قيادة السيارة : ليس من اختصاص النساء ..!
الرؤية / العرب
تقول الروائية التشيلية " إيزابيل الليندي " : " التغيير الحقيقي يحتاج إلى قوة نسائية في إدارة العالم " ..!
النساء وحقوقهن في عالم ذكوري : ما لونها . ما شكلها . ما طعمها . ما رائحتها ..؟
سأحكي لكم قصة كفاح امرأة في زمن أوروبي ، حيث كانت المرأة في ذاك الزمن الغارق في مستنقعات الجهل والتخلف ما هي سوى قطعة أثاث ، سلعة للمتعة ولإنجاب الأطفال فقط ..!
ولكن هناك نماذج من نساء لم يخضعن للمجتمع البطريركي ، بل نبذن فكرة أن يكن مجرد أدوات إنجاب وحبيسات أربع جدران بينما ثمة رجل يسلبهن حقوقهن ، رجل يشاركنه الحق في الحياة ، رجل يعملن معه جنبا إلى جنب في الزراعة والصناعات اليدوية ويديرون شؤون المنزل ورعاية الأطفال ويتدبرون سبل العيش الكريم في المجتمع الذي ينبذهم ، وكل ذلك بأجر بخس وغالبا بلا أجر ، وبلا حقوق ، وقائمة طويلة من واجبات فرضت عليهن عنوة ..!
من ضمن قافلة النساء المكافحات ، الذكيات ، امرأة تدعى " صوفي جيرمان " هذه المرأة كانت تعشقن الرياضيات ، وعشقها الفطري للعمليات الحسابية دفعها إلى تعلم القراءة ، في زمن كان تعليم البنات فيه عارا ، تعلمت صوفي قراءة لغة الأرقام وفي الليل كانت تحلم بأرخميدس ..!
ولكن عندما عرف والدها بذلك ، منعها قائلا : هذا ليس من اختصاص النساء ..!
وعندما أسست الثورة الفرنسية المعهد البوليتيكنيكي كان عمر " صوفي جيرمان " ثمانية عشر عاما ، أرادت دخول المعهد ، فأغلقوا الأبواب في وجهها قائلين لها بقسوة : ليس من اختصاص النساء ..!
وحين رفضت مساعيها الجادة للانضمام إلى معهد يحكمه رجال عقولهم متحجرة ؛ لم تجد بدا من مراسلتهم عبر البريد ، فقد كانت ترسل أعمالها بالبريد إلى البروفيسور كان يدعى " ليغران " ولكن ليس باسمها الحقيقي بل باسم مستعار ذكوري ، حجبت أنوثتها تحت اسم رجل " أنطوان أغوست " ؛ كي تتخلص من عبارتهم التي تطاردها في كل مرة بجفاء مرير : ليس من اختصاص النساء ..!
ظلت المرأة المكافحة " صوفي جيرمان " وباسم ذكوري مستعار تراسل المعهد البوليتيكنيكي والفيلسوف المسؤول حوالي عشر سنوات ، وبعد هذه السنوات الطوال اكتشف البروفيسور أن الرجل الذي يراسله المدعو " أنطوان أغوست " هي نفسها " صوفي جيرمان " ..!
منذ ذلك حين صارت " صوفي جيرمان " هي المرأة الوحيدة في أولمب العلم الأوروبية في علم الرياضيات ، تعمقت نظرياتها ومجال دراساتها بعد ذلك في عوالم الفيزياء ، حيث طورت دراسة السطوح المرنة ، بعد قرن من ذلك ساهمت إضافاتها في بناء برج إيفل فضلا عن إنجازات أخرى ، ولأنها في عالم ذكوري محض ومستعبد ، وأناني ، نقشت على البرج أسماء عدد من العلماء الذكور ، ولكن اسم " صوفي جيرمان " أسقط عمدا وظلما ..!
وفوق هذا في شهادة وفاتها الذي صادف عام 1831م ، كتبت أنها ذات دخل وخجلوا من كتابة أنها " عالمة " وصاحبة إنجازات في علوم الرياضيات والفيزياء ، وظل شبح عبارة " هذا ليس من اختصاص النساء " يحوم حولها حتى بعد وفاتها رغم إبداعاتها المتميزة والجريئة كامرأة في زمن الكفاح وهضم الحقوق ..!
حكاية " صوفيا جيرمان " كانت في أعوام التخلف عام 1831م ، حيث كن النساء لا شيء غالبا ، لكننا اليوم في عام 2013م .. ولو تأملنا قليلا في عوالم نساء العرب ، بالأخص الخليجية منها ، بالأدق السعودية ؛ فتصوروا أننا في هذا الزمن من عام 2013 م والعالم السعودي قضيته الأولى اليوم ، القضية التي أحدثت جلبة عالمية وصخبا هي " قيادة المرأة السعودية للسيارة " أين أنت يا " صوفيا جيرمان " ..؟!
ما فعلته " صوفيا جيرمان " عام 1831م هو الفعل نفسه سلكته بشكل مختلف فتاة سعودية في زمننا هذا ؛ اضطرت نتيجة لفقر أسرتها ومرض والدها العائل الوحيد في العائلة إلى أن تسوق السيارة التي يملكها الأب ، تسوقها لنقل الراكبين وهي متخفية في ملابس رجال ، مع حرصها طبعا على إخفاء ملامح وجهها الأنثوي بلثام والمسكينة ، هذه المرأة المكافحة في مجتمع ذكوري ، كُشفت حين شوهدت أصابعها مخضبة بالحناء ..!
يحدث هذا في السعودية في عام 2013م ... يحدث هذا وغيرها من الحكايات الغريبة والمدهشة والمريرة ، وأسبابها الصوت الذكوري المستبد نفسه : هذا ليس من اختصاص النساء ..!
رغم أنهن أثبتن بجدارة عبر مواقف الحياة كافة بأنهن جديرات لتحمل عبء العالم والأوجاع والدمار الذي خلّفه الرجال ؛ هؤلاء الرجال حكموا العالم ، فانظروا شكل الفساد الذي نراه ، ولون الدم الذي يكبس على روح الحياة ..؟!
سأضم صوتي لصوت الروائية التشيلية " إيزابيل الليندي " حين صرحت في وسط قاعة مزدحمة بصوت صارم ورافض : " أنا سئمت من السلطة التي يملكها فئة قليلة من الناس على الأكثرية من خلال الجنس والدخل والعرق وحتى الطبقة " ..!
أنا أيضا سئمت ، وكثيرات يعانين من السآمة نفسها ..!
ليلى البلوشي