم أر هذا الأمر بنفسي، لكن أمي أخبرتني التفاصيل، هي تحب شراء ذبائح العيد والمناسبات واللامناسبات بنفسها، تنتقي الأصايل، بنات القبايل، العربيات، أولئك النحيفات المليئات بالشعر دون اللحم، الملتصق عظامهن بجلدهن، دليل حسن الحسب والنسب والمجاعة. بعكس الأجنبيات المربرات المتغذيات على أطايب الأعشاب الخضراء الريانة، الجميلات مظهرا الفاسدات مخبرا.
قالت أمي " تساق الغنمة منهن، بكل هدوء، بل وتتقدم هي السائق لتسبقه إلى المذبح، يستلمها القصاب، وتتمدد من نفسها بكل أدب ورشاقة، تستلقي على أرضية المذبح، وكأنها سائحة تتشمس على شاطئ بحر، تعدل من وضع رقبتها، لتناسب وضعية السكين، وتُذبح بكل حضاره".!
فيما تكون العنزة العربية لا تزال ترفس وتركل وتقاوم مثل محارب شرس، عند مدخل المذبح.
لا يرضى الأصيل بالضيم. لذلك لا يدخل اللحم الاسترالي بيتنا. فنحن من أنصار الكرامة!
وها أنا مجددا ، في خضم كل الحكايات، أنسى أصل الحكاية.
حكاية السحر والساحر .. والنفوس المريضة ووجوب التحصن والاستعداد للمواجهة . أشعر بالتعب وبالرغبة في النوم وليمسخوني سحلية لو يشاؤون.
أتجه إلى الثلاجة ، أشرب دواء الحموضة، أسقط على الأريكة، أنام من الإعياء، مثل جندي احتياط عاد جريحا من حرب لم يشترك فيها و لم تعد كل الحروب تعني له أي شئ. أي شئ البتة.
أعتقد أني في الأصل غنمة استرالية!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مريم الساعدي :
قاصة من الإمارات ، لها مجموعتان قصصيتان هما :
( مريم والحظ السعيد ) الصادرة عن هيئة أبوظبي للثقافة ، ضمن مشروع " قلم " .
( أبدو ذكية ) الصادرة عن دار العالم العربي بدعم من مؤسسة محمد بن راشدآل مكتوم ضمن مشروع " أكتب " .
السلام عليكم
ردحذفمساحة رائعه
و مواضيع متداخله اعجبتني
متابع دوما
أشكرك كثيرا على المتابعة والاهتمام
ردحذفوالاطراء اللطيف ،
تقديري
ليلى
المستشفى الأمريكي بانكوك
ردحذفذا أنت يبحث في المستشفى الملكي في بانكوك, ثم المرشدي للتنسيق الطبي يكون الأفضل عيادات التجميل في بانكوك إلى عن على الخدمات الطبية.
to get more - http://almurshidimed.com/arabic/عنا//