الاثنين، 29 أبريل 2013

أبيع نفسي ..!





أبيع نفسي ..!

 

الرؤية / العرب

 

نشر تقرير منذ فترة قريبة عن ارتفاع نسبة البطالة في العالم العربي في عام 2012م ، حيث كشف المدير العام لمنظمة العمل العربية " أحمد محمد لقمان " في تصريح له عشية انطلاق الدورة الأربعين لمؤتمر العمل العربي بالعاصمة الجزائر بمشاركة 20 دولة عربية و18 وزيرا ، بأن راهن الدول العربية سيكون جديد هذه الدورة خاصة وإن نسبة البطالة العام 2012م ارتفعت بأكثر من 2% لتبلغ تقريبا 20 مليون عاطل عن العمل ..!

وكانت توقعات المنظمة العربية على عكس ذلك تماما ، بتأكيد ارتفاع نسبة البطالة في ظل الزمن الراهن تعد ظاهرة وأزمة خطيرة وجب على العالم العربي التغلب عليها خاصة في ظل ثورات الربيع العربي التي كانت من ضمن مطالب شبابها بل كان من أسباب اندلاعها هي " البطالة " المتفشية في جيل الشباب مما سبب في أزمة إحباط وتأزم نفسي ..!

فهل نحن حقا أمام عالم بلا وظائف ..؟ وهل ستتفاقم هذه الأزمة بنسب صادمة مع السنوات القادمة ..؟

يبدو أن العالم الغربي هو الآخر غير متفائل عن تقهقر أزمة البطالة في العالم ؛ فقد نشرت صحيفة " واشطن بوست " تقريرا عن " عالم بلا وظائف " وهذا العالم سيسوده الروبوتات والكمبيوترات التي أصبحت

أكثر ذكاء وإبداعا من قبل ، وباتت تغزو كل مجالات حياة الإنسان ، فبعد ثلاث سنوات من اختراع "جوجل" سيارة تسير بدون سائق ، يبدو أن هذا النوع من السيارات سيظهر في الأسواق قريبا بعد أن عرضت كبريات الشركات نماذج لها في المعارض التي أقيمت مؤخرا ..!

وتقول الصحيفة إن عدة ولايات أميركية من بينها كاليفورنيا بدأت تغير قوانينها للسماح لهذا النوع من المركبات من السير على الشوارع ، لكن ماذا سيحدث لملايين الناس الذين يكسبون قوت يومهم من مهنة سياقة السيارات والشاحنات ..؟

يتوقع " موشي فاردي " الاختصاصي في مجال الكمبيوتر في جامعة " رايس" في هيوستن اختفاء كل تلك الوظائف في غضون 25 عاما ، ويضيف قائلا : " قيادة البشر للسيارة ستبدو غريبة ومثل قيادة الحصان والعربة " ..!

وتتساءل الصحيفة : إذا كانت الأتمتة ستغني عن وظائف سائق باص وسائق سيارة توصيل البضائع داخل المدن وقيادة الشاحنات لمسافات طويلة وسيارات التاكسي، فهل هناك وظائف بمنأى عن التأثر بغزو الروبوتات ..؟

ويزيد " فادري " سؤالا آخر لا يقل أهمية عن السؤال السابق وهو: هل العالم مستعد لاقتصاد يكون فيه نصف الناس عاطلون عن العمل ..؟

ووجد محلل لمعطيات التوظيف في عشرين بلدا أن الملايين من الوظائف التي تتطلب مهارة متوسطة وراتبا أقل قد اختفت بالفعل خلال السنوات الخمس الماضية ، وهذه الوظائف هي التي تشكل العمود الفقري للطبقة الوسطى في الدول النامية..

هذه المعلومة جعلت عددا متزايدا من التقنيين والاقتصاديين يتساءلون عما ينتظرنا في المستقبل ، هل ستعود وظائف الطبقة المتوسطة بعد تعافي انتعاش الاقتصاد العالمي أم أنها اختفت إلى الأبد..؟ لن يعرف الجواب قبل سنوات وربما عقود..!

لفهم هذه المخاوف ، تتعين العودة إلى الماضي ، فعلى مدى القرنين الماضيين كانت آلاف الوظائف تختفي مع كل اختراع جديد ، سواء تعلق الأمر ببواخر السفر في 1820م أو القاطرات المزودة بمحركات في 1850م أو ظهور التلغراف والهاتف ، فإن أنواعا من الأعمال والتجارة كانت دائما تختفي ، فقد أدى ظهور محركات الاحتراق إلى القضاء على العربات التي تجرها الخيول ، وصناعة السروج والسياط ومهن أخرى مرتبطة بتجارة الخيول. .

إلا أن " جوزريف ستيجلز " الحائز على جائزة نوبل للسلام في الاقتصاد ليس متشائما من هذا التطور التكنولوجي حيث يرى أنه " كان دائما واضحا أن التكنولوجيا تدمر وظائف لكنها أيضا تخلق وظائف"..  ويضيف ستيجلز : " المركبة حطمت الحدادين لكنها خلقت صناعة السيارات"...!

الغريب في الأمر أن تقنيات التكنولوجيا والروبوتات تستغرق وقتا حتى تتفشى في مجتمعاتنا العربية خاصة تلك التي تعاني من أزمات وتخبطات اقتصادية متردية ، وهي نفسها التي تعاني اليوم من ارتفاع نسبة البطالة ..!

علما أن المدير العام لمنظمة العمل العربية أرجح السبب في ارتفاع نسبة البطالة إلى التراجع في الاستثمار ، لذلك يركزون خلال هذه الفترة على ضرورة عودة الأمن والاستقرار ، وعودة الاهتمام بمسألة التشغيل وعودة رؤوس الأموال إلى الاستثمار ، وعودة دورات الانتاج التي رأى أنها عناصر حاكمة لتمكين من خفض نسبة البطالة السائدة ..!

فهل ثمة بشائر لتراجع الأزمة في أرجاء العالم العربي خاصة إذا ما عرفنا أن من وقت قريب انطلقت مظاهرة في دولة كبيرة من حيث عدد سكانها لأطباء مصريين ، لا حظوا " أطباء " وليسوا مجرد موظفين أو شباب حاصلين على شهادات في مجالات أخرى بل " أطباء " قاموا بمظاهرة حاشدة أمام دار الحكمة رافعين شعار " أبيع نفسي " يغسلون السيارات وهم مرتدين البالطو الأبيض ويبيعون كتبا أمام دار الحكمة احتجاجا على تدهور أوضاعهم ، قائلين بخيبة أمل كبيرة : " كنا نريد أن نبيع الشهادات التي حصلنا عليها ولكن للأسف ليس لها ثمن"..!

 

 

ليلى البلوشي

الأحد، 28 أبريل 2013

شيطانيات .. ق. ق. ج


 
 
شيطانيات
 

قصص قصيرة جدا

 
نشرت في مجلة نزوى

 

شيطان

 

تعودت هي أن تطرقع أصابعها في أثناء الصلوات ، بينما كان هو فخورا جدا بنفسه وبإخلاصها له ..!

 

 

نميمة

 

كانت تلقي بذوري كل صباح في بيوتات الحي ، وتلتقطها أخرى فتحرص على سقيي جيدا ، وتأتي ثالثة فتتعهدني بعناية كبيرة ، ورابعة تضيف إليّ ما يشّد عودي لأطول حياة ، والبقية الباقية من النسوة الحي يجنين نصيبهن مما حصدت ..!

 

 

بصاق

 

مذ أخبرتها معلمة الدين في الصف الرابع عن نواياه السيئة عند صلاة الفجر تحديدا ، حرصت على تبديده عنها بمنبه من نوع قوي .. ولكن في الأيام التي يخذلها المنبه ذو السماعات الكبيرة في تبديده ، لا تنس أن تتقيأ كل ما في جوفها حتى لا تبقي له أثرا ، عندئذ فقط تشعر بقليل من الراحة ..

 

سقط سهوا

 

يتولمون حول مائدة الطعام كل يوم ، بينما يشاركهم هو بنفس شهية في الوجبات الثلاث بلا إحم ّ ولا دستور ..!

 

رمضان

 

ضاق به الملل ، كل الأبواب مقفلة في وجهه ، لكن حين تبقت أيام قليلة ، بدأ يعددها حتى نهاية الشهر بهمّة عالية معدا مفاجآت العيد ..!

 

 

 

عولمة 

 

استأنس بعرشه ، خاصة بعد أن اطمأن إلى تعمق جذور اتصالاته ، فأعوانه متمددون في بقاعات شتى ، وها هو في كل مرة يكتسب فنونا جديدة في التواصل معهم ..!

 

 

فتنة

 

حين عقد قرانه عليها ، أنجبا من صلبهما جيوشا ؛ يتناسلون حتى اليوم بأشكال ومسميات عدة ..!

 

 

ثالثهما

 

هو وهي ، وكان يحرص دائما على تأكيد حضوره بينهما..!

 


 

بسملة

 

كلما تناهت إلى سمعه في مكان ما ؛ فر ّ برعب مختفيا..!

 

 

لقيط

 

..! همّ بها وهمّت به ، ونتيجة سقوطهما كفّلا به الشارع

 

 

فكرة شيطانية

 

كان لديه أفكاراً جاهزة يقدمها للبشرية عن خبث خاطر ، مع الوقت تسمّت تلك الأفكار باسمه اعترافا بخبثه..!

 


 

توبة

 

طوال تلك السنوات كانت تتمرس الرقص والغناء في الكباريهات ، وحين غادر قلبها ، غادر معه الرقص والغناء والكباريهات..!

 

شيطان أخرس

 

الصمت المطبق من حواليه كان يضاعف من شعوره بالفخر حيال نفسه ، وها هو في كل مرة يسترخي على لسان جديد ..!

 

مرائي

 

كان من عادته أن يوزع الحسنات بيده اليمنى الظاهرة أمام أكبر حشد من الأعيان ، وبعد أن يطمئن إلى رؤيتهم ؛ يعود لاستردادها بيده اليسرى ولكن بخفية ..!


 

هاروت وماروت

 

سرعان ما أعلن ولائه لهما بعد أن عرف الطريق إليهما ، فعرفا بدورهما جيدا كيف يضاعفان من حجم ولائه لهما ،  فوضعوا الدنيا تحت يديه ، فأكل ، وتهندم ، وغدت ثروته تتضاعف يوما بعد يوم ؛ ولكن  حين ألقي القبض عليهما ، ضاعت الدنيا من يديه وعاد إلى حيث كان شحاذا

 

 

باب الشيطان

 

ضاقت الدنيا في عينيه ، كل ما مر ّ من باب أوصد في وجهه ، ولم يملك سوى أن يعرج إلى  طريق آخر ، فرأى بابا مفتوحا أمامه على مصراعيه..

 

شيطان الشعر

 

ظل لأيام وهو يحاول جاهدا أن يجر الفكرة من دماغه جرا ولكنها لا تلين .. راح في اليوم الأول من هذه المجاهدة يشغل موسيقى هادئة ؛ علّه يغريها بالمجيء ، ولكن بقيت ورقته بيضاء لا تشوبها شائبة ، وفي اليوم الذي يليه تجرع كؤوسا من الشراب ؛ ولكن سكرته تلك لم تفلح سوى في إرهاق عقله ، عندئذ استشاط غضبا ، ولم ير نفسه سوى يهم بقراءة كلمات سمعها مرة من ساحر كبير : " زعلق .. زحقل .. أحقل ..." .. لحظتئذ تداعى أمامه شيطان عملاق ، وهو يقول له بصورة آلية : " شبيك لبيك شيطانك بين يديك.."

 

 

ستربيتيز

 

لا تدري ماذا يحدث لها .. ؟! غير أنها في كل ليلة تقطع طريقها إلى درب ملتوي ، هناك حيث جو متلبد بالحرارة ، تنسى جسدها في رقصة مثقلة بالثياب ، لتنتهي كما ولدتها أمها .. بينما روحها يتفرج مع الحاضرين معقود الدهشة..!

 

 

شيطان صغير   

 

في يومه الأول حينما فتح عينيه على الدنيا أطلق ضحكة مهولة زلزلت أرض المشفى إلى نصفين ، وفي يومه الثاني حين وضعت أمه جزءا من جسدها في فمه لم يتوان عن قلعه بهمجية دامية ، وفي يومه الثالث بال على وجه والده حتى عميت إحدى عينيه ، وفي يومه الرابع حمله أخاه الكبير على كتفه فكسر عظمه ، وفي اليوم الخامس عزم أفراد عائلته قذفه في البحر بعد نصيحة أحد مشايخ الدين ، وفي اليوم الذي يليه اندفعت موجات هائلة من البحر فأغرقت المدينة بكل ما فيها

 

 

احتضار 

         

احتضر حبها في قلبه ، حين مات شيطانها فيه..!

 

 


ليلى البلوشي  

الاثنين، 22 أبريل 2013

الموت الرحيم ..!




الموت الرحيم ..!

 

الرؤية / العرب

 

عندما يكبر الإنسان في العمر حد سن الشيخوخة ، فإنه يحتاج إلى عناية واهتمام كبيرين من قبل المحيطين به خاصة من أفراد أسرته ، والمسن تطرأ عليه تغييرات شكلية ويفقد معظم وظائف الحيوية فاعليتها ، ولكن على الصعيد النفسي يكاد يكون أقرب إلى الطفل في أحاسيسه المرهفة ، ومن هنا يجب على من هو قريب منه أن يراعي مشاعره ويهتم بمستوى المزاج اليومي بقدر اهتمامه بمأكله ومشربه ..

في كل بلد هناك أصول وقواعد للعناية بالإنسان المسن ، ففي الصين يقوم الابن الكبير بمسؤولية رعاية والديه الكبار في السن أو إحداهما في حال وفاة أحدهم ، ونتيجة للظروف المعيشية الصعبة لبعض الأبناء فإن عراكا من نوعا ما ينشأ بين الابن الكبير والأم وبقية الأخوة حول مسألة رعايتها وغالبا ما تصل هذه الإشكاليات إلى المحاكم ..!

وفي اليابان حيث يرتفع معدلات كبار السن بشكل هائل ورغم مراكز الرعاية الاجتماعية لهؤلاء المسنين ، فإن العلماء اليابانيون يسعون إلى صناعة الإنسان الآلي الذي يقوم بخدمة الإنسان في كبره خاصة في مجتمع كاليابان حيث ترتفع نسبة المسنين عن نسبة الأطفال بشكل فاغر ، وهذا يعني جيلا من كبار السن سيجد نفسه وحيدا في البيت بلا ابن شاب أو ابنة شابة يعتنون بهم ، ومن هنا اخترع الإنسان الآلي الذي يقومون بتعليمه عبر أجهزة التحكم المتطورة بكيفية رعاية وعناية الإنسان عندما يشيخ ..

بل قاموا باختراع روبوتات آلية صغيرة تتحدث كالإنسان وتتحاور ، وهي معروضة في الأسواق والإنسان الكبير في السن الذي يمكنه خدمة نفسه ولكنه وحيد فإنه يقتني هذا الإنسان الآلي الصغير كرفيق يزجي معه وقته فيقضي على الوحدة الطاغية في حياته على عكس الكلاب والقطط التي لا تتحاور مع الإنسان ..!

أما في أمريكا فإن ميزانيات العناية بمراكز كبار السن ضخمة جدا وتكلف ميزانية الدولة التي تتداعى في زوابع ديونها الضخمة هي الأخرى ، ويرى المسؤولون أن مع السنوات القادمة قد لا يجد المسن العناية والرعاية الكافية نتيجة لمشكلات الاقتصاد الهائلة ..!

لكن ما لفت نظري حقا في مسألة الرعاية بالمسنين ظاهرة " الموت الرحيم " في الهند وهي ظاهرة تلقى قبولا اجتماعيا في بلد الهنود ..!

" الموت الرحيم " حيث تقوم بعض العوائل الهندية الفقيرة منها غالبا بالتخلص من الإنسان المسن طريح الفراش عن طريق دس السم إلى طعامه أو شرابه كي يموت موتا رحيما ..!

وعلى الرغم من الجدل الدائر بشأن الموت الرحيم في الهند، إلا أنه توجد ثلاث مقاطعات في جنوبها ينفذون ذلك بهدوء في منازلهم منذ عقود، أو ربما قرون، وتراجعت هذه الممارسة بعد حدوث ضجة كبيرة على حالة استثنائية عام 2010، وبعد تنامي المعارضة من قبل جماعات حقوق الإنسان من كبار السن ، ولكن حتى الآن تحدث مئات الحالات سنوياً، كما يقول السكان ..!

ويقول رئيس الحماية الاجتماعية في جماعة " ساعدوا الكبار" الهندية - المعنية بكبار السن- " راجشوار ديفاكوندا " : " البعض يسمي ذلك القتل الرحيم، في حين أن آخرين يقولون انه عمليات إبادة " ..!

ولهذا القتل " الرحيم"  أنواع عدة إلا أن الشكل الشائع يحدث كالتالي: عندما يكبر أحد أفراد الأسرة بصورة خطيرة ويصبح من الصعب تحمله، يتم تحديد موعد لقتله، ومن ثم يتم إعطاؤه كمية كبيرة جداً من حليب جوز الهند تؤدي الى موته ..!

ويجري هذا النوع من القتل بصورة تدريجية على من هم في سن الـ50 فما فوق، كما أن الأصغر سناً يمكن استهدافهم بهذا النوع من القتل إذا أصيبوا بأمراض خطرة. ويقول البعض إن هذا النوع من القتل مسألة طبيعية مثل عيد الميلاد أو الزواج ..!

وعلى الرغم من أن أنصار هذا النوع من القتل يقولون إنه يستخدم في الحالات الميؤوس منها، إلا أن القبول الاجتماعي لهذا القتل أدى الى إساءة استخدامه، كما يقول خبراء الرعاية، حيث يقوم افراد الأسرة أحياناً بالتسرع في التخلص من رب الأسرة الطاعن في السن ؛ كي يرثوا العقارات والأراضي التي يملكها بمساعدة طبيب متواطئ معهم ، وفي هذا يقول مدير مؤسسة خاصة برعاية كبار السن : " في أيامنا، ونظراً للطمع في إرث الشخص، يتم قتله لمجرد اصابته بنوبة برد، أو مرض بسيط جداً " ..!

على الرغم من أن وضع المرأة في المجتمع الهندي غير مهم وسيء في معظم الأصعدة ،  فإن الرجال هم أكثر ضحايا الموت الرحيم - حسبما يقول الخبراء- نظراً إلى الأموال والعقارات التي تشكل حافزاً بالنسبة لقتلهم ، إضافة إلى أن زوجة الابن التي تعتني عادة بكبير العائلة ، تشعر بأنها مكرهة على مواصلة القيام بهذا العمل ، وإضافة إلى ذلك فإن البعض يرى أن الرجال يفتقرون إلى مهارات الحفاظ على المنزل كما برر " ديفاراكوندا " : " الرجل العجوز لا يقوى على صنع الشاي لنفسه أو العناية بأحفاده ، في حين أن النساء كبيرات السن لديهن القدرة على العناية بالمنزل ، إنهن مفيدات أكثر من الرجل " ..!

وأحياناً عندما يشعر هؤلاء كبار السن بأنه جاء دورهم يبادرون للهرب ، لكن آخرين يقبلون مصيرهم كما يقول الخبراء، حتى إنهم يطلبون القتل و مستعدون للموت قبل أن يشعرهم المحيطون بهم بأنهم بلا فائدة ..!

ويقول أحد الذين عانوا من أزمتين قلبيتين ، الأمر الذي جعله يشعر بأن ساعته قد اقتربت : " أثق بزوجتي وبأنها لا تفكر بهذه الطريقة، وإذا حاولت أسرتي تنفيذ القتل الرحيم بي فإني سأسألهم لماذا، وإذا لم يجيبوا فإني يمكن أن أنزل عند رغبتهم " ..

في الإسلام وصىّ الله –عزوجل - عباده المسلمين البر بالوالدين خاصة إذا كبر أحدهما أو كلاهما في العمر كما جاء في سورة " الاسراء " : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . }

يدرك المسلمون جيدا أن كل رعاية يوليها الأبناء لآبائهم هي في ميزان الأجر والثواب وتنفيذ لوصية الله تعالى .. بل هي دورة حياة حيث سيقوم أبنائهم برعايتهم حينما يكبرون والدوائر تدور كالرحى ..!

 

ليلى البلوشي

السبت، 20 أبريل 2013

مدرسة الحرية





مدرسة الحرية

 

" مدرسة الحرية " رواية يابانية من تأليف الكاتب الياباني " شيشي بونروكو "  1893 - 1969م وقد اختار الكاتب هذا الاسم الأدبي عوضا عن اسمه الحقيقي " إيواتا تويو " كي تُعرف به معظم أعماله الأدبية ، وكما تقول سيرته الموجزة في مقدمة الرواية بأنه حاز على أعلى جائزة شرف يابانية في نوفمبر 1969م وقد قام بتقديمها له إمبراطور اليابان ..

" مدرسة الحرية " لوهلة اعتقدت بأنني سوف أطالع رواية تجري أحداثها في مدرسة وسوف يسهب الكاتب حديثه عن شخصيات مراهقة ترتدي الزي المدرسي ويسرد علينا مغامراتهم عبر أنفاق الحرية والتحرر ، ولكن الرواية على غير ذلك تماما ، بل العنوان جاء مجازيا ويحتضن في جوفه الكثير من قضايا الحرية ومفاهيمها التي استحدثت في اليابان ما بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية في الخمسينيات من القرن الماضي ، إذ بنى الكاتب روايته على فكرة رئيسة ألا وهي الحرية .. فكما أرادت قوات الاحتلال تحقيق الحرية والمساواة لجميع اليابانيين من خلال دستور جديد صدر 1947م ، أراد بطل الرواية من خلال تركه منزله أن يحرر نفسه من قيود تسلط الزوجة والعمل والنقود ساعيا وراء الحرية وكذلك فعلت زوجته " كوماكو " أثناء غيابه عن المنزل ..

الرواية جاءت مرتبة بفصول وتحت كل فصل عنوان يضفي الكثير على الأحداث ، يأتي في مطلع الرواية الفصل الأول تحت عنوان " اخرج !" .. ومن خلال هذه الكلمة التي تطلقها الزوجة الحانقة " كوماكو " على زوجها البليد " ايوسوكو " تبدأ حكايته مع الحرية والانطلاق في أكثر مدن اليابان غرابة ووحشية من العوز والفساد والجنس وما إلى ذلك ..

ومن اللفظة عينها أيضا يبدأ سجل جديد لمفهوم الحرية عند " كوماكو " التي تجد نفسها في حالة من الاضطراب والوحدة ، ولعل الوحدة هي ما تجعلها تستأنس وجود ثلاث رجال يحومون حول نيل قلبها ولكنها تظل مضطربة حيال غياب الزوج الذي يقبع في ذاكرتها في كل يوم غياب ، فتسعى باحثة عنه بحذر عبر أصدقائه والمقربين ، وحين يتمكن منها اليأس وتتقلص آمالها في عودته تذهب مضطرة إلى خال زوجها " هنيدا " لتستعين به في مهمة البحث ..

برز الكاتب عدة قضايا تتعلق بالحرية عبر هذه الرواية على صعيد مكانة المرأة خاصة ، سنوات الحرب والهزيمة التي منيت بها اليابان بأكملها ثمة شرخ آخر خيّب نساء اليابان ؛ ففي أثناء الحرب أصبن معظمهن بخيبة أمل من أزواجهن الذين كانوا مثالا للرتابة وعدم تحمل المسؤوليات في حين هن وكما يروي الكاتب : " كانت أولئك النسوة من استبدلن الأثواب الفضفاضة بسراويل العمل العريضة ، وهن اللواتي وقفن في طوابير لأجل الحصول على المؤن واندفعن مسرعات كي يلقين بصفائح الماء عندما تشتعل النيران ، ووقفن منحنيات في قطارات تملؤها أكوام الأطعمة التي اشترينها من الريف لإطعام أسرهن في المدينة ، وهن اللواتي نظفن مراحيض الثكنات .."

فالمرأة اليابانية التي تعودت الاعتماد على الرجل وكانت هي مجرد - ربة منزل - تنتظر هبات الزوج أدركت وعبر مساعيها الشخصية خلال الحرب أنهن يستطعن الاعتماد على أنفسهن بل لقد كان اهتمام نساء اليابانيات بأنفسهن " ثورة " ومن هنا أدركن بحقهن في الحرية وبتعبير الكاتب " الحرية ... شكلت صرختهن في الحرب " ..!

جاءت شخصية " كوماكو " في الرواية تجسد منتصف ما بين جيلين ، جيل ما قبل الحرب وما بعد الحرب ، بينما شخصية " يوري " وهي فتاة في الثامنة عشرة من عمرها مثال على الفتاة اليابانية التي حررتها الحرب وأباحت لها أمورا ما كانت ترضاها المرأة اليابانية لنفسها وما كانت تمر مرورا عابرا على الصعيد الاجتماعي لليابان ..

وفي الرواية بعض وقفات مقارنة تثيرها فكر " كوماكو " عن نمط شخصية المتحررة لـ" يوري " كعلاقتها بخطيبها وتدخينها وطرق ارتدائها لملابسها .. كما جاء في أحد المقاطع يحكي عن موقف خطيب يوري منها : " بينما هو لحق بها مسرعا وهو يحمل بيده ما يشبه العلبة الثقيلة ، راح يذكر بحال المرأة في عهد الإقطاع التي كانت تسير خطوات خلف زوجها ، لقد كان المنظر يشبه إلى حد ما منظرا هزليا .." ..

أما حرية " إيوسوكي " فجاءت أكثر فجاجة وأعمق تأثيرا على مستوى التلقي ، ففي اليوم الأول لـــ" إيوسوكي" يتسكع لا مباليا عبر شوارع كان قد عرفها سابقا ، ولكن متعة اكتشافها بعد خروجه من منزل الزوجية غدت لها لذة أخرى يرافقها تبديد المال على مسارح معظمها تستعرض نساء عاريات لم تلفت نظر " إيوسوكي " سوى وسيلة لتزجية الوقت ..!

لكن حياة " إيوسوكي " تتغير عبر صدفة مقابلته لعجوز جامع النفايات ، ومن خلاله يعاقر المهنة عينها جامع للنفايات يحصل من خلالها على مال يبدده لشراء الطعام ، ومن ثم يرافقه إلى بيئة وحياة أخرى يشهدها أناس يقطنون تحت الجسر ، في تلك المنطقة يتعرف " إيوسوكي " على وجه اليابان الحقيقي ووجوه الحرية المختلفة حينما يجد نفسه صديقا لرجل غريب الأطوار يقطن في الطرق المحاذية تلك الجسور يدعى " كينجي " الذي يقدم الوجه الآخر للحرية والتحرر في اليابان لصديقه ويبدو ضيقه واضحا للحال الذي آل إليه اليابان بعد الحرب ، فيأخذه في جولات إلى أكثر شوارع طوكيو ممارسة للفحش والرذيلة بأنواعها المختلفة كـالشذوذ والجنس الثالث وعاهرات مسعرات ..

والذي سرعان ما يثق بـ" إيوسوكي " فيعرض عليه عملا يجني من وراءها أموالا طائلة دون أن يفعل شيئا سوى الارتداء أفخم الملابس واعتبار نفسه شخصية مهمة في المجتمع ، يندهش " إيوسوكي " ويوافق على مضض بعد أن يخبره " كينجي " الهدف من وراء ممارسة تلك الأعمال هي رفع من مستوى الدخل القومي لليابان ولكن الحقيقة تنفقع حينما تطارد المجموعة ..

إنها رواية تحفل بالكثير ، وكما سيجس القارئ حين يتعّرف على سيرة كاتب الرواية أن ثمة خيوط تكاد تتواصل مع حياة الكاتب وشخصياته فـ" إيوسوكي " في الرواية هو رجل لا يحب العمل ويفضل في نهاية الرواية كوجه آخر للحرية التي فرضها المجتمع المتناقض أن يبقى في البيت مديرا شؤون الطبخ والغسيل ، بينما تتولى زوجته " كوماكو " توفير المال من خلال عملها خارج البيت .. وهذا يتوافق مع شخصية كاتبنا في بداية حياته كمؤلف حيث لم يكن له مورد للمال سوى زوجته التي كانت تقوم بإعطاء دروس خصوصية في اللغة الفرنسية .. وهذه الزوجة بدورها تتعرض لمرض عضال ويسافر بها إلى باريس حيث تكون في رعاية والديها هناك ، وفي الرواية نجد تجسيدا لهذا المعنى عند شخصية " السيد هنمي " الذي تكون زوجته في الرواية مريضة في رعاية أهلها ..

كانت رواية " مدرسة الحرية " .. كما يشير غلافها الخلفي الرواية الأكثر مبيعا في الخمسينيات من القرن الماضي ، وقد اختيرت ضمن البرنامج الياباني للنشر والدعاية الأدبية ؛ لأنها تمثل أحد نماذج الهزل الراقي في الأدب الياباني الحديث ..

 

ليلى البلوشي

الاثنين، 15 أبريل 2013

تصيين العالم ..!


 
 
تصيين العالم  ..!

 

الرؤية / العرب

 

أصبحت " الصين " من الدول التي تجذب أنظار العالم نحوها وبقوة تعادل قوة اقتصادها العملاق الذي غدا هو بحد ذاته بؤرة اهتمام كثير من الباحثين في مجالات شتى على رأسها بتأكيد - المجال الاقتصادي - في وقت الذي فيه - العالم الأمريكي - غارق حتى أذنيه في الديون بينما الأوروبي متأرجح في اقتصادياته ..!

صدر من وقت قريب كتاب يدعى " قرن الصين .. كيف أعادت بكين رسم العالم على صورتها " للمؤلفان " هربرتو آرخو"  و" خوان بابلو كاردنل " الذين حاولا فيه باعتبارهما مستقرين في الصين نفسها ، تقديم رؤية دقيقة لخلفيات نموها الاقتصادي ، وقدرتها غير العادية على الانتشار التجاري ، وغزو الأسواق ، وتحويل ميزات عصر العولمة كلها إلى دوافع وروافع لماكينة التصدير الصينية عبر القارات الخمس ، وينطلق الكاتبان في عملهما الاستطلاعي من تتبع مستويات حضور الصين والصينيين خاصة في الدول النامية ضمن ما يسميانه جعل العالم كله صينيا أو " تصيين العالم " إن صح التعبير..

ومن خلال عملهما الاستقصائي المُركز على دور الدياسبورا الصينية في الخارج يقول الكاتبان إنهما سافرا طيلة عامين متتابعين إلى بلدان العالم التي يلعب فيها حضور المهاجرين الصينيين دورا كبيرا في النسيج الاقتصادي ، وقد شملت خمسة وعشرين بلدا ناميا من مختلف القارات ، وهذا ما سمح لهما بتسجيل خمسمائة شهادة من قبل صينيي الدياسبورا الذين "غادروا بلادهم مع أنها اليوم بمثابة ورشة العالم ولكن، لكي يحولوا كله إلى ورشة"! ولذلك نلحظهم في كل مكان يمكن تخيله من قطاع تجارة الأقمشة في مصر إلى استغلال ثروات البترول في آسيا الوسطى والسودان، مرورا بمناجم المعادن في بورما والبيرو ، وفي كل تلك البلدان يسير الفاعلون الخواص الصينيون جنبا إلى جنب مع توسع أنشطة القطاع العام الاستثماري والتجاري التابع لبلادهم الأم " و حين يتجرع الغرب مرارة تداعيات الأزمة المالية الأخيرة تستفيد الصين من الشلل الغربي لكي تزيد كثافة حضورها التجاري والاستثماري على أوسع نطاق، مع تركيز خاص على الدول البازغة، التي تعرف بكين كيف تتعامل معها من خلال خطاب مناهض للاستعمار والأحادية القطبية وبدبلوماسية مرنة ، ترفع شعارات عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، وكلها هذه شعارات تلقى عادة قبولا وارتياحا في الدول البازغة والنامية ..

ظاهرة " تصيين العالم " اليوم تدفعنا إلى الرجوع إلى الوراء لمعرفة أسباب القوة الصينية وتزعمها ، وقد رصد كتاب " اختلال العالم " لمؤلفه " أمين معلوف " بعض جوانب هذه القوة وهذا النهوض الاقتصادي الذي صدم بدوره الدول الغربية ، فمع انتهاء الحرب الباردة بدا أن أعلوية الدول الغربية ارتقت إلى مستوى جديد فقد برهن نظامها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في الحال عن تفوقه وراح بعضهم يتحدث عن " نهاية التاريخ " ، لأن العالم بكامله يزمع أن يذوب سلميا في قالب الغرب الظافر ولكن على ما يبدو أن انتصار النموذج الغربي في الميدان الاقتصادي وياللمفارقة أدى إلى إضعاف هذا الغرب ..!

فقد انطلقت قوتان لم تكونا في الحسبان هما " الصين " و " الهند " بسرعة وقوة وفي الوقت نفسه بصمت بلا ضجة إعلامية هائلة ، بعد أن انعتقت من نير الاقتصاد الموجه حصلت ثورتان هادئتان ودون ضجيج على يد شخصيات مختلفة ولكنها ماضية الآن في تعديل توازنات العالم بشكل مديد ..

" النموذج الصيني " بدأ نهوضه الحقيقي في العام 1978م بعد مرور سنتين على وفاة " ماو تسي تونغ " انتقل الحكم إلى رجل قصير القامة في الرابعة والسبعين من عمره كان نجا بأعجوبة من حملات تطهير الثورة الثقافية التي تفشت وبشكل كبير عهد " ماو تسي تونغ " ، وهذا الرجل كان يدعى " دنغ كسياو بنغ " بادر بأمرين مهمين وكان لهما عميق التأثير على الاقتصاد والنهوض الصيني ، تلخص الأمر الأول في توزيع أراض كانت ملكية جماعية على بعض الفلاحين وسمح لهؤلاء بأن يبيعوا قسما من غلاتهم ، وجاءت النتيجة مثبتة لصوابية هذا التدبير ، فقد ازداد الانتاج مقدار الضعف أو الضعفين أو الثلاثة أو الأربعة حسب القرى ..

ثم خطى الزعيم الصيني خطوة ثانية فقرر أن من حق الفلاحين بعد الآن تقرير ما يريدون أن يزرعوا بعد أن كان هذا القرار يعود إلى السلطات المحلية وازداد الانتاج مجددا ، هكذا ابتدأ كل شيء بلمسة صغيرة دون إعلانات مدوية ودون حشود جماهيرية وأخذ النظام السابق غير المنتج يتلاشى تدريجيا ولكن بسرعة الضوء حسبما تعبير " أمين معلوف " ..

اليوم حين يتم الحديث عن الصين يخيل لنا أننا نتصفح كتاب أرقام قياسية من ذلك عدد ناطحات السحاب في شانغهاي كان خمسا في سنة 1988م ثم ارتفع بعد ذلك إلى حوالي خمسة آلاف بعد عشرين سنة أي ما يعادل نيويورك ولوس أنجيليس معا ..

إلا أن هناك ظاهرات لا تتوقف على العملقة بل كان من شأن هذه أن تجعلها أكثر مشقة كنمو الانتاج الداخلي الخام هذا الذي ظل ثلاثين سنة يدور حول العشرة بالمئة وسطيا ما أتاح للاقتصاد الصيني أن يتجاوز على التوالي مستوى فرنسا وانكلترا ثم ألمانيا منذ العقد الأول في القرن الواحد والعشرين ..

أكثر خطى إثارة للحماسة في التاريخ أن الصين كانت من البلدان الأكثر سكانا في ما يسمى بالعالم الثالث ، أخذت تخرج من التخلف والتي كان ينظر إليها وكل صيني عامل في أمريكا وأوروبا أنهم غير مبتكرين وغير جديرين بالإنجازات المميزة ، ولكن ما أثبتته " الصين " والشغيلة الصينية غير ذلك تماما وتجاوزوا التصورات الغربية عنهم ، ولهذا ليس من الغريب أن تتخوف هذه الدول الغربية عينها من هذا الصعود الصيني الهائل كمزاحم مخيف وربما كعدو محتمل ..!

" تصيين العالم " : هل ستفلح " بكين " في بسط سيطرتها وعالميتها على العالم القادم ..؟ هل " الصين " قادرة فعلا على أن تكون قوى عظمى كـــ" أمريكا " التي تتهاوى اقتصاديا ..؟!

طرح الصحفي " سمير عطا الله " في عمود له حديثا حول " الصين " ذهب فيه أن الصين غير مؤهلة في المدى المنظور لقيادة العالم وحلول محل ولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وتبريره المقنع ما سطره في ثلاث أسباب ؛ وأولى تلك الأسباب هي صعوبة عبور الحضارة الصينية إلى الآخر وصعوبة عبور الآخر إلى الحضارة الصينية وثقافتها بسبب اللغة ، وهذا أمر استوعبه الهنود مبكرا وتجاوزوه بالإبقاء على لغة مستعمرهم الإنجليزي كلغة مع الآخر وكوسيلة تواصل أيضا ما بين شعوبهم المختلفة ثقافة وأثنية وديانة ، الشيء نفسه فعلته سنغافورة بعيد استقلالها عن بريطانيا في عام 1959م وذلك حينما أبقت الانجليزية لغة رسمية للبلاد وعامل وصل بين قومياتها وثقافتها المحلية ، والعامل الثاني لعدم تأهيل " الصين " للصدارة هو انتشار الفساد وضعف المحاسبة الفاسدين فيها بسبب نظامها الشمولي غير التعددي ، أما العامل الثالث فهو صعوبة تدشين نظام ليبرالي تعددي ذلك تفكك البلاد إذ اعتاد الصينيون منذ خمسة آلاف سنة على حكم رجل الفرد ..!

ورأي " سمير عطا الله " لا يختلف عن رأي مؤلفي كتاب " قرن الصين .. كيف أعادت بكين رسم العالم على صورتها " ففي نهاية الكتاب يرى المؤلفان أنه على الرغم من أن العالم اليوم أصبح يعيش على وقع اللحظة الصينية - بكل معنى الكلمة -  فالصين هي مصرفي العالم اليوم! وهي ورشته! ..

وعلى رغم كونها بلدا ملياريا كثيف السكان واسع الاستهلاك، فقد عرفت كيف تتدبر أمورها، وكيف تدخر فوائض مالية هائلة هي التي جعلتها على رأس مقرضي ودائني الاقتصادات الغربية والنامية على حد سواء ، غير أنهما يعتقدان هنا تحديدا أن الشعب الصيني مثلما أن انتشاره في العالم يمثل رافعة موازية ومساعدة لقصة صعود بلاده ، هو أيضا من يدفع ثمن تطلعاتها الدولية من خلال محدودية الاستهلاك ، وترشيد الإنفاق العمومي ، ومع أن بلوغها عتبة القوة العظمى وتحقق أحلامها الدولية الكبيرة بات مرجحا بل في حكم المؤكد ، إلا أنها أيضا لن تكون قوة عظمى على شاكلة القوى الغربية ، بل سيكون عالم القرن الصيني مختلفا لاختلاف النمطين والثقافيتين إلى حد بعيد ..!

 

ليلى البلوشي