الأربعاء، 14 يناير 2015

جارة غادة السمان ..

جارة غادة السمان ..

جريدة الرؤية

قرأت من وقت قريب مقالة للأديبة " غادة السمان " كان عنوانها " يا للهول ! ابنتي ستتزوج مسلما " تتحدث الكاتبة السمان عن جارة لها منذ أعوام كانت قد اعتادت أن تتسكع معها على ضفاف نهر السين مقابل البيت ولكن حين جاءتها آخر مرة كان وجهها يمطر حزنا ، سرعان ما صرحت بسبب تعاستها حين قالت : " تخيلي الكارثة التي ستحل بي .. ابنتي تريد الزواج من مسلم " ..!
لم تكتف بهذا بل طفقت تتخيل حياة ابنتها التي عزمت الزواج من رجل مسلم ؛ بأن هذا الرجل المسلم سوف يخرج ابنتها من جامعة السوربون الباريسية الراقية كي يجرها إلى عالمه الإرهابي ، ستقف إلى جانبه حين يشهر سيفه ليذبح رهينة غربية ويقوم بتعذيب صحافي ذهب بحثا عن الحقيقية بل لن يتوانى عن قتل طبيب مسكين كان يسعف جرحى ضحايا العنف ، بعد إفاضتها في كليشيهات الإرهاب ، فإن الجارة الباريسية ترى أن الرجل المسلم مما شك سيتزوج على ابنتها زوجة ثانية وثالثة ورابعة وستكتفي ابنتها في النهاية بتنظيف غرف ليلة الدخلة وتبديل ملاءات السرير لزوجات زوجها ..!
في ظل حمية خيالاتها سألتها الكاتبة " غادة السمان " : وأنت ، هل ترضين بزواج ابنتك من ابني إذا فرضنا جدالا إنهما يريدان ذلك ..؟
قالت الجارة حينها مبتهجة : أتمنى ذلك حقا .. بل أفاضت في امتداحه .. فردت عليها الكاتبة ببساطة : ولكن ابني مسلم وأنا مسلمة ..
حينها صعقت الجارة من الصدمة ونظرت بذهول مشوب بالخوف إلى " السمان " وكأنها تراها للمرة الأولى ، ثم ترنحت وجلست على أقرب مقعد وسألتها بلهجة تسيل دهشة : أنت مسلمة ؟ ابنك مسلم ؟ هذا لا يصدق ..! فوضحت لها " السمان " قائلها : وثمة مليارات المسلمين مثلنا .. وتحيتنا : السلام عليكم لا القتل لكم ..
ويبدو واضحا من مقالة الكاتبة " غادة السمان " أن جارتها التي كانت تعرفها منذ أعوام لم يكن لديها سوى التصور التقليدي عن المسلمين وعن العرب عموما ، وكان تصورها الوحيد عنهم بأنهم أشخاص متوحشون ، التصور العنيف الذي بث سمومها اللوبي الصهيوني حين أظهر المسلمين عبر وسائلها الضخمة على هيئة واحدة ، أظهرهم كإرهابيين ، وأن لا غاية لهم في هذا العالم سوى اشهار سيوفهم لذبح كل انسان غربي وغير مسلم وغير عربي ، لا شك لا أحد ينكر أن ثمة ثلة من الإرهابيين المسلمين أولئك الذين أسقطوا الإنسانية من حساباتهم ، وأولئك الذين اتخذوا الدين مطية ، ليصلوا بها إلى غاياتهم التي لا صلة للدين بها مطلقا ، ولكن حين يسقط أولئك الغرب بقية المسلمين الأشراف الذين يعيشون بسلام ، والذين هم أنفسهم ضحايا الإرهاب ففي هذا ظلم كبير ..!
الصورة الاعتيادية التي حفرها الإعلام الغربي في عقول شعوبها واضحة ، ولكن في زمن الصورة ، ومواقع التواصل الاجتماعية وغيرها ، كان أجدى على تلك الشعوب الغربية في زمن ممكن أن يصل فيه المرء إلى جزء من الحقيقة من خلال كبسة زر ، كان عليهم أن يدركوا الفارق ما بين مسلم وعربي متزن ومسالم ، وما بين مسلم وعربي إرهابي ، الإرهاب نفسه كان صنيعة قاداتهم الغربية ، فيكفي أن نقرأ تاريخ أمريكا لنعرف أنها نهضت على أنقاض هنود أبرياء كانت الأرض أرضهم ، وأنها لم تكتف بسلب أرضهم بل شردت الآلاف منهم وطاردتهم كما لو أنهم جرذان يجب سحقهم نهائيا عن وجه الأرض ومن نجا منهم من القتل الوحشي عملت على تدجينهم ليناسبوا طبيعة الغاصب المتوحش الذي سرق كل ما لديهم والذي أحرق تاريخهم العريق في لحظة عنف غدت كوشمة عار على جباههم ، العار نفسه يتجسد بقوة في الحاضر الأمريكي الزاخر بأمثلة عن الوحشية التي اقترفها بحجة القضاء على الإرهاب في العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها من الدول ، و التاريخ نفسه يدرك مدى بشاعة الإنجليز لا سيما أولئك البحارة الذين كانوا يلتهمون اللحم البشري على متن سفنهم في وسط البحر ، وكان يعدون أصغرهم سنا وأقلهم شأنا لهذه الوليمة ، طبيعتهم الوحشية هي وحدها جعلتهم يحملون معهم تلك الكتل البشرية لالتهامها وحين تعرضوا لمساءلات قانونية عن اختفاء أشخاص كانوا معهم ضمن تجوالهم البحري كانت حجتهم هو اخراس الجوع ، وحين سألهم القاضي لماذا لم تأكلوا الأسماك التي تحيط بكم من كل جانب ؟ كان ردهم بأنها لا تسد رمق جوعهم الشرهّ ..!
والتاريخ نفسه سجل في ذاكرته أفعال الفرنسيين في زمن الغزاة ، لكن هناك من يسعى إلى طمس كل الحقائق المتعلقة بالطوائف والديانات والأعراق الأخرى ولا تسعى سوى لتشويه صورة واحدة وضعتها في واجهة قنواتها وصحفها ومواقعها وهي صورة الإنسان المسلم فلا تظهره سوى كمسخ ..!
بل من يمكن أن ينسى " أندرس بريفيك " الذي عّد نفسه قائدا معاصرا لـ " فرسان الهيكل " ..؟ أصولي مسيحي ، حصر أعداء أوروبا حسبما رأيه في ثلاثة : الماركسية والإسلام والتعددية الثقافية ..! ونتيجة لتعصبه وعنصريته قتل 77 شخصا وأصاب المئات منهم معظهم من الأطفال عام 2011م ، وغرض التفجيرات التي قام بها الرجل جاءت كفعل اعتراض على الهجرات المتدفقة من قبل المسلمين لدول أوروبا ، ويبدو أن بعد قيام هذه العملية اعترف " بريفيك " في حوار أجراه كسؤال وجواب مع نفسه ، وكان من ضمن ما قاله : " إذا توقف تدفق المهاجرين المسلمين إلى أوروبا أو إذا ما اعتنقوا المسيحية فإني سأسامحهم على جرائمهم الماضية ، وإذا رفضوا القيام بذلك طواعية حتى عام 2020م ؛ فإنها ستكون نقطة اللاعودة ؛ فإننا سنمسحهم جميعا ولا نبقي منهم أحدا .." إذا أردنا أن نعلن الحقيقة الكاملة فيجب أن يؤكدوا ويعلنوا بأن الإرهاب لا دين له ..!
ذلك هو انطباع الحضارة الغربية عنا ولكن ماذا عن انطباع الحضارة الشرقية ..؟ ماذا عن انطباعنا نحن المسلمين والعرب عن بعضنا البعض كمسلمين في قارة واحدة ، في وطن واحد ، في حارة واحدة ، في شارع واحد ..؟!
سنجد أن المسلمين هم مبعث تلك الصورة المشوهة عنهم ومنشئها ، فنحن نعيش في دول عربية وخليجية بات الجميع يفرض حدوده في علاقاته على الآخر ، صارت العلاقات الاجتماعية تخضع لأهواء المذهبية والقبلية و التوجهات السياسية أيضا ، ونجم عن ذلك بفرض حدود حمراء على كل ما هو مختلف عنا مذهبا ، قبيلة ، عرقا ، فكرا ، لغة ... ماذا ستقول جارة " غادة السمان " لو أنها عرفت أن المسلمين ، وأن العرب أنفسهم في وقتنا الحاضر يشعرون بالتعاسة نفسها التي شعرت بها حين أحبت ابنتها مسلما عربيا وقررت أن تتزوجه ..؟ نعم ، التعاسة والمصيبة نفسها ، حين تعترف الفتاة المسلمة العربية لأمها أو لأسرتها بأن ثمة مسلم " سني " يريد أن يتزوجها وهي " شيعية " ..؟ أو ثمة رجل " شيعي " يرغب في الزواج منها وهي " سنية " .. طرح هذه الفكرة لوحدها هي قنبلة موقوتة ..؟!
 وهذا يشمل أيضا المذاهب الأخرى ، وقد قرأت في الوقت الذي فاجأت فيه المحامية اللبنانية " أمل علم الدين " العالم العربي والغربي بخطبتها من النجم العالمي الشهير " جورج كلوني " والتي أصبحت زوجته اليوم ، هذا النبأ الصاعق الذي أربك العالم في وقت اعلانه ، العرب منهم والغرب ، المسلمين منهم والمسيحيين أيضا ، لذا طرحت كثير من المقالات الجدلية عنهما ، ومن ضمنها مقالة صرحت بأن " أمل علم الدين " من الطائفية الدرزية وأن هذه أصحاب هذه الطائفة ينبذون فكرة زواج أحد من طائفتها بشخص من مذهب مختلف ؛ لأنهم أقلية مهددة بالتفكك ، وأنه لو وقع أمر كهذا ، فإن الزيجة ستنتهي بمأساة حقيقية خاصة من المشددين منهم ، ولم تكتف بذكر هذا التقرير بل فجرت فاجعة عن إحدى الأسر من الطائفة نفسها أعدمت الرجل الذي تزوجته ابنتهم حين هربت معه لأنه كان سنيا ..!
هذا عن اختلاف المذاهب بين المسلمين ، لكن حين تتزعم القبلية الجاهلية الأولى ، فيرفض الأب زواج ابنته السنية المسلمة من رجل سني ومسلم ؛ لأنه من قبيلة لا تناسب أصول وأعراق قبيلته ..؟! هذه الوجاهات الاجتماعية الفارغة التي ما يزال يتشبث بها الساذجون تنم عن تخلف اجتماعي خطير وتنم أيضا أن الدين عند هؤلاء أصحاب الوجاهة القبلية خاضع لأهوائهم  ..!
المجتمعات العربية المسلمة لم تفلح في سنواتها الأخيرة سوى في توسيع هوة الاختلافات فيما بينها ، لم تفلح سوى في تعميق الكراهية في القلوب دون أن يدركوا أن خطاب الكراهية هذا الذي تبنته معظم الطوائف لن تخلف سوى مزيد من العنف ومزيد من الحروب الأهلية ومزيد من الدمار ، للأسف غدونا شعوبا لا تسودها سوى القبلية والمذهبية ، فكيف يمكن أن نلوم غيرنا ، كيف يمكن أن نلوم جارة الكاتبة " غادة السمان " وهي غربية ومسيحية وفرنسية ومن بيئة لا تشبه بيئة المسلمين ولا أفكارهم ، كيف يمكن ألا نفهم مخاوفها حين تقرر ابنتها الزواج من رجل عربي ومسلم ، في وقت صارت فيه الأسر العربية والمسلمة ترعبها فكرة أن تتزوج ابنتهم من رجل غير مذهبها أو خارج قبيلتها ..؟!

ليلى البلوشي

هناك تعليق واحد: