تربية الطفل العربي على القيم الكونية
جريدة الرؤية
يتساءل الفيلسوف " أوشو " في كتابه " العلاقات الحميمة " بقوله : " لمَ الصغار ناعمون ؟ لأنهم لا يحملون شيئا ، إن طريقتهم كطريقة الحكيم فإذا كان الطفل غاضبا فهو غاضب ولا يأبه لأحد .. انظر إلى الطفل عندما يكون غاضبا إلى جسمه بالكامل ، إنه طفل صغير وناعم رقيق ، ينتفض غضبا وتحمر عيناه ووجهه ، يقفز ويصرخ في ثورة عارمة وكأنه متفجرة من الغضب ، في اللحظة التالية يختفي هذا الغضب العارم فتجده يلعب ، انظر إلى وجهه لا يمكنك أن تصدق أن هذا الوجه كان في ثورة عارمة قبل لحظات إنه يبتسم ..!
هذا الطفل .. الكائن المدهش كيف نتعاطى معه في وسط عالم كوني وكيف نربيه على القيم الكونية ؟ ( تربية الطفل على القيم الكونية ) كانت هذه هي عنوان المحاضرة التي قمت بإدارتها في مهرجان الشارقة القرائي للطفل هذا العام ، جلسة شارك فيها كل من محمد الشيباني ووفاء الميزغني وكارولين كريمي وحضرها مجموعة من التربويين والمهتمين بشؤون الطفولة في الدولة وضيوف المهرجان ..
ذهب الأستاذ " محمد الشيباني " وهو باحث تونسي ومختص بالشأن الأدبي والدراسات اللسانية وقد ساهم في المؤتمر الدولي الأول " الطفل بين اللغة الأم والتواصل مع العصر " إلى أن القيم الكونية يعنى بها حقوق الطفل في هذا العالم ، وبنبرة هادئة قام بعرض بعض أهم هذه الحقوق التي يجب توفيرها للطفل والنهوض بها من خلال الأسرة والمدرسة والبيئة المحيطة به ، بحيث تقود الطفل وتفتح حواسه على معايشة العالم بكل ما فيه من خلال الاقبال على الثقافات الأخرى ، ودعا ذلك من خلال أساليب مختلفة منها إلى أن يخصص للطفل أسبوع للجوع ؛ بحيث لا يقدم له في المدرسة سوى وجبة واحدة خفيفة كي يستشعر تجربة الجوع ويشعر بالآخر المعدم ، كما رحب بتدريس الموسيقا والفنون التشكيلية والنحت إلى غيرها من الفنون السمعية والبصرية والحسية كي نخفف من عبء العالم على كاهل الطفل في زمن ساد فيه العنف والقتل ، ننمي مواهبه ونشرع له وسائلا ليعبر عما في أعماقه من خلال ممارسة هذه الفنون الحسية المختلفة ..
بينما الباحثة " وفاء الميزغني " وهي مختصة في مجال التوحد والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ، قامت بعرض مجموعة متنوعة من القصص المكتوبة للطفل ، تلك القصص تناولت فيها أهم ميزاتها وأفكارها المبدعة التي يستقي منها الطفل كثير من الفائدة والمتعة وفي الوقت نفسه تناقش الأسئلة التي يتساءلها الأطفال في سنواتهم الأولى ..
كما تطرقت إلى كيفية التعاطي مع طفل المكفوف في كتابة القصص لهم وفي طريقة مخاطبتهم ، فهنا يجب أن يعنى بالجانب الملموس فالطفل الأعمى لا يبصر ، كما يجب أن يكون هناك تصوّر للمسافة وفي الألوان وفي الأشياء اللمسية ..
واعترضت على الصورة النمطية لدور الأم في قصص الأطفال ؛ فمعظم تلك القصص توظف الأم كامرأة تعمل في المطبخ وتعد القهوة للزوج الذي يقرأ الجريدة ، ودعت لكسر هذه الصورة النمطية وإلى قلب الصورة بحيث يقدم الزوج القهوة والأم هي التي تقرأ الجريدة ، لتكون هناك نظرة شمولية وتكاملية في فكر الطفل عن علاقة المرأة والرجل ..
أما الكاتبة الأمريكية " كارولين كريمي " وهي الحائزة على درجة ماجستير في الكتابة للأطفال ولها أكثر من 13 كتابا وحازت عن كتبها بأكثر من 30 جائزة على مستوى الولايات ، مبدأ حقوق الطفل وأهمية ادراجه في قصص الأطفال ، مستعرضة نماذج من كتبها التي تضم جوانب كثيرة من حقوق الطفل و التي لابد أن يتعلمها ، وهي أهمية السلم ، والتعايش ، والتواصل ، والحرص على غرس قيم أخرى فيه ، مثل أهمية عدم الانطواء ، ووجود والأصدقاء ، والانفتاح على العالم ..
ودعت إلى ممارسة المرح والفرح وطالبت بتطبيق هذا الجانب في المناهج الدراسية لاسيما في ظل نتائج الدراسات الحديثة التي أثبتت أن المرح أقصر طرق ايصال الرسائل الإيجابية للطفل ، وعاملا مهما من عوامل تخفيف الضغوط ونبذ الخلافات وتشجيع مبادئ العمل الجماعي ..
وفي عصر العنف هذا يحتاج الطفل إلى الترفيه ، وإلى تلقي العالم بصورة أبسط ، وأسهل ، وأخف وطأة ، وذلك عبر تخصيص أسبوع للمرح في المدرسة ، وفي هذا الأسبوع تُقرأ للطفل حكايات طريفة وقصص ساخرة وتعرض له نكت تجلب له الضحك ..
ويحكي الفيلسوف " أوشو " : فيما كان طفل صغير يسير مع والدته ، قالت له : " تذكّر دوما أن تساعد الآخرين " .. فسألها الطفل : " وماذا سيفعل الآخرون ؟ " فأجابت الوالدة بشكل طبيعي : " سوف يساعدون الآخرين " فقال الطفل : " تبدو خطة غريبة لم لا تساعدين نفسك عوضا عن تعقيد الأمور ؟!
ليلى البلوشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق