& تعليق على مقالتي ( حتى نخاع الزمن ) :
* هذا رد من الردود الكثيرة التي وصلتني على المقالة التي نشرتها في جريدة الوطن بعنوان ( حتى نخاع الزمن ) ، حيث علق الأستاذ ( محمد الغساني ) بأن له آراء حول الزمن ونظرياته ما لا يتوافق مع ما عرضته في مقالتي التي جاءت فيه بعض الآراء متناقضة ..
* رد الأستاذ ( محمد الغساني ) :
مرحبا ليلى
السلام عليكم .. تحية طيبة وبعد ،
موضوع النقد تفلسفي وليس تطرفي
بسم الله الرحمن الرحيم
( آينشتاين ) عالم فيزيائي له معتقدات بالزمن وصار الزمن تاريخ هذا العالم الفيزيائي ولا أنكر السمات التي تميز بها من روائع الحس والخيال ، ولكن معي ما أقوله :
من المعروف قواعد ونظريات العالم ( إسحاق نيوتن ) والتي اعتمد عليها الفيزيائي آينشتاين ليست جميعها بالقواعد التي يعتمد عليها علماء الفيزياء الحاليين وذلك لتناقض المسار والزمن والتي توضح لآينشتاين بنظريته التي اتخذها بأن الوقت والزمن أنما هو نفسه في كل مكان ولكن سرعان ما تتلاشى هذه الأفكار ..
وبعد فترة من الزمن علق الراوي ( ميكائيل جونيل ) بأن المفهوم الذي اعتقده آينشتاين خاطئ وذلك لاتخاذه النظرية التي تقول ( اتخذ العالم قاعدته الجديدة والتي تقتضي اختلاف الوقت والزمان باختلاف المكان ) والتي اعتمدها من قبل سطوح الفيزيائيين على صفيحة الزمن والمكان ..
لقد احترت ما بين نظرية مارسيل بروست ( الزمن هو السيد النهائي للإنسان والكون ) وما بين الداهية أفلاطون الوجداني ( الزمن هو فكر الإنسان وليس سيده ) يا سلام على التناقض ونحن نقرأ بدون تعليق رواية أحلام آينشتاين التي تناولها الكاتب آلان لايتمان حفيت باهتمام كبير وصدى بين الجمهور ولكن تناقضات الآراء استدعت الكاتب الخلوق الايطالي ( ناني روس ) أن يكتب بكل جرأة ويقول بأن الزمن في هذا العالم لا يتمحور حول أزمنة معينة وإنما يتمحور حول نوعية البشر ويضيف بأن البشر والطبيعة خلقهما الرب لكي يمحو الزمان ولك يكن يوما يتغلبن على الرب .. ) بالفعل مجاز ونظرية في غاية التحدي والفكر السليم لهذا الكاتب الذي لطالما قرأت عنه المزيد من نظرياته التي تستر عنها الناس ولم يستشعروا فيها ..
الكاتب الروائي الفرنسي ( مارك ليفي ) ألف العديد من الكتب الروائية ولن أخرج عن الموضوع موضوع ( ماذا لو كانت واقعية ) وأشاد به معظم الجمهور فيما انتقده البعض وذلك لسوء الترجمة بهذا الكتاب لهذا انقسم القراء ما بين معارض ومؤيد .. لن أتكلم إلا عن نفسي وما وجدت نفسي إلا متحيرا بين كتبه غير المترجمة والمترجمة ولأني أجيد اللغة الفرنسية قراءة وكتابة أجد نفسي عندما أبحث عن أساطير الفكر عنده وأحدث نفسي قائلا أتمنى لو لم أقرأ الفرنسية ليس تعجبا بس أختلس فكري بنظرياته المتناقضة ..
لا أدري هل الكتب المترجمة بالفعل سيئة الترجمة أم فكر الرجل يستأهل الإشادة ، في الأخير وجدت نفسي استشعر بكتاب فرنسي وروائي آخر ( زبخيت مكاو ) بعنوان الزمن والناس صفحة غريبة نوعا ما تطرق بداخلها عن وجود الزمن للحب وليس لينتهي وما من بشر في الأرض إلا وقد خلق للحب فقط ..
أخذت معنا واحدا فقط لكي أحل لغز متناقضات مارك ليفي ( الحب يصنع الحياة ) وليس كما يعتقد مارك ( الحب يزرع الناس ) .. وهنالك اختلاف وكما تطرقتي بكتابة ( ماذا لو كانت واقعية ) سنجد أنه تطرأ بالبطيء لكن يجد ما بحاجته الإنسان والتي يعتمدها البعض من فكره بالزمن الحالي والمنصرم أما العالم والكاتب ( زبخيت مكاو ) كان يتطرق إلى سرعة الزمن لكي يعيش الإنسان وليس أمامه إلا أن يتخطى عقبة الزمن ويتمحور حول نفسه ، ليجد نفسه أنه قد استوفى حياته بلذاتها ..
ما أجمل هذه العبارة : ( أعلم أن عودتي لجسدي تتطلب معجزة ولكن أنا أريد أن أعيش .. رغبة قوية بداخلي أن أعيش .. هنالك حب في حياتي أتمنى أن أعيش لأجله ..)
يا سلام روعة هذه الجملة أنها للورين الجميلة المعاقة جسديا والتي يرويها العاشق آثر .. إذن الزمن فكرة الإنسان وليس ملك الإنسان لابد أن يسرع لتعذيب وتضييق الزمن لكي يأخذ منه ما يجب أن يأخذه ..
أين اعتقاد آينشتاين من هذا الكلام ، أين الزمن الذي يثبت ولا يتغير أين قوله أن فيه أناس يعتقدون أن أجسادهم ليست موجودة يعيشون وفق الزمن الآلي يأكلون ويشربون بنفس الوقت حتى ممارسة الجنس بنفس ساعة الزمن ولا يمكن أن يمارس بغير هذه الساعة ولا يؤمن كما فعلها أفلاطون بأن الجنس حس ووجدان حتى ما أتفق عليه الجسدان .. كلام سهل أن نقرأه ولكن صعب أن نعلق عليه أو نظيف عليه لاعتقادنا فلاسفة الزمن الثابت هم الأجدر لهم أحقية التفلسف بنا كما يشاءون ولكن الزمن قد تغير ونحن أحق أن نتبعهم بمستورداتهم المصدقة من ذاتنا ليس من مجريات الزمن الثابت كما ينظرون .. اسمحيلي كلام لا ينتهي بموضوعك الجميل الرائع ولقد أخذت من وقتك ، الأصعب عندما قلت لكي انتقدك وهذا ليس بغرور مني ولكن عندما نتحدث عن الزمن لابد أن أستعين بمعرفتي لكن ابدي رأيي عند إبداعك الجليل هذه وجهة نظر مع قراءتي للتناقضات الغريبة ..
تحياتي واشكر كل الشكر لإتاحة هذه الفرصة لمناقشة مبدعة حيوية من بلدي الحبيبة وأفتخر أن أرى إبداعات وانجازات المتطورة ..
بالتوفيق لك يا ليلى ..
المرسل : محمد الغساني ..
* ردي على تعليق الأستاذ ( محمد الغساني ) :
الرد هنا انشطر إلى عدة أقسام وكل قسم يمثل وجهة نظر معينة :
1 ـ العالم الفيزيائي ( آينشتاين ) تمثلت لديه نظرياته عن الزمن ثم جاء ( ميكائيل جونيل ) ليفند نظريات آينشتاين عن الزمن لأنه يرى أن ( العالم اتخذ قاعدته الجديدة والتي تقتضي اختلاف الوقت والزمان باختلاف المكان ) ..
2 ـ أشرت إلى مفهومين متناقضين ، فمارسيل بروست يرى : ( الزمن هو السيد النهائي للإنسان والكون ) بينما أفلاطون يرى : ( الزمن هو فكر الإنسان وليس سيده ) ..
3 ـ الكاتب الايطالي ( ناني روس ) يرى بكل جرأة بأن الزمن ( في هذا العالم لا يتمحور حول نوعية البشر ويضيف بأن البشر والطبيعة خلقهما الرب لكي يمحو الزمان ولم يكن يوما يتغلبن على الرب ) ..
4 ـ الروائي الفرنسي ( مارك ليفي ) ثمة تعارض بين جمهور القراء على رواياته المترجمة ولغتها الأم ؛ لأن معظم الترجمات غالبا ما تكون رديئة ..
5 ـ كاتب فرنسي وروائي آخر ( زبخيت مكاو ) بعنوان الزمن والناس صفحة غريبة نوعا ما تطرق بداخلها عن ( وجود الزمن للحب وليس لينتهي وما من بشر في الأرض إلا وقد خلق للحب فقط) .. وهو نفسه الذي تطرق إلى ( سرعة الزمن لكي يعيش الإنسان وليس أمامه إلا أن يتخطى عقبة الزمن ويتمحور حول نفسه أنه قد استوفى حياته بلذاتها ) ..
6 ـ مفهومك وقناعتك الخاصة عن الزمن : ( بأن الزمن قد تغير ونحن أحق أن نتبعهم بمستورداتهم المصدقة من ذاتنا ليس من مجريات الزمن الثابت كما ينظرون ) ..
& تعقيبي الخاص من وجهة نظري الشخصية :
حول النقطة رقم ( 1 ) : في المقالة أشرت بقولي أنني ( أؤمن بنظرية الكاتب " آلان لايتمان " حين أشار في رواية " أحلام أينشتاين " بأن الزمن في هذا العالم يتمحور حول زمنين ، أما الأول فآلي وهو صلب ومعدني كبندول حديدي ضخم يتحرك جيئة وذهابا ، والثاني جسدي فيتقلب ويتعرج كسمكة في خليج ، الأول لا يلين بينما الثاني يتخذ قراره وهو يمضي .. )
كتبت هذا القول على إيمان وقناعة خاصة بي وليس من الضرورة أن يشاطرني أي كان على قناعتي هذه ، وكما أشرت أنت أن نظريات آينشتاين ثمة آراء متضاربة على حقيقتها وأن ميكائيل جونيل فنّد نظرياته حين رأى أن الزمن يختلف باختلاف المكان .. بالنسبة لي قوله واقعي جدا وآمنت به كما آمنت بقول آينشتاين وكلاهما عبر عن الزمن انطلاقا ربما من قناعات خاصة أو تجارب مرت عليها سنين ..
في نفس الرواية ثمة مقطع زمني آخر : ( الضوء يخطط الحياة في هذا العالم ، لذلك فإن الشخص الذي يولد عند الغروب يمضي النصف الأول من حياته في الليل ، يتعلم مهنا داخلية كالحياكة وصناعة الساعات ، يقرأ كثيرا ، يصبح مفكرا ، يأكل كثيرا ، يخاف الظلمة الشاملة في الخارج ، يحرث الظلال .. أما الذي يولد عند شروق الشمس يتعلم مهنا خارجية كالزراعة والبناء ، يصبح قوي البنية ، يتجنب الكتب والمشاريع الذهنية ، يكون مشرقا ولا يخش أي شيء ) ..
نظرية تخطيط الضوء في الحياة قد تكون صائبة وقد تكون خيالية تماما ؛ مثلها مثل أي نظرية قابلة للتطبيق أو التفنيد ، لكنها في النهاية نظرية وقفت عندها أنا مأخوذة بالتأمل والمتعة وقد يراها غيري أنها كلام فارغ ولا تمت الحقيقة بصلة ..
2 ـ حول النقطة رقم ( 2 ) : لا أرى تناقضا بين ما قاله مارسيل بروست بأن الزمن هو السيد النهائي للإنسان والكون ، وبين ما أشار إليه أفلاطون بأن الزمن هو فكر الإنسان وليس سيده .. التناقض هنا لا يؤخذ على الأقوال بل على فكر الرجلين ، فقناعة كل منهما حول الزمن تباينت ، زمن بروست من دون شك يختلف عن زمن أفلاطون ، وباختلاف الزمنين من الطبيعي أن تتوالد آراء في المفاهيم والنظريات ؛ لأن مع الزمن لا تبقى العقول كما هي ، فالرجل عندما يكبر لا يكون ذاك الطفل الذي كانه صغيرا .. بينما علينا نحن أن نأخذ ما يناسبنا ، وما يتوافق مع فكرنا والزمن الذي نعيش فيه ..
3 ـ حول النقطة رقم ( 3 ) : لا تعليق ؛ لأنني لم اقرأ عن ناني روس ومفهومه شيئا ..
4 ـ حول النقطة رقم ( 4 ) : بالنسبة للروائي الفرنسي مارك ليفي ثمة خلاف على عموم مؤلفاته ليست ترجماته فقط ، وأنا شخصيا حينما قرأت روايته ( ماذا لو كانت واقعية ) وجدت أن الترجمة ليست ذا مستوى وللأسف نادرا ما نرى ترجمات ذا مستويات عالية وأمينة في النقل من لغة إلى لغة ..
أما بشأن المقطع الذي اقتطعته من الرواية والتي يقول فيها الكاتب : ( إذا أردت أن تعرف ماذا تعني انتظار عام من العمر اسأل الطالب الذي أنهى للتو امتحان نهاية السنة ، وإذا أردت أن تعرف معنى الشهر ، تكلم مع امرأة ولدت طفلا قبل أوانه وهي الآن تنتظر الساعة التي يمكنها ضمه إلى صدرها دون تعريضه للخطر ، وإذا أردت معرفة أهمية الأسبوع قابل عاملا في مصنع أو منجم يكد ويتعب من أجل إطعام أطفاله وزوجته ، وإذا أردت أن تعرف قيمة اليوم اسأل عاشقين مغرمين بجنون كيف يترقبان موعد لقائهما في اليوم التالي ، وإذا أردت معرفة قيمة الساعة فكر بالمصابين بمرض الخوف من العتمة ، إذا انقطع التيار الكهربائي ليلا ، وإذا أردت معرفة قيمة الثانية انظر إلى التعابير التي ترسم على وجه رجل خرج سالما من حادث مروع ، أما بالنسبة للجزء من الثانية فراقب أولئك الرياضيين الذين يتنافسون على نيل الميدالية الذهبية بالألعاب الاولمبية بفارق جزء من الثانية فكر بهذا الرياضي الذي يمضي حياته يتدرب ويتمرن كي يفوز على خصمه بفارق جزء من الثانية ) ..
مارك ليفي هنا بلمحات بسيطة وواقعية كاشف لنا أهمية الزمن كفعل ممارس ، والمقالة التي كتبتها بمجملها تدور حول المفهوم نفسه ( ما أهمية الزمن لكل منا ) ؟
وكما أشرت في المقالة بأن للزمن حضور مهيب وكلي في حياتنا فنحن لا نعيش في فراغ لا نهائي خال من حقيقة الوقت ، يكفي وجود ساعة تنبهنا ثوانيها عن ذلك وعلى دوام .. ولولا هذا لكنا متسكعي الفوضى ، عدم وجود الزمن يعني عدم وجود تحفيزات تجبرنا على استنهاض نحو الأفضل كما يلغي التاريخ تماما ليس التاريخ العام فقط بل التاريخ الشخصي كذلك .. لذا لكل انسان زمنه الخاص يشغله كيفما يريد ، ومهما كان وضعه في زمنه الخاص فإن الزمن العام المتعارف عليه بساعاته وأشهره وسنواته في تراكض متسق نحو الأمام ، الزمن يمضي ولا ينتظر أحدا ، والمتأخر يدرك أن القطار فاته وعليه البدء من حيث توقف ..
أنا املأ زمني بالقراءة والكتابة والعمل .. الخ ، بينما غيري يملأ زمنه بأشياء أخرى واهتمامات مختلفة تماما ..
5 ـ حول النقطة رقم ( 5 ) : الكاتب الفرنسي ( زبخيت مكاو ) خصص الزمن للحب ، إذن على وفق نظريته فإن الشخص الذي لا يحب زمنه ضائع ؛ لأن اعتقاده قائم على أساس أن الحب والزمن متواجدان معا ، وإن وجد واحد مقابل الآخر فلا يستقيم الوضع .. وما أكثر الأفراد في عصرنا الحالي يعيشون بلا حب لكن أزمنتهم ممتلئة بهم وتمضي في حال سبيلها .. رغم أن ( الوقت الذي نستمتع بإضاعته ليس وقتا ضائعا ) كما عبر براند راسل ..
زبخيت مكاو قاس الزمن بالسرعة على حد المثال الذي طالما نبهنا على هذه الحقيقة ( الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ) ..
6 ـ حول النقطة رقم ( 6 ) : اختصر القول بانطباعك الذي تؤمن به والذي قلت فيه : ( بأن الزمن قد تغير ونحن أحق أن نتبعهم بمستورداتهم المصدقة من ذاتنا ليس من مجريات الزمن الثابت كما ينظرون ) ..
آراء ونظريات الآخرين هي التي زعزعت قناعتك التي تؤمن بها حول الزمن ، نحن نسمع ونقرأ ونأخذ عن الآخرين نعم ، لكن ليس من الضروري أن نؤمن بما يقولون ونكتفي أنه الواقع وعلينا الأخذ به ، العلم في تطور دائم ، مفهوم الزمن اليوم يختلف عن مفهوم الزمن في القرون السابقة ، وليست آراء العلماء مقدسة كالقرآن وينبغي عدم التعرض لها أو مناقشتها أو الإيمان بها كليا ..
* أود أن أشير إلى لمحة جميلة حول الزمن وعلاقته بالمسلم على وجه الخصوص :
نحن ـ المسلمين ـ أوقاتنا متوحدة مع الصلوات الخمس ، خمس صلوات كفيلة بتنظيم يومنا كله ( الفجر / الظهر / العصر / المغرب / العشاء ) هذه الصلوات على حسب مفهومي درج زمننا على الترتيب التسلسلي تجاه وقائع الأفعال التي تمارسها على دوام في زمننا الخاص ، ومن خلالها كذلك تتفاوت نسب احترامنا له ، فأنا لا استطيع أن أواصل نومي من الظهر حتى المغرب ؛ لأن ثمة فاصل بينهما يستدعي مني القيام به وهو صلاة العصر .. من هنا يأتي مفهوم الاحترام .. الشخص المحافظ على صلواته لا تشوب زمنه شائبة الفوضى .. هذا والله أعلم ..
أشكر الأستاذ ( محمد الغساني ) على الالتفاتات القيمة التي أشار بها عن الزمن وبعضها تعرفت عليها لأول مرة من خلال وجهات النظر المتباينة ، ويسرني أن استقبل كافة الآراء والتعليقات ووجهات النظر حول هذا الموضوع برحابة كبيرة ..
* رد الأستاذ ( محمد الغساني ) :
مرحبا ليلى
السلام عليكم .. تحية طيبة وبعد ،
موضوع النقد تفلسفي وليس تطرفي
بسم الله الرحمن الرحيم
( آينشتاين ) عالم فيزيائي له معتقدات بالزمن وصار الزمن تاريخ هذا العالم الفيزيائي ولا أنكر السمات التي تميز بها من روائع الحس والخيال ، ولكن معي ما أقوله :
من المعروف قواعد ونظريات العالم ( إسحاق نيوتن ) والتي اعتمد عليها الفيزيائي آينشتاين ليست جميعها بالقواعد التي يعتمد عليها علماء الفيزياء الحاليين وذلك لتناقض المسار والزمن والتي توضح لآينشتاين بنظريته التي اتخذها بأن الوقت والزمن أنما هو نفسه في كل مكان ولكن سرعان ما تتلاشى هذه الأفكار ..
وبعد فترة من الزمن علق الراوي ( ميكائيل جونيل ) بأن المفهوم الذي اعتقده آينشتاين خاطئ وذلك لاتخاذه النظرية التي تقول ( اتخذ العالم قاعدته الجديدة والتي تقتضي اختلاف الوقت والزمان باختلاف المكان ) والتي اعتمدها من قبل سطوح الفيزيائيين على صفيحة الزمن والمكان ..
لقد احترت ما بين نظرية مارسيل بروست ( الزمن هو السيد النهائي للإنسان والكون ) وما بين الداهية أفلاطون الوجداني ( الزمن هو فكر الإنسان وليس سيده ) يا سلام على التناقض ونحن نقرأ بدون تعليق رواية أحلام آينشتاين التي تناولها الكاتب آلان لايتمان حفيت باهتمام كبير وصدى بين الجمهور ولكن تناقضات الآراء استدعت الكاتب الخلوق الايطالي ( ناني روس ) أن يكتب بكل جرأة ويقول بأن الزمن في هذا العالم لا يتمحور حول أزمنة معينة وإنما يتمحور حول نوعية البشر ويضيف بأن البشر والطبيعة خلقهما الرب لكي يمحو الزمان ولك يكن يوما يتغلبن على الرب .. ) بالفعل مجاز ونظرية في غاية التحدي والفكر السليم لهذا الكاتب الذي لطالما قرأت عنه المزيد من نظرياته التي تستر عنها الناس ولم يستشعروا فيها ..
الكاتب الروائي الفرنسي ( مارك ليفي ) ألف العديد من الكتب الروائية ولن أخرج عن الموضوع موضوع ( ماذا لو كانت واقعية ) وأشاد به معظم الجمهور فيما انتقده البعض وذلك لسوء الترجمة بهذا الكتاب لهذا انقسم القراء ما بين معارض ومؤيد .. لن أتكلم إلا عن نفسي وما وجدت نفسي إلا متحيرا بين كتبه غير المترجمة والمترجمة ولأني أجيد اللغة الفرنسية قراءة وكتابة أجد نفسي عندما أبحث عن أساطير الفكر عنده وأحدث نفسي قائلا أتمنى لو لم أقرأ الفرنسية ليس تعجبا بس أختلس فكري بنظرياته المتناقضة ..
لا أدري هل الكتب المترجمة بالفعل سيئة الترجمة أم فكر الرجل يستأهل الإشادة ، في الأخير وجدت نفسي استشعر بكتاب فرنسي وروائي آخر ( زبخيت مكاو ) بعنوان الزمن والناس صفحة غريبة نوعا ما تطرق بداخلها عن وجود الزمن للحب وليس لينتهي وما من بشر في الأرض إلا وقد خلق للحب فقط ..
أخذت معنا واحدا فقط لكي أحل لغز متناقضات مارك ليفي ( الحب يصنع الحياة ) وليس كما يعتقد مارك ( الحب يزرع الناس ) .. وهنالك اختلاف وكما تطرقتي بكتابة ( ماذا لو كانت واقعية ) سنجد أنه تطرأ بالبطيء لكن يجد ما بحاجته الإنسان والتي يعتمدها البعض من فكره بالزمن الحالي والمنصرم أما العالم والكاتب ( زبخيت مكاو ) كان يتطرق إلى سرعة الزمن لكي يعيش الإنسان وليس أمامه إلا أن يتخطى عقبة الزمن ويتمحور حول نفسه ، ليجد نفسه أنه قد استوفى حياته بلذاتها ..
ما أجمل هذه العبارة : ( أعلم أن عودتي لجسدي تتطلب معجزة ولكن أنا أريد أن أعيش .. رغبة قوية بداخلي أن أعيش .. هنالك حب في حياتي أتمنى أن أعيش لأجله ..)
يا سلام روعة هذه الجملة أنها للورين الجميلة المعاقة جسديا والتي يرويها العاشق آثر .. إذن الزمن فكرة الإنسان وليس ملك الإنسان لابد أن يسرع لتعذيب وتضييق الزمن لكي يأخذ منه ما يجب أن يأخذه ..
أين اعتقاد آينشتاين من هذا الكلام ، أين الزمن الذي يثبت ولا يتغير أين قوله أن فيه أناس يعتقدون أن أجسادهم ليست موجودة يعيشون وفق الزمن الآلي يأكلون ويشربون بنفس الوقت حتى ممارسة الجنس بنفس ساعة الزمن ولا يمكن أن يمارس بغير هذه الساعة ولا يؤمن كما فعلها أفلاطون بأن الجنس حس ووجدان حتى ما أتفق عليه الجسدان .. كلام سهل أن نقرأه ولكن صعب أن نعلق عليه أو نظيف عليه لاعتقادنا فلاسفة الزمن الثابت هم الأجدر لهم أحقية التفلسف بنا كما يشاءون ولكن الزمن قد تغير ونحن أحق أن نتبعهم بمستورداتهم المصدقة من ذاتنا ليس من مجريات الزمن الثابت كما ينظرون .. اسمحيلي كلام لا ينتهي بموضوعك الجميل الرائع ولقد أخذت من وقتك ، الأصعب عندما قلت لكي انتقدك وهذا ليس بغرور مني ولكن عندما نتحدث عن الزمن لابد أن أستعين بمعرفتي لكن ابدي رأيي عند إبداعك الجليل هذه وجهة نظر مع قراءتي للتناقضات الغريبة ..
تحياتي واشكر كل الشكر لإتاحة هذه الفرصة لمناقشة مبدعة حيوية من بلدي الحبيبة وأفتخر أن أرى إبداعات وانجازات المتطورة ..
بالتوفيق لك يا ليلى ..
المرسل : محمد الغساني ..
* ردي على تعليق الأستاذ ( محمد الغساني ) :
الرد هنا انشطر إلى عدة أقسام وكل قسم يمثل وجهة نظر معينة :
1 ـ العالم الفيزيائي ( آينشتاين ) تمثلت لديه نظرياته عن الزمن ثم جاء ( ميكائيل جونيل ) ليفند نظريات آينشتاين عن الزمن لأنه يرى أن ( العالم اتخذ قاعدته الجديدة والتي تقتضي اختلاف الوقت والزمان باختلاف المكان ) ..
2 ـ أشرت إلى مفهومين متناقضين ، فمارسيل بروست يرى : ( الزمن هو السيد النهائي للإنسان والكون ) بينما أفلاطون يرى : ( الزمن هو فكر الإنسان وليس سيده ) ..
3 ـ الكاتب الايطالي ( ناني روس ) يرى بكل جرأة بأن الزمن ( في هذا العالم لا يتمحور حول نوعية البشر ويضيف بأن البشر والطبيعة خلقهما الرب لكي يمحو الزمان ولم يكن يوما يتغلبن على الرب ) ..
4 ـ الروائي الفرنسي ( مارك ليفي ) ثمة تعارض بين جمهور القراء على رواياته المترجمة ولغتها الأم ؛ لأن معظم الترجمات غالبا ما تكون رديئة ..
5 ـ كاتب فرنسي وروائي آخر ( زبخيت مكاو ) بعنوان الزمن والناس صفحة غريبة نوعا ما تطرق بداخلها عن ( وجود الزمن للحب وليس لينتهي وما من بشر في الأرض إلا وقد خلق للحب فقط) .. وهو نفسه الذي تطرق إلى ( سرعة الزمن لكي يعيش الإنسان وليس أمامه إلا أن يتخطى عقبة الزمن ويتمحور حول نفسه أنه قد استوفى حياته بلذاتها ) ..
6 ـ مفهومك وقناعتك الخاصة عن الزمن : ( بأن الزمن قد تغير ونحن أحق أن نتبعهم بمستورداتهم المصدقة من ذاتنا ليس من مجريات الزمن الثابت كما ينظرون ) ..
& تعقيبي الخاص من وجهة نظري الشخصية :
حول النقطة رقم ( 1 ) : في المقالة أشرت بقولي أنني ( أؤمن بنظرية الكاتب " آلان لايتمان " حين أشار في رواية " أحلام أينشتاين " بأن الزمن في هذا العالم يتمحور حول زمنين ، أما الأول فآلي وهو صلب ومعدني كبندول حديدي ضخم يتحرك جيئة وذهابا ، والثاني جسدي فيتقلب ويتعرج كسمكة في خليج ، الأول لا يلين بينما الثاني يتخذ قراره وهو يمضي .. )
كتبت هذا القول على إيمان وقناعة خاصة بي وليس من الضرورة أن يشاطرني أي كان على قناعتي هذه ، وكما أشرت أنت أن نظريات آينشتاين ثمة آراء متضاربة على حقيقتها وأن ميكائيل جونيل فنّد نظرياته حين رأى أن الزمن يختلف باختلاف المكان .. بالنسبة لي قوله واقعي جدا وآمنت به كما آمنت بقول آينشتاين وكلاهما عبر عن الزمن انطلاقا ربما من قناعات خاصة أو تجارب مرت عليها سنين ..
في نفس الرواية ثمة مقطع زمني آخر : ( الضوء يخطط الحياة في هذا العالم ، لذلك فإن الشخص الذي يولد عند الغروب يمضي النصف الأول من حياته في الليل ، يتعلم مهنا داخلية كالحياكة وصناعة الساعات ، يقرأ كثيرا ، يصبح مفكرا ، يأكل كثيرا ، يخاف الظلمة الشاملة في الخارج ، يحرث الظلال .. أما الذي يولد عند شروق الشمس يتعلم مهنا خارجية كالزراعة والبناء ، يصبح قوي البنية ، يتجنب الكتب والمشاريع الذهنية ، يكون مشرقا ولا يخش أي شيء ) ..
نظرية تخطيط الضوء في الحياة قد تكون صائبة وقد تكون خيالية تماما ؛ مثلها مثل أي نظرية قابلة للتطبيق أو التفنيد ، لكنها في النهاية نظرية وقفت عندها أنا مأخوذة بالتأمل والمتعة وقد يراها غيري أنها كلام فارغ ولا تمت الحقيقة بصلة ..
2 ـ حول النقطة رقم ( 2 ) : لا أرى تناقضا بين ما قاله مارسيل بروست بأن الزمن هو السيد النهائي للإنسان والكون ، وبين ما أشار إليه أفلاطون بأن الزمن هو فكر الإنسان وليس سيده .. التناقض هنا لا يؤخذ على الأقوال بل على فكر الرجلين ، فقناعة كل منهما حول الزمن تباينت ، زمن بروست من دون شك يختلف عن زمن أفلاطون ، وباختلاف الزمنين من الطبيعي أن تتوالد آراء في المفاهيم والنظريات ؛ لأن مع الزمن لا تبقى العقول كما هي ، فالرجل عندما يكبر لا يكون ذاك الطفل الذي كانه صغيرا .. بينما علينا نحن أن نأخذ ما يناسبنا ، وما يتوافق مع فكرنا والزمن الذي نعيش فيه ..
3 ـ حول النقطة رقم ( 3 ) : لا تعليق ؛ لأنني لم اقرأ عن ناني روس ومفهومه شيئا ..
4 ـ حول النقطة رقم ( 4 ) : بالنسبة للروائي الفرنسي مارك ليفي ثمة خلاف على عموم مؤلفاته ليست ترجماته فقط ، وأنا شخصيا حينما قرأت روايته ( ماذا لو كانت واقعية ) وجدت أن الترجمة ليست ذا مستوى وللأسف نادرا ما نرى ترجمات ذا مستويات عالية وأمينة في النقل من لغة إلى لغة ..
أما بشأن المقطع الذي اقتطعته من الرواية والتي يقول فيها الكاتب : ( إذا أردت أن تعرف ماذا تعني انتظار عام من العمر اسأل الطالب الذي أنهى للتو امتحان نهاية السنة ، وإذا أردت أن تعرف معنى الشهر ، تكلم مع امرأة ولدت طفلا قبل أوانه وهي الآن تنتظر الساعة التي يمكنها ضمه إلى صدرها دون تعريضه للخطر ، وإذا أردت معرفة أهمية الأسبوع قابل عاملا في مصنع أو منجم يكد ويتعب من أجل إطعام أطفاله وزوجته ، وإذا أردت أن تعرف قيمة اليوم اسأل عاشقين مغرمين بجنون كيف يترقبان موعد لقائهما في اليوم التالي ، وإذا أردت معرفة قيمة الساعة فكر بالمصابين بمرض الخوف من العتمة ، إذا انقطع التيار الكهربائي ليلا ، وإذا أردت معرفة قيمة الثانية انظر إلى التعابير التي ترسم على وجه رجل خرج سالما من حادث مروع ، أما بالنسبة للجزء من الثانية فراقب أولئك الرياضيين الذين يتنافسون على نيل الميدالية الذهبية بالألعاب الاولمبية بفارق جزء من الثانية فكر بهذا الرياضي الذي يمضي حياته يتدرب ويتمرن كي يفوز على خصمه بفارق جزء من الثانية ) ..
مارك ليفي هنا بلمحات بسيطة وواقعية كاشف لنا أهمية الزمن كفعل ممارس ، والمقالة التي كتبتها بمجملها تدور حول المفهوم نفسه ( ما أهمية الزمن لكل منا ) ؟
وكما أشرت في المقالة بأن للزمن حضور مهيب وكلي في حياتنا فنحن لا نعيش في فراغ لا نهائي خال من حقيقة الوقت ، يكفي وجود ساعة تنبهنا ثوانيها عن ذلك وعلى دوام .. ولولا هذا لكنا متسكعي الفوضى ، عدم وجود الزمن يعني عدم وجود تحفيزات تجبرنا على استنهاض نحو الأفضل كما يلغي التاريخ تماما ليس التاريخ العام فقط بل التاريخ الشخصي كذلك .. لذا لكل انسان زمنه الخاص يشغله كيفما يريد ، ومهما كان وضعه في زمنه الخاص فإن الزمن العام المتعارف عليه بساعاته وأشهره وسنواته في تراكض متسق نحو الأمام ، الزمن يمضي ولا ينتظر أحدا ، والمتأخر يدرك أن القطار فاته وعليه البدء من حيث توقف ..
أنا املأ زمني بالقراءة والكتابة والعمل .. الخ ، بينما غيري يملأ زمنه بأشياء أخرى واهتمامات مختلفة تماما ..
5 ـ حول النقطة رقم ( 5 ) : الكاتب الفرنسي ( زبخيت مكاو ) خصص الزمن للحب ، إذن على وفق نظريته فإن الشخص الذي لا يحب زمنه ضائع ؛ لأن اعتقاده قائم على أساس أن الحب والزمن متواجدان معا ، وإن وجد واحد مقابل الآخر فلا يستقيم الوضع .. وما أكثر الأفراد في عصرنا الحالي يعيشون بلا حب لكن أزمنتهم ممتلئة بهم وتمضي في حال سبيلها .. رغم أن ( الوقت الذي نستمتع بإضاعته ليس وقتا ضائعا ) كما عبر براند راسل ..
زبخيت مكاو قاس الزمن بالسرعة على حد المثال الذي طالما نبهنا على هذه الحقيقة ( الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ) ..
6 ـ حول النقطة رقم ( 6 ) : اختصر القول بانطباعك الذي تؤمن به والذي قلت فيه : ( بأن الزمن قد تغير ونحن أحق أن نتبعهم بمستورداتهم المصدقة من ذاتنا ليس من مجريات الزمن الثابت كما ينظرون ) ..
آراء ونظريات الآخرين هي التي زعزعت قناعتك التي تؤمن بها حول الزمن ، نحن نسمع ونقرأ ونأخذ عن الآخرين نعم ، لكن ليس من الضروري أن نؤمن بما يقولون ونكتفي أنه الواقع وعلينا الأخذ به ، العلم في تطور دائم ، مفهوم الزمن اليوم يختلف عن مفهوم الزمن في القرون السابقة ، وليست آراء العلماء مقدسة كالقرآن وينبغي عدم التعرض لها أو مناقشتها أو الإيمان بها كليا ..
* أود أن أشير إلى لمحة جميلة حول الزمن وعلاقته بالمسلم على وجه الخصوص :
نحن ـ المسلمين ـ أوقاتنا متوحدة مع الصلوات الخمس ، خمس صلوات كفيلة بتنظيم يومنا كله ( الفجر / الظهر / العصر / المغرب / العشاء ) هذه الصلوات على حسب مفهومي درج زمننا على الترتيب التسلسلي تجاه وقائع الأفعال التي تمارسها على دوام في زمننا الخاص ، ومن خلالها كذلك تتفاوت نسب احترامنا له ، فأنا لا استطيع أن أواصل نومي من الظهر حتى المغرب ؛ لأن ثمة فاصل بينهما يستدعي مني القيام به وهو صلاة العصر .. من هنا يأتي مفهوم الاحترام .. الشخص المحافظ على صلواته لا تشوب زمنه شائبة الفوضى .. هذا والله أعلم ..
أشكر الأستاذ ( محمد الغساني ) على الالتفاتات القيمة التي أشار بها عن الزمن وبعضها تعرفت عليها لأول مرة من خلال وجهات النظر المتباينة ، ويسرني أن استقبل كافة الآراء والتعليقات ووجهات النظر حول هذا الموضوع برحابة كبيرة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق