كاتب على باب الله ..!
مجلة ثقافية تنشر فيها مقالة أو قصة أو دراسة أو بحث دون أن تحصل على مردود مادي مقابل نشرك ، مقابل جهدك الفكري و الأدبي ، ثم تجد نفسك فوق كل ذلك مطالب بشراء هذه المجلة التي كنت أنت و غيرك من الكتّاب / الكاتبات سببا أساسيا في مبيعاته في دور النشر و المتاجر و المكتبات ، فأين العدل و أين الإنصاف ، أين القانون الذي يصون حقوق الكاتب .. ؟!
يحدث هذا الأمر كثيرا ، مرارا و تكرارا في عالمنا العربي ، يحدث دائما ، ينسى كثيرون بل يتناسون عمدا و اعتباطا بأن أجر الكاتب في استحقاقه كأجر العامل في حقل العمل ، الأمر سيان ، كثير من المجلات و الصحف تؤجل دفع مستحقات الكاتب كما تؤخّر بعض الشركات دفع أجر العامل ، صحف و مجلات أخرى تنس مسألة الدفع المادي و لا تعد ذلك مشكلة تستحق التفكير أو حتى الاهتمام ، بينما البعض يأكل أجر الكاتب دون أن يؤنّبه ضميره بل ينام نومة الظالم مرتاح البال دون أن يبالي و لو قليلا بالحق المهضوم للكاتب حتى لو كان مبلغا رمزيا ، صاحب الشركة مطارد بالقانون و ثمة قانون يحفظ حقوق العامل ؛ لذا يضطر حين يكون مفلسا أن يبيع حتى ملابسه لدفع أجور العمال حماية لنفسه من العقاب القانوني ، و لكن على الكاتب ، الكاتب وحده حين تعاني المجلة أو الصحيفة من الإفلاس أو تغلق لأسباب لا حد لها في عالمنا العربي ، فإن عليه أن يكون كائنا مثاليا ، و يسقط أمر حقوقه ، المجلة مفسلة و اعتذار مدير المجلة أو الصحيفة هو بمعنى اسقط حقوقك المادية أيها الكاتب لا مستحقات لك عندنا ، طالما لا يوجد قانون يحافظ حقوقك أو يهتم بها ، فلماذا أبالي بها أنا مدير المجلة المفلس ..؟!
" أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه " هل فكر يوما مدير مجلة أو صحيفة أن الحديث النبوي يشمل الكاتب و أجره أيضا ..؟
الكاتب كأي آدمي على وجه الأرض لديه مسؤوليات حياتية ، فالمسألة هي مسألة مبدأ ، لكن هذا المبدأ يعاني من خلل فظيع في مجتمعات ترى أن عدم دفع أجر العمال نظير عملهم في إحدى الشركات أمرا مستهجنا و لكن في الوقت نفسه لا أحد يستهجن ضياع أجر الكاتب ..؟
إذا كان مدير المجلة أو رئيس تحرير الصحيفة هو كاتب أيضا و لا يرى بأسا في إهمال الأجر المادي للكتاب ناهيك عن إهمال جهده الفكري فكيف يمكن أن نلوم المجتمع ..؟!
المجتمع المغرم بالمسلسلات و أفلام السينما و برامج الحوار و كليبات الفنانين والفنانات و يطرب مع كلماتهم و ينتشي بها و كلها تظهر حشدا من النجوم ، النجوم الذين يتعلق بهم و يكون ضمن الملايين يتابع أخبارهم على وسائل التواصل الاجتماعية ، تتمظهر ثقافة ظهور النجوم ، و ينسى الجمهور و ينسى المجتمع أن الكاتب هو من كتب تلك الكلمات لأغنيته المفضلة بصوت فنانه المفضل ، و أن الكاتب هو من كتب سيناريو المسلسل العظيم الذي يتابع حلقاته بشغف ، و أن الكاتب هو من فكر و أطلق كافة طاقاته الخيالية منها و الواقعية في كتابة الفيلم السينمائي الذي حاز على جوائز ، كل هذه المرئيات والبصريات وراءها كاتب ، لكن من يبالي بالكاتب ، لا يكفي أنه وراء الكواليس بل حتى أن أجره لا يتعدى بضع نتف تقدم له لا يقارن البتة بأجر الفنان الذي يجني الملايين ، يحدث هذا فقط في عالمنا العربي ..؟
من كرّس هذه الثقافة الدونية تجاه الكاتب و جهوده و أجره ..؟ من جعل هذه الثقافة تتفشى ..؟ هل فكر أحد يوما ما أن الفنان و الممثل و النجم ينتهي أمره تماما حين لا يكون ثمة كاتب خلاق أو مؤلف سيناريو جيد ، هل كان لمسلسل " قلم حمرة " أن يحظى بالشهرة و القبول العربي الكبير من قبل جمهور المتابعين لولا فكر و جهد كاتبة السيناريو " يم مشهدي " ..؟
الكاتب الذي يرفع صوته في مظاهرة رفع أجور العمال الغلابة في وطننا العربي ، العامل الأجير الذي يهضم معظم حقوقه ، الذي تؤّخر أجوره ، الذي يعاني بسبب الأزمات الاقتصادية و جشع الرأسماليين ، الذي يموت يوميا مقابل ضخ أسرته بالحياة على حساب نفسه ، الكاتب نفسه عاجز عن المطالبة بحق رفع أجره ككاتب حين ينشر مقالة أو قصة أو دراسة ، كيف يحق له أن يطالب بهذا إذا كانت حقوقه المادية مأكولة ، إذا كانت حقوقه مسقوطة أصلا ..؟!
ليلى البلوشي