الثلاثاء، 27 مايو 2014

الهند في ذاكرة القصص والروايات والواقع ..!

الهند في ذاكرة القصص والروايات والواقع ..!

كثيرة هي الروايات والقصص الهندية التي تناولت صراعات الطائفية في داخل الهند ما بين طوائفها المختلفة ، الهند البلد الذي قيل أنه به أكثر من ثلاثة آلاف طائفة وخليط من اللغات ، البلد الأكثر كثافة سكانية في العالم بعد الصين ، من تلك الروايات التي تناولت الصراع الهندي الباكستاني هي رواية " قطار إلى باكستان " للروائي الهندي السيخي الساخر الشهير " خوشوانت سينغ " الذي ودع العالم منذ فترة قريبة عن عمر يناهز 99 عاما ، مخلفا الكثير من الروايات والقصص ، ومن أشهرها رواية " قطار إلى باكستان " وهي رواية حولت إلى فيلم سينمائي تحكي عن واقع هندي باكستاني مرير ما بين طوائف هندوسية ومسلمة وأخرى من السيخ ، تلكم الطوائف التي ينقلب الوئام الذي كان سائدا بينها إلى حرب طائفية شرسة تمص دماء أبرياء ضحايا من تلك الطوائف ..!
لا تختلف هذه الرواية في صراعاتها المتدامية عن رواية " العار " للكاتبة البنغلادشية " تسليمة نسرين " وهي الرواية التي كادت أن تهدر دمها من قبل مسلمين متطرفين ؛ لأنها رجحت كفة الصراع الطائفي لصالح الهندوس على حساب المسلمين الذين أظهرتهم كمتعطشي دماء ، على الرغم من أن الرواية جاءت نتيجة حدث واقعي حدث في الهند في 7 من ديسمبر عام 1992م حين قامت جماعة من الطائفية الهندوسية المتطرفة بهدم مسجد عتيق يعود لخمسة قرون بدعوى أن المسجد بني على أنقاض إله الهندوس راما حيث مهبط ميلاده ..!
أما الروائية والكاتبة " جومبا لاهيري " وهي الأمريكية من أصل هندي تناولت موضوع الطائفية وصراعاتها في معظم كتاباتها الأدبية ، حيث تحفل معظم أعمالها بتناول الهند من الداخل من خلال مغتربين ومغتربات مقيمين ومقيمات في أرض غريبة بالنسبة لهم بكامل مبادئها وقيمها وعاداتها وتقاليدها كأمريكا ، البلد العالمي الذي تمتزج فيه جميع الاختلافات ، ولهذا لجأت " جومبا لاهيري " إلى تناول الصراعات في بلدها بأسلوب أكثر هدوءا ومرونة وتسليما ، فحين تتأمل شخوصها تجس روح ذلك التسليم ربما لأنهم في وطن كبيرة مفعم بالتغيرات السريعة كأمريكا ، ويبرز ذلك جليا في قصة " عندما أتى السيد بيرزادة لتناول الطعام "  فهذه القصة التي تحكي عن رجل وامرأته وطفلة في العاشرة من عمرها ، كان الرجل والمرأة يعيشان في حي لا يزورهم الجيران مطلقا إلا بدعوة ، ولا كان الأطباء يستجيبون لنداء المنازل ، تلك الوحشة هي التي دفعت الزوجين للبحث في سجلات جامعة " بوسطن " عن قادمين جدد يحملون جنسيات هندية ، ومن خلال كشف الأسماء تعرفا على " السيد بيرزادة " الذي جاء من " دكا " حيث ترك بناته السبع مع زوجته هناك ؛ لإجراء دراسة عن أوراق النبات في ولاية " نيو إنجلاند " ، فاتصلا به ليقيما بدعوته إلى منزلهم .. وهكذا كان " السيدة بيرزاده " يزورهم في كل مساء ؛ لتناول العشاء ومشاهدة التلفاز ، وهنا يبرز كم أن الغربة ذوبت الطائفية السائدة في الوطن الأم ما بين أبناء البلد الواحد ..!
القصة عينها تحكي عن الانقسام الذي حصل 1947م ، الذي تحرر فيه الهنود من الاستبداد البريطاني ؛ ليغرقوا في وحل الحروب الأهلية بين المسلمين والهندوس .. كما جاء على لسان الأب وهو يوضح لابنته الفكرة بالإشارة إلى الخريطة التي أمامهم : " مثل الكعكة .. الهندوس هنا ، والمسلمون هناك ، ولم تعد دكا تابعة لنا " وتتساءل تلك الطفلة التي يدهشها هذا الانقسام رغم أن السيد بيرزاده ووالدها يتحدثان اللغة ذاتها ، وتضحكهم النكات ذاتها ، ناهيك عن التشابه في ملامحهم ، وجميعهم يأكلون المانجو المملح مع وجباتهم ، ويتناولون الأرز بأيديهم كل ليلة في طعام العشاء  : " إن السيد بيرزادة بنغالي ، لكنه مسلم ، وهو لهذا يعيش في شرق باكستان ، وليس في الهند " ..!
عادت ذاكرتي تلملم هذه الصراعات عبر روايات وقصص وأفلام مرت بها ؛ تلك الاشتعالات الطائفية التي تناولتها تجعلني أتساءل وأنا أرى أن العالم اليوم مشغول بانتخابات الأخيرة التي جرت في الهند والتي جاءت نتائجها لصالح الحزب الهندوسي المتشدد بهاراتيا جانانا برئاسة زعيمه الديني السياسي " مارندرا مودي " ، الذي كان من قبل أن رئيس حكومة واحدة من كبريات ولايات الهند وهي ولاية غوجرات ، والآن كرسته نتائج الانتخابات العامة رئيساً للهند التي يبلغ عدد سكانها ملياراً و200 مليون نسمة ..
وفوزه طبعا يجعلنا نستذكر الصراعات الطائفية المريرة التي وقعت في الهند ما بين الهندوس والمسلمين ، فمعروف عن " مودي " علاقته السيئة مع مسلمي الهند الذين يفوق عددهم 175 مليوناً ، وذلك حين كان رئيساً لحكومة ولاية غوجرات في عام 2002م ، عرفت الهند حادثا طائفيا مأساويا وذلك حين اندلع حريق في قطار كان يحمل جماعة من الهندوس الحجاج ذهب ضحيته ما يقارب خمسون شخصا وكان ذلك حجة كافية ليشتعل فتيل الاقتتال ما بين الطائفتين ، وبعد أن قتل الهندوس حوالي 1000 من المسلمين اكتشفوا أن مبعث الحريق كان نتيجة احتكاك كهربائي .. ويومها لم يبد على " مودي " أي أسف تجاه ضحايا المسلمين ، حتى أن أمريكا وبعض دول أوروبا اتخذت موقفا من موقفه البارد ، والمتطرف ، والجاحد ، فمنعته من دخول أراضيها في ذاك الوقت ..!
فكيف سيكون مستقبل الهند مع رئيسها الجديد ، بالأحرى كيف ستبدو أحوال المسلمين فيها وهم الأقلية .. وهل سيلتزم " مودي " بما قاله في خطابه من أن الهند للجميع .. أم أنها ستكون للطائفة التي ينتمي إليها على حساب طوائف أخرى من المسلمين والمسيحيين والسيخ ..؟!
وحده المستقبل كفيل بإعطائنا الإجابات الشافية ...
ليلى البلوشي

الثلاثاء، 20 مايو 2014

حين يكون الموت مسلما أو مسيحيا أو يهوديا ..!

حين يكون الموت مسلما أو مسيحيا أو يهوديا ..!

جريدة الرؤية

في الأسبوع نفسه قرأت ثلاث روايات تتفاوت في عدد صفحاتها ومواضيعها ، كانت الرواية الأولى وهي أقصرها رواية " حي الأميركان " للروائي اللبناني " جبور الدويهي " بينما الرواية الثانية وكانت أطولها رواية " حنّه وميخائيل " للروائي اليهودي " عاموس عوز " بينما الرواية الثالثة كانت تقارب رواية " حي الأميركان " من حيث عدد صفحاتها تقريبا وهي رواية " يا مريم " للروائي العراقي " سنان أنطون " ..
ما هزني في هذه الروايات الثلاث هي حالات الموت ، ثلاث شخوص تعرضوا للموت وطريقة موتهم تتفاوت وتتباين من وطن إلى آخر ؛ ففي رواية " حي الأميركان " تشيع شائعة موت " إسماعيل " وهو شاب لبناني من المذهب السني ملاحق من السلطات لأنه ينتمي إلى تنظيم ميليشي ، بينما في رواية " حنّه وميخائيل " لــــ" عاموس عوز " فإن الذي يموت في الرواية هو " يحزقائيل " والد البطل " ميخائيل " يحزقائيل اليهودي الذي يعيش في إحدى مدن فلسطين الساحلية ويموت موتا طبيعيا ، طبيعيا تماما في زمن يموت فيه معظم الناس في العالم من حوله موتا مدبرا ، موتا انتقاميا ، متفشيا ، انتحاريا ..!
أما في رواية " يا مريم " فإن الميت هو البطل " يوسف " المسيحي الذي يذهب ضحية مداهمة لمسلمين انتحاريين لكنيسة كان " يوسف " يؤدي صلاة قداسة في روح أخته الكبرى المدعوة " حنّه " التي كانت في مقام الأم بعد رحيل أمهم في وقت مبكر من حياتهم ..!
لست أبالغ حين – أعترف – بأنني تأثرت لموت كل من " إسماعيل " و" يحزقائيل " و" يوسف " ولا أبالغ بأنني تأثرت أكثر لموت " يوسف " المسيحي ، الإنسان الطيب ، نقي القلب ، الذي ذهب ضحية انفجار انتحاري لمتطرفين مسلمين ، الذي ظل يقنع قريبته " مها " بأن بغداد طالما شهدت عصورا زاهية بلا ما يسمى طائفية ، في زمن عاش فيه كل من المسلم باختلاف مذاهبه والمسيحي في ودّ وسلام ، وأن هذا الفكر المتسامح ما يزال له وجود في العراق ، ولا يمكن أن يقوموا بإيذائهم لأنهم أقلية ، بينما ظلت " مها " تخالف حسن نيته بأنه رجل يعيش في الماضي ، ذاك الماضي الذي أصبح لا وجود له في خارطة العالم العربي اليوم ولا في وطن كالعراق التي وقعت كضحية في فم وحش الطائفية ، وكرة تتقاذفها في ملاعبهم كل من إيران وأمريكا بعد سقوط حكم صدام حسين ، العراق التي دفعت من روحها أثمانا باهظة وما تزال تقطع من روحها  ..!
ولا أنكر بأن موت " يحزقائيل " اليهودي الذي سقط على حين فجأة مغشيا عليه بالقرب من مواقف الحافلات في المنطقة التي يعيش فيها ، تلك السقطة التي أخذت روحه ، كان موته فجائيا ومتوقعا لمن هو في مثل سنه ، كان موته حزينا أيضا ؛ لأن الروائي " عاموس عوز " نجح في رسم شخصية بملامح طيبة لهذا الرجل المدعو " يحزقائيل " الذي كان أبا فاضلا لابنه بعد وفاة زوجته و" ميخائيل " في الثالثة من عمره ، ذاك الوفاء العظيم والعطاء الكبير حتى أصبح " ميخائيل " حامل شهادة دكتوراه في الجيولوجيا كما حلم والده المكافح تماما ..!
لكنني لم أتألم بالقدر نفسه لموت " إسماعيل " الشاب اللبناني الذي أنضم لميليشيا تقتل الأبرياء لمجرد أنهم ليسوا من المذهب أو الفكر أو التوجه نفسه .. لم أتوجع لموته ولكنني توجعت بشدة على ضياع شبابه وعلى فكره المتطرف وعلى روحه الإنسانية التي سقطت في فخ العنف والإرهاب باسم الإسلام ، في الوقت نفسه انقلب حزني فرحا حين تراجع " إسماعيل " عن تنفيذ مهمة القتل وكأنه أنقذ روحي من موت وشيك ..!
" إسماعيل " الشاب الذي كان يخطط لمهمة انتحارية في حافلة تحمل أناسا أبرياء ؛ لأن زعماؤه طلبوا منه ذلك بتسويغات دينية ولكن طفل نسف بكل ما خططه ، طفل كان يشبه أخيه الصغير ، ويدرك كم كان ساذجا حين قبل أن يكون متفجرة ..!
في الموت لا يمكن أن تتعاطف سوى مع الضحية ، سواء أكان هذا الضحية من دينك أو لم يكن من دينك ، سواء أكان من جنسك أو لغتك أو قبيلتك أو لم يكن ، في الموت يحدث جدا أن تتعاطف مع عدوك الذي تبغضه لمجرد أنه تعرض لمؤامرة موت من قبل فرد أو جماعة فاستحال من عدو إلى ضحية ..!
في الموت لا يمكن أن أتعاطف مع قاتل من جنسي ، وديني ، ومذهبي ، وملتي ، وقبيلتي ، وحزبي ، وجماعتي ، مهما غدت مبرراته ، ومهما راكم من حجج باسم الله ، وباسم الدين ، سيظل قاتلا وسيظل الآخر مهما اقترف في مقام الضحية ..!
لا يمكن لإنسانية أن تتعاطف مع قاتل سواء كان مسلما أو مسيحيا أو يهوديا ، لكنها ستتعاطف مع الضحية سواء أكان مسلما أو مسيحيا أو يهوديا ، تلك الإنسانية الحقة ، والعادلة ، إنسانية الإنسان ...

ليلى البلوشي