الثلاثاء، 31 مارس 2015

سلاح القراءة


سلاح القراءة ..

جريدة الرؤية

أعظم تعريف قرأته عن " القارئ " في حياتي هي العبارة التي قالها الكاتب الأورغوياني " كارلوس ليسكانو " صاحب كتاب " الكاتب والآخر " ترجمة "  نهى أبو عرقوب " : " أول ما يعزز الابتكار هو القارئ ، إنه يبتكر كاتبه الخاص انطلاقا من الكتاب الذي يقرأ " ..
وبدأت أوقن منذ مدة طويلة أن " القارئ " ولا أعني هنا بالقارئ العادي بل " القارئ المكتشف " هو من سيرفع الركود الذي تعاني منه معظم القراءات في عالمنا العربي ، لاسيما حين ولى النقاد الحقيقيون المكتشفون منذ زمن " رجاء النقاش " و " إحسان عباس " وغيرهما ، ومذ وجدت الكتب نفسها في عالم أكثر نقاده أصبحوا تابعين لرافعات إعلامية ، تلك التي تلمّع الكتب التي تصاحبها إعلانات قوية ، أو تلك التي أصبحت تتمتع ببريق الجوائز ، هنا في مثل هذا الوضع الثقافي المتردي ، لا يبقى للكتاب والكاتب سوى القارئ المكتشف ، الذي يقرأ بوعي ، ويقتنص بذكاء الكتاب الجيد من على رفوف الكتب المزدحمة ، بل حتى الكتاب السيئ له نصيب من المتابعة والاهتمام عند القارئ المكتشف ، لتجريب ذائقته الشخصية ، وميوله الفكرية في انتقاء ما يراه بوعيه ، وبكامل حريته القرائية ، بعيدا عن ما يفرضه الذوق الدعائي العام على شريحة واسعة من قراء يفتقدون للوعي القرائي ، ويرضخون لوميض كيفما كان باهرا أو باهتا دون الأخذ في الاعتبار لأي معايير منطقية ؛ لفقدانهم ميزة تذوّق الكتب دون وساطات براقة ..!
لم يفاخر " بورخيس " يوما بأنه كاتب عظيم رغم عظمته بل كان يفاخر بأنه قارئ محترف ، لذا العالم الثقافي الغربي يدرك أهمية " القارئ " على الكتاب من ناحية وعلى الكاتب من ناحية أخرى لما له من أبعاد ثقافية لتنشئة مجتمع قرائي حضاري متعدد ومخلص أبدا للجمال ؛ لذا هم يولون أهمية كبيرة لموضوع تطوير طرق القراءة ولتحويل الفرد العادي إلى قارئ جيد ، لاسيما عند شريحة من تلامذة المدارس ، فقد تطرّق كثيرا الكاتب الأمريكي " تيم باركس " لطرح موضوع القراءة ، ومن إحدى مقالاته المهمة مقالة عنونها بــــ" سلاح القراء " ترجمة المترجمة السورية " أماني لازار " ، في هذه المقالة يتساءل عن الوسيلة الأكثر عقلانية التي يمكنه أن يتبعها ليقود طلابه ليقظة أعظم في حالة القراءة ، فبدأ يفكر بالطريقة التي يتبعها لدى القراءة تظهر فعالية القراءة ، وتأكد بعد تفكير عميق أن سلاح القراءة يكمن في " القلم " وحينها وجه طلابه قائلا لهم : " من الآن فصاعدا اقرؤوا والقلم بيدكم ، ليس بجانبكم على الطاولة لكن بالفعل في يدكم ، جاهزة ، مسلحة ، ودوما اكتبوا ثلاثة أو أربعة تعليقات على كل صفحة ، على الأقل تعليق نقدي واحد وحتى عدواني ، ضعوا إشارات استفهام بقرب كل ما تجدونه مشبوها وضعوا خطا تحت أي شيء تقدرونه حقا ، كونوا أحرارا لكتابة " عظيم " لكن أيضا " لا أصدق كلمة من هذا " وحتى " هراء " ..
" تيم باركس " يوقن أن القلم هو سلاح قوي من شأنه أن يطور القدرات القرائية بل يعمل على تحفيز الأداء القرائي ، فالعقل الذي يقوم بعملية القراءة يبقى منصتا لصوته الداخلي بينما القلم في اليد فهو متحفّز يترقب إشارة عقلية كي يبدأ بمهمة التنقيب عن جوهر القراءة في عوالم الكتاب ، وكلما كان الكتاب محرضا كلما بدت عملية القراءة أكثر متعة وفي الوقت نفسه تتطلب جهدا أكبر ؛ لأن القراءة هنا تخرج من طور المتعة واللذة إلى طور الاكتشاف ، والقلم هو اليقظة التي تنبه القارئ إلى أهمية وضع خط وإلى كتابة تعليقات شخصية لا تنم عن وعي قرائي فحسب بل تعمل على رفع فعالية الرؤية النقدية عند القارئ وبتعبير " تيم باركس " قائلا : " الحقيقة المجردة في وضع يد متزنة مستعدة للقيام بالفعل يغير سلوكنا تجاه النص .. لم نعد مستهلكين سلبيين لمونولوج أدبي لكن مشاركين إيجابيين في حوار ، سيتذكر الطلاب أن قراءاتهم تباطأت عندما أمسكوا بالقلم في يدهم لكن في نفس الوقت صار النص أكثر كثافة ، أكثر متعة " ..
وفي آخر المقالة يؤكد " باركس " على نظرية قرائية مهمة حين أشار بذكاء قائلا : " إن قراءة الكتب الرديئة بمقاومة يقظة أفضل من التهام الكتب الجيدة في افتتان غافل " ..

ليلى البلوشي

الأربعاء، 11 مارس 2015

في قراءة كفاح المرأة ..

في قراءة كفاح المرأة

جريدة الرؤية

من أدهش ما قرأته عن المرأة هذا العام عن ناشطة أفغانية ترتدي درعا حديديا على عوراتها لتفادي التحرش باللمس على تلك المناطق ، تسير بجسارة بدرعها الحديدي في شوارع كابول وسط دهشة الناس واستهجانهم تعبيرا منها عن همجية شعبها وتخلفه ..
ومن أتعس ما قرأته عن المرأة هذا العام واستفزني كامرأة هي عبارة الوقحة لأحد مغتصبي فتاة في دلهي حين قال : " عندما تتعرض الفتاة للاغتصاب لا ينبغي لها أن تقاوم ، عليها أن تلتزم الصمت وتسمح باغتصابها بعدها سيتركونها بعد الانتهاء منها وسيضربون الشاب فقط " ..!
ففي عام 16 من ديسمبر عام 2012م ذهبت فتاة تبلغ من العمر 23 عاما لمشاهدة الفيلم السينمائي " حياة باي " بصحبة صديق لها ، وفي الساعة الثامنة والنصف من مساء اليوم نفسه صعدت مع صديقها حافلة خارج الخدمة على متنها ستة رجال ، خمسة بالغين وسادس صغير السن ، حين رأى الرجال الفتاة الجميلة برفقة صديقها قاموا بضربه بلا مقدمات ثم تناوبوا على اغتصاب الفتاة قبل أن يهاجموها بقوة مستخدمين آلة حديدية و توفيت متأثرة بإصابات داخلية كبيرة ..!
في بلاد يعبد أكثر من نصف شعبه آلهة نساء ولكن للأسف الشديد تتعرض فيه نساؤه لمعاملة سيئة للغاية ، في بلاد معظم نسائه علماء ومخترعات ولكنهن يتعرضن للعنف وعدم احترام حريتهن واستقلالهن ، هذا الكبت من المجتمع الهندي عن سوء معاملة المرأة جعلها في نظرهن ضحية هشة ومخذولة ومعرضة للدهس باستمرار بينما جعل الرجل يمتلك من الجرأة والوقاحة ؛ كي يتهجم عليها في وضح النهار وسط أناس كثيرين في الشارع دون أن يتجرأ أحدهم التدخل لإنقاذ الفتاة الضحية ، بل من تصل الوقاحة شدتها عند لفيف منهم حين يقومون بتصوير الفتاة أثناء تعرضها للاغتصاب وتسجيل صوت صرخاتها دون أن ينجدوها ، دون أن يشعروا ولو قليلا بالخجل والأسى ..!
هذه الانتهاكات التي تمارس ضد النساء في الهند تحديدا لها أسبابها كما عرضتها مخرجة سينمائية التي حاورت المغتصبين وتوقعت أن تسمع صوت الندم يثقب حناجرهم وهم يحكون بخجل مشوب بالتوتر ما اقترفوه ببشاعة في حق الضحية ، ولكن جل توقعاتها تحطمت حين رأيت مدى جرأتهم ، وحين لمست كمية وقاحتهم ، وحين عرفت كيف أن فكرهم المضل يرى المرأة في بلادها الذي يعيش الحداثة والتحضر مجرد سلعة للمتعة وليس كيانا مساويا للرجل على الرغم من القوانين التي فرضتها الحكومة في دستورها عن حقوق المرأة وجعلها في مصاف الرجل ، ولكن مجتمع كالهند لا يأخذون القوانين التي تتعلق بالمرأة على محمل الجد ، وذهبت بأن قصة الانتهاك تبدأ من الطفولة منذ بداية مولد الفتاة التي لا يرحب المجتمع بها مثلما يفعل مع الصبي عندما توزع الحلوى عند مولد الصبي وليست الفتاة ، عندما يحظى الصبي برعاية أكبر مقارنة بالفتاة ، عندما تفرض القيود على حركة المرأة وتخضع حريتها واختياراتها لقيود ، وعندما ترسل إلى بيت زوجها أشبه بالعبيد ، من هنا تفشى التبرير للرجال في مجتمع كالهند على استغلال المرأة وعلى تشييئها على وفق أهوائهم ..!
ومن أجمل ما قرأته عن المرأة في هذا العام هي عبارة " شمسية حسيني " : " لقد كان أمرا مهما أن أصبح معلمة ، إنها طريقتي الوحيدة في القول لهؤلاء الذين اعتدوا علي أنهم لم يربحوا " و " شميسة " هي اليوم معلمة أفغانية حين سكب عليها رجلان على وجهها الحمض الكاوي أمام مدرستها عام 2008م ، عزمت أن تكون معلمة للصغار في المدرسة نفسها ..
ومن رائع ما قرأته أيضا عن كفاح النساء المعرضات للاعتداء الخطوة الجريئة التي قامت بها امرأة هندية تدعى " روبا " وهي مصممة أزياء ، عندما عرضت على نساء تعرضن للحرق بماء النار دخول مجال عرض الأزياء ، وكأنها رسالة في وجه المعتدي الظالم بأن  " الجميلات هن القويات " كما ذهب الشاعر محمود درويش في شعره ..
ومن الخطوات السديدة أيضا يظهر مدى تحدي المرأة للعالم العنيف ومدى كفاحهن في سبيل العيش الكريم هو قيام امرأة صاحبة صالون تجميل بتوظيف فتيات تعرضن للحرق والتشويه بماء النار للعمل في مجال التجميل ، كسبا للزرق ومنحهن ثقة بأنفسهن بل إثبات للرجل البغيض الذي تعدى عليهن بأنهن مكافحات ويظلن أبدا على الرغم من كل شيء نساء مكافحات ..
سأستعير عبارة من الروائية التركية " أليف شافاق " وهي رسالة قصيرة ذات مضمون لكل امرأة : " إذا كنت هشة مثل كأس الشاي ، فإما أن تجدي طريقة كي لا تواجهي ماء يغلي أو أن تنكسري بأسرع ما يمكن ، لذلك توقفي عن كونك امرأة شبيهة بالكأس " ..
ولعل أكثر النساء في العالم جسدت فيهن عبارة الروائية " شافاق " هي " روزا باركس " المرأة الأمريكية الزنجية – هذا النعت الذي كان المجتمع الأمريكي ينعتها وبني جنسها وأنا أبغضه شخصيا - التي رفضت أن تخلي مقعدها في الحافلة من أجل رجل أبيض عندما أمرها السائق بذلك عام 1955م ، وقد عدّ المجتمع الأمريكي الأبيض فعلتها جريمة أدخلتها السجن على الرغم من أنها كانت جالسة في الجزء المخصص للسود في الحافلة ، ولكن قسم البيض كان مشغولا بالكامل فأراد الشخص الأبيض مقعدها ..!
على المرأة أن تكون مكافحة حقيقية في هذا العالم كي تحيا بسلام ..

ليلى البلوشي