قصص للناشئة ( أوراق / من جديد ) للقاص حسن أحمد اللواتي *
بين صناعة الإبداع وصقل فلسفة المفاهيم /
ليلى البلوشي
بين صناعة الإبداع وصقل فلسفة المفاهيم /
ليلى البلوشي
سعدت أيما سعادة حين استقبل بريدي قصصا موجهة للأطفال ، وتضاعفت سعة فرحتي حين رأيت انتماءها لقاص عماني يخاطب فيها أطفالا صغارا ، أدب الطفل في سلطنة عمان الذي لا نكاد نلمس خطوطا واضحة عنه ، وعدد كاتبيه بالنسبة للمبدعين الذين يكتبون للكبار محبط جدا ويمكن عدّها على الأصابع ، ويستمر هذا الشعور بالإحباط حين لا نجد مجلة خاصة تخاطب الطفل العماني على مدى تلك السنوات ، وكأن الطفل العماني ليس كميثله من الأطفال في أرجاء الخليج والوطن العربي والعالم الأجمع ، فقد كان من المفروض وأنا أتناول هذه المجموعة بالدراسة أن أقارن بينها وما تحتويه مكتبة الطفل العماني من قصص ، ولكن كيف السبيل إلى ذلك والمفاهيم ما تزال غير واضحة وخطوط مبعثرة .. ولكن هذا لا يمنع من أن نتناولها كنقطة تحفيز لهذا الأدب الناشئ هو الآخر كالطفل الموجه له بالبحث والدراسة ؛ كي يجد ساعدا يقوده نحو إكمال درب الإبداع ..
فقد آن الأوان لرسم خطوط أولية لنهضة أدب خاص بالصغار ، وأنا شخصيا أعد هذا الكتاب وبعض الكتب المعدودة التي سبقته لبنة نحو ذاك التنهيض ، فعسى أن يكون غد الطفل العماني زاخرا بآمال كثيرة ..
* صناعة الإبداع في قصة ( أوراق ) :
من القراءة الأولى لكيلا النصين في مجموعة القاص حسن اللواتي قصص للناشئة ، يمكن أن يلاحظ المتلقي أن كل منها يندرج تحت فئة عمرية مختلفة عن الأخرى ، فالقصة الأولى ( أوراق ) في العمل القصصي تخاطب أطفالا ناشئة تتراوح أعمارهم ما بين ( 13 ـ 18 ) :
في هذه المرحلة يكون الطفل مهيئا لولوج مرحلة النضج على مستويات عدة تشمل النضج الجسدي والفكري والنفسي والعاطفي ، مع تلكم التغييرات تتفتق الطموحات لتواكب أحلاما جديدة نحو منطقات عدة تضع الطفل مكانه الصحيح في خانة المستقبل ..يؤكد هذا قول " فيشر " : ( إذا كان على أطفالنا أن يتوقعوا إشكالية التغيير ، سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي ، وأن يتغلبوا عليها ويتعلموا مواجهتها ، فإنهم بالإضافة إلى حاجاتهم إلى تعلم كيفية التأقلم مع المستقبل ، فإن عليهم أن يتعلموا كيف يشكلون أيضا إذا كان إعداد الأطفال لمواجهة التغيرات السريعة هو أحد تحديات التفكير بإبداع يصبح حاجة ملحة ) .
وأهم ما يميز هذه المرحلة شعور الطفل بمواهبه ، فتظهر الهوايات وترجع أهميتها إلى كونها تعطي الفرد فرصة للتعبير عن فرديته وميوله واهتماماته ، وتعطي له الشعور بشخصيته ووجوده ، فيميل إلى كتابة قصص ذات طابع طفولي ، وإن كانت تعبر عن مكنون المشاعر طريق الكتابة تفجيرها ونشرها ، وهذا عائد إلى التغييرات المصحوبة التي تعايش معها الطفل ، فالنضج العاطفي يكون في أوج قمته ..
في قصة ( أوراق ) نجد أمامنا شابا محبطا يدعى ( طلال ) كل ما حوله يشي بهذا الإحباط ، بدءا من الشعور المؤرق الذي قبض على ليلته ، وأقض مضجعها تلك الأوراق الحبيسة في درج مكتبه مذ أكثر من ست سنوات ، نصوص وقصائد تلمست بعضا منها طريقها إلى النور حين نشرت في صفحات الصحف والمجلات وظلت بعضها حبيس ظلمتها ، ولوهلة نرى أن كل شيء حول طلال منغلق على نفسه ، فالنافذة التي يطل منها المرء على العالم الخارجي كانت مغلقة وحين فتحها تفاجأ بالهواء الساخن القوي الذي بعثر الأوراق في فناء غرفته المغلقة ، العالم الخارجي طاحن في حركة دائمة بينما طلال وأوراقه في عزلة عنها ، من تلك الأوراق التي تدلت مع الريح صفعت ورقة وجه طلال وكاد أن يرميها من النافذة لكن شيئا ما فيها لفت نظره ، كان جوفها يحوي كلمات مكتوبة بخط جميل ورشيق ، وتلبّس على ذاكرة طلال كاتبها وهذا يفغر عن المدة الزمنية للأوراق وهي حبيسة في درج المكتب ، تسري تنهيدة في صدر طلال ثم يجد نفسه يقرأ تلك السطور التي تتمحور حول مسمى المستحيل واليأس والفرق بينهما على مستوى المضمون ، وكما تقول الورقة أنهما يعطيان نتيجة واحدة والفارق بينهما هو أن المستحيل يقترن في البداية بعدم الإمكان لفقدان الوسيلة ولكنه يفاجئ بموانع غير متوقعة ، والمستحيل لا يشكل صدمة لأنه ينبثق عن أمل ، أما اليأس فالصدمة فيه تعني مصرع أمل ॥ ثم تختم الورقة قولها : ( عرفت في حياتي الكثير من الكتاب ولكن الذين أثبتوا وجودهم واستمروا حتى النهاية هم في العد لا يتجاوزون أصابع اليد ) .. هذه الجدلية هي التي تهيمن بقوة على كيان طلال ، فهو الآن وصل مرحلة متزعزعة ما بين اليأس والمستحيل والأمل جامد بينهما ..
ولعل هذا التضارب وفي حمية اليأس نجده يجمع تلك القصاصات القديمة ويضعها في كيس مهدا لحرقها ورميها وليمة للريح ، فلا جدوى من الاحتفاظ بها كما عبّر عن ذلك ..
وحين كوّمها في الكيس نرى أن دقة الساعة تنبهه إلى وضعه الخارجي حين ينظر في المرآة فتكشف المرآة التي لا تكذب عن جسم ضامر ووجه شاحب ، وفقد مضى عليه أكثر من شهر وهو لم يذهب للمزين .. وهذا شعور متحالف مع الركود الذي لزم طلال وأوراقه تلك ، وأكثر ما يشي بذلك الشعور الجامد ككل في مستوى حياته ..
لكن الجمود يتحرك ببطء السلحفاة يعزوه مشاعر أخرى ، نتعرف فيها على شخصية طلال من جوانب أخرى وهو في مواجهة العالم الخارجي ..
عندما حمل طلال معه الكيس الذي يحوي أوراقه وهو خارج من بيته ، لفحه هواء ساخن متواطئ مع الغبار أي أن الأفق والأرض في انشغال تجددي فرضته ظروف الطبيعة ، وأوراق أشجار النخيل تصدر أصواتا قوية تمتزج مع زقزقة العصافير ، وجوه كثيرة تشرق وتغرب ..كل هذه الدلالات الخارجية توحي بالحياة النابضة في الخارج بينما داخل طلال عالم ساكن يقود دفته اليأس ..
وها نحن نرى طلال وهو تائه في متاهة البيوت القديمة والجديدة والأزقة الملتوية والمتعرجة وهذا يكثف شعور الضياع المسيطر عليه مذ البدء .. ويستمر هذا الشعور حتى يجد نفسه أمام دكان المزين .. يدخل ويلقي التحية على الحضور ، ونرى تصوير القاص لسلوكه : ( جلس على مقعد صغير ، تصفح بعض المجلات ) .. في سلوكه هذا ما يزال طلال راكدا ، يقطع دروب الكلام المباشر مع الآخرين ، والحدث إلى هنا مجرد استرسالات نفسية تتخبط بها الشخصية ولوحدها وهكذا حتى نجد تصادما آخر ، فطلال عندما تفارق عينيه المتصفح تتسلق نظراته إلى المرآة أمامه ، ولوهلة رأى ابتسامة تترصده وباهتمام كبير ، شعر طلال بالاستغراب ؛ لأن صاحب الابتسامة غريب عنه ، وبعد فترة قصيرة وقف الشاب صاحب الابتسامة وألقى عليه التحية ثم صافحه بحرارة كبيرة ، حاول طلال أن يجد في ذاكرته ما يلوح عن معرفة بهذا الغريب ولم يعثر على شيء ، وقال له الشاب : ( اسمي نواف وقد شاهدت صورتك في الجريدة وأعجبني ما كتبته ، لقد مررت بعدة تجارب في الحياة واكتب منذ سنة تقريبا ... ) هذا التصادم قلب كيان طلال خصوصا حين طلب منه نواف أن يقرأ ما كتبه من خواطر ، فذهب نواف مسرعا إلى بيته القريب وأحضر أوراقه ووضعها في يد طلال ، تناولها طلال وسط إرباكه المفاجئ وقرأها ، ولكن لم تثر إعجابه وحاول أن يخفي شعوره ، بينما نواف متحير يريد أن يسمع رأيه مخاطبا طلال : ( قل لي بصراحة هل هذه الخواطر والأشعار صالحة للنشر ؟ إذا لم يعجبك ما كتبته فلن استمر في الكتابة ) ..
فكر طلال قبل أن يدلي بدلوه ثم نظر إلى نواف وقال له : ( سلم الكتابة طويل وقد وضعت رجلك على الدرجة الأولى ) ..
قاطعه نواف بدوره : ( هل سأتمكن من الوصول إلى ما هو أعلى من ذلك ؟ ) ووضح له طلال كيف أن وضع قدم على الدرجة الأولى انجاز جيد بحد ذاته عجز عنه الكثيرون ، ثم بحث عن إجابة أفضل ، فأدخل يده في الكيس واخرج منها قصاصة قديمة ، وأخبر نواف بأن المشرف على صفحة بريد القراء في إحدى المجلات كتب هذا التعليق له قبل ست سنوات : ( بداية جيدة في مجال الكتابة ، عليك بالمحاولات المتكررة والمران المستمر لكي تنضج تجربتك ) وضع القصاصة في يد نواف ثم خرج من دكان المزين وهو يعانق الكيس ، هبت ريح قوية اضطربت معها الأوراق في الكيس غير أن طلال احكم قبضته عليها ؛ كي لا يلتهمها الهواء ، داهمه شعور جديد بأنه لا يحمل قطعا جامدة من الورق وعاد إلى بيته وهو يحمل حياته وذاته معه ..
على مستوى الأعمال الأدبية الطفولية نجد أن معظم القصص في مضمونها تقف على قوائم ثلاث :
( فكرة القصصية / الحدث / الشخصية ) قد يأتي كل منها على حدا ، وقد يستبد عنصر على آخر وهذا عائد لطبيعة النص وماذا يريد منه الكاتب ؟
فقبل الكتابة يجب أن يعي الكاتب هذه المضامين ثم يخطط نصه وفق ما يلائمه ، في قصة أوراق نجد أن القاص حسن اللواتي ركز على بؤرة الشخصية ، فطلال هنا هو الذي تحكم في الأحداث وسيرها حتى نهاية القصة ، والشخصية هنا مرت بعدة مراحل نفسية على وجه الخصوص : ( فنجد طلال المحبط / طلال الضائع / طلال الحائر / طلال مع عزم التجديد ) ،
ولا نكاد نجد حدثا دون طلال ، بل الحدث هنا كان راكدا لركود الشخصية اليائسة ، وقد تعاون المكان في القصة مع الشخصية مع الحدث ، ونرى طلال في تمهيد القصة في غرفته والنافذة مغلقة ، الغرفة هنا رمز لفضاء ضيق ، والنافذة المغلقة رمز الانغلاق عن العالم الخارجي الزاخر بالهواء والأشخاص وأشجار النخيل وزقزقة العصافير فكل هذه الرموز تعبر عن تجدد المستمر في عالم عازل عن طلال ॥ يمر الحدث المكاني ويتوسط العالم الخارجي حين يخرج طلال من بيته معه كيس أوراقه ، ورغم الطبيعة المتحركة فإن طلال يساوره شعور بالضياع والتيه وسط تلك المكنونات الخارجية ، إلى أن يدخل إلى بيئة مكانية أقل ضيقا من غرفته دكان المزين ولا يحاول أن يحاور أحدا ويفضل تصفح مجلة عن ذلك ، إلى أن يظهر نواف ، ونواف هنا هو الذي كسر جليد الصمت والجمود المحاط بطلال ، جرى بينهما حوار ، حوارا كان يخفي في داخله استفهامات كانت منغلقة في جوف طلال الحائر ، ومن خلالها استطاع فك بعض رموز الغموض التي كانت تهيمن على شعوره بالضياع والإرباك ..
دخول نواف في وسط عالم طلال الشائك كان الحبل الذي سحب طلال نحو التغيير ، فمن خلاله شعر طلال وإن لم تعبر عنها القصة بشكل مباشر أهميته ككاتب يقرأه القارئ الآخر ويتابعه ويعجب بما ينقله له من نصوص ، وهو القارئ عينه الذي يريد أن يعرف سر نجاح كتاباته ونشرها في الصحف ، وهنا يتلمس طلال أولى خطوات نحو التغيير ونحو الخطوة التي كان يجب أن يقوم بها ، فنرى في الختام يقرر الاحتفاظ بقصاصاته ..
ما أبعاد هذه القصة على نفسية الأطفال ؟
عادة الأطفال الذين يرسم البلوغ علاماته عليهم ، يبدأ ذلك بالتخلي عن أشياء ينعتها بالطفولية كما يراها من معجمه الفكري الذي بدأ يعي ويعبر عن نضج ، فالبنت تتخلى عن الدمية ؛ لأن ثمة اهتمام آخر عوض عنها ، والولد يتخلى عن لعبته السيارة ؛ لأن لعبة أخرى حازت على اهتمامه ، و تلك الاهتمامات تندرج تحت مسمى الهوايات والإبداعات ومنها الكتابة والرسم والسباحة ...الخ .
معظم الهوايات كالكتابة والرسم تبدأ ضحلة ثم شيئا فشيئا مع الممارسة تتضح أكثر ، لكنها تأخذ صورتها الكلية وتغدو كاهتمام وشغل شاغل أو هدف في الحياة أو جزءا من الأحلام من خلال مثابرة الشخص ووجود يد تقوده نحو الأمام ..
مهم جدا على مستوى الهوايات أن ينمي الطفل هوايته وذلك لا يتأتى إلا بوجود بيئة وأشخاص ووسائل تساهم في عملية الدفع الإبداعي نحو ما يريده .. فكم من مواهب لم تجد طريقها الصحيح وسط جلبة المجتمع وطغيان اهتمامات أخرى أخذت الطفل تدريجيا نحوها ..
فعلى المجتمع والأسرة وملاحق الصحف التي تستقبل كتابات الناشئة تحديدا أن تعزز مفاهيم الثقة وتبني فيه الشعور بالأمل والاستمرارية الفعل الممارس نحو مستقبل كتابي يتجدد مع كل ممارسة ومثابرة ..
من هنا جاءت أهمية فكرة هذه القصة والحيرة التي تنتاب صاحبها في وسط مرحلة عمرية حساسة ومهمة جدا في حياة الناشئ ..
* صقل فلسفة المفاهيم في قصة ( من جديد ) :
وهي قصة يخاطب فيها القاص أطفالا أقل سنا من المرحلة السابقة لقصة أوراق .. ويمكن تقديرها ما بين عامي ( 5 ـ 10 ) سنوات ..
نجد أمامنا عجوز متكئ على عكازه رغم أن القاص لم يعبر عنه باللفظ تحديدا ، لكن الذي يلقي النظر على الصورة المرسومة يجد أمامه شيخا كبيرا بشعيرات بيضاء ووجه مجعد ..
كان العجوز يسير في الشارع يسترسل في حديث نفسي ويفكر في الريح التي تمحو خطواته فوق الرمل ، ثم فجأة يقفز في ذهنه سؤال : ( هل يمكن أن تعيد المآسي بناء الحياة من جديد ؟ ) لكن صراخ طفلة صغيرة قطعت فكرته تلك ،فإذا الطفلة تهتف : ( لا تدس على الرسم يا عماه ) ..
توقف العجوز ونظر إلى الأسفل ، فرأى فتاة صغيرة ترسم شمسا بألوان قوس قزح على الرصيف ॥ جلس بقرب الطفلة وسألها : ( هل الشمس تحرق ؟ ) وهتفت الطفلة بحماس بأنها تحرق ثم وضعت يدها على الشمس المرسومة وسحبتها بسرعة ، فأخذ العجوز يدها في راحته لفت نظره أصابعها البارزة والملونة بأصباغ ثم قال لها : ( آه ، هذا حرق خطير ) سحبت الفتاة يدها بسرعة وضحكت بمرح قائلة : ( لقد كذبت عليك يا عم ، وعادت إلى الرسم ) .. مرّ مجموعة من الناس وصرخت فيهم الطفلة لكنهم بلا مبالاة داسوا على الرسم وتابعوا السير ، نظرت الفتاة مبتسمة إلى العجوز وهي تقول : ( لا بأس يا عماه ، سأرسم الشمس من جديد ) ضغط العجوز على عكازه بقوة وغرق في تفكير أعاد التساؤل الذي طرحه في بداية القصة عن بناء الحياة من جديد ، فالشمس كما عبرت الطفلة الصغيرة يمكن رسمها من جديد وكذلك ستنمو نباتات الربيع على الأرض التي دفن فيها موتى وسيبني اليتامى والأطفال والأرامل والعجائز المدينة من جديد ..
القصة هنا رمزية ، ومن الرموز التي استخدامها القاص وتواطأت مع عنوان القصة :
1 ـ الريح : رمز للتجديد كما عبر العجوز فهي تمحو خطاه على الرمل .
2 ـ الشمس : رمز للتجديد كذلك ، فالشمس في كل يوم تنجب لنا يوما جديدا .
تمثلت أهمية الرمزية هنا في أن المفاهيم التي زعزعت نفسية العجوز كانت فوق مستوى الطفل ، فكان لا بد من وضعها على لسان حكيم كشخصية العجوز الذي عايش تجارب وخبرات عديدة في الحياة ، بينما وجود الطفلة الصغيرة مع رمزية رسم الشمس قد هيأ بداية تفسير للفلسفات التي طرحها العجوز وحاول الإجابة عنها أو كشف نقابها في نهاية القصة ..
تلك الجدلية الفلسفية التي شغلت العجوز عن إعادة المآسي بناء حياة جديدة ، هي بحد ذاتها تعبّر عن نفسية العجوز الطافحة بالحيرة مشوبة مع شعور الحزن واليأس ..
وحين يقابل الطفلة الصغيرة يتجدد في العجوز شعورا آخر قابل للتجديد والأمل ، فالشمس التي رسمتها الطفلة الصغيرة ومنعت العجوز من وطئه ثم وطأه آخرون وموقف الطفلة الصغيرة من ذلك لم يواكبها شعور باليأس ، بل على العكس ابتسمت في وجه العجوز عن إمكانية إعادة رسمه من جديد ..
وهنا تتضح صورة التساؤل الذي شغل العجوز في بداية القصة ، عن نمط التجديد في الحياة بعد المآسي التي تواكب عليه جيلا بعد جيل ..
وأهم ما يميز هذه القصة الحوار الحيوي ، الذي جرى على لسان العجوز والطفلة الصغيرة وكان ذكيا في حد ذاته ، عادة في القصص التي تخاطب أطفالا في مثل هذه السن يلعب فيه الحوار دورا حيويا مهّما ، يقضي فيه على رتابة السرد الطويل الذي لا يفضل أن ينفرد في عمل قصصي موجه للأطفال ، بل من الأجمل أن يتناوب كلا أسلوبين في الطرح ..
* على هامش النقد الفني :
في دراسة عن أدب الأطفال عبر الدكتور أحمد هيتي قائلا : " بأن الطفل قارئ غير متحيز ؛ فهو لا يبحث اسم الكاتب عندما يختار كتابا لنفسه ، كما يفعل الكبار بل إن اسم الكتاب وشكله وطريقة عرضه هي الأمور التي تشد الولد إلى كتابه " ..
إذن يمكن القول بأن الشكل الخارجي لكتاب الطفل موطئ مهم للنجاح بالنسبة لكاتبه ..
وجاءت مجموعة قصص للناشئة للقاص حسن اللواتي التي تحوي قصتين في شكل أنيق ، الغلاف متماسك وملائم لطبيعة الطفل ، والأوراق زاخرة بالرسوم التي يستطيع الطفل من خلالها رسم تصور واضح عن مضمون الأحداث ..
ثمة بعض الهنات ليس من شأنها تقليل من أهمية العمل ولكن يمكن أخذها بعين الاعتبار في المرات القادمة للكتابة الطفولية :
1 ـ مراعاة علامات الترقيم ، تكاد القصة الثانية تحت عنوان ( من جديد ) تخلو من أهم علامات الترقيم من فاصلة وعلامات الاستفهام والنقطتان الرأسيتان في حال كل حوار يعقبه استفهام .. مع عدم إغفال تشكيل الكلمات بالحركات ..
2 ـ تحديد الفئة العمرية ، في المجموعة قصتان وكلاهما ينتميان لمرحلة عمرية مختلفة ، من المهم على كاتب الطفل اعتبار أهمية هذا التحديد ، فمن خلالها تسهل على الطفل القارئ اختيار ما يلاءم وعمره ، ومن ناحية أخرى تقضي على حيرة الوالدين أثناء اختيار النمط القصصي المناسب لسن طفلهم الذي يريدان تثقيفه ..
3ـ حبذا لو كتبت العناوين القصتين في كل منهما في صفحة على حدا ، مع مراعاة فصل بين كل قصة وأخرى بصفحة يكتب فيها عنوان القصة الأخرى ؛ لأن الطفل سيخطر بعقله لوهلة أن قصة ( من جديد ) تابعة لقصة ( أوراق ) بينما هي منفصلة حدثيا وقصصيا عنها ..
تلك الهنات ما هي إلا خطوة نحو التجديد ، نحو الإبداع الطفولي ، نحو مزيد من الإنتاج الإبداعي من أجل عيون أطفالنا الصغار ، وقلوبهم النابضة بالحياة ، وعقولهم المتدفقة بالبراءة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قصص للناشئة ( أوراق / من جديد ) حسن أحمد اللواتي ، دار الإرشاد للنشر ، سوريا ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق