الثلاثاء، 23 يوليو 2013

في سيرة الدراجات الهوائية السيئة السمعة ..!


 
 
في سيرة الدراجات الهوائية السيئة السمعة ..!

 

الرؤية / العرب ..

 

" لا يمكن أن تكتسب الحرية إلا عن طريق التعليم " ..

-       فريدريش شيلر –

***

ثمة دول تصنع التحضر وتحرص عليه بجلّ ما تملك من فكر وقوة وهمّة ؛ لأنها ترغب في أن تلاحق ركب الحياة المتطورة دون أن يعكر صفو التحاقها بعجلة النماء أي إعاقة أو فكر متخلف ، وهذه الدول الحريصة على ازدهارها تعلم جيدا أن أولى خطوات تغيير العالم يبدأ من الذات .. النفس الإنسانية وهي حكمة وظفها وذكرها الله عزوجل في كتابه المقدس في سورة الرعد " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ "  ..

والذات الإنسانية المتغيرة عادة ما تتأثر بالبيئة المحيطة بها ، فالمجتمع الجيد يخلف جيلا جيدا والمجتمع السيء غالبا ما يخلف جيلا ضائعا وتائها ولا يستدل على طرق التي تكفل له النجاح ؛ لأن مقياس القدوة و الثقة متضائلان أو غير موجودان في كثير من الأحيان ، والأهم أن معظم الدول التي بدأت حقا في صناعة تغييرها وإحراز مكانة هائلة لها في مركز العالم هي دول بدأت بتغيير ذاتها من منظومة التعليم ؛ لأنها تعي جيدا أن التعليم الجيد هو الذي يخرّج جيلا مسؤولا يتولى بناء الدولة ونمائها ، ولعل كلنا يذكر كيف أن اليابان والألمان استطاعتا رغم آثار الحرب العالمية الفظيعة التي دمرتهما إلى أن تنهضا في فترة قياسية مدهشة ، فكلا الدولتين انطلقتا من التعليم ، ومن ينس صورة معلم الياباني الذي وقف أمام تلاميذه والأنقاض تحيط بهما في كل حدب و صوب ؛ فتلك الأنقاض المدمرة هي من كانت وراء الدافع الحقيقي والتحدي العميق لذلك الجيل إلى تحمل المسؤولية وإرادة النجاح أمام مجتمع مدمر يحتاج عقولهم الواعية قبل سواعدهم للنهوض به من الأنقاض ، وهذا ما حصل فعلا فبعد أعوام قليلة استعادت اليابان عافيتها باقتدار عظيم يشهد له العالم الأجمع ..!

بينما ثمة دول وممالك كانت في قمة الهرم العالمي في تاريخها الغابر ، ولكن جبروتها وانشغالها بمتاع وترف الدنيا السطحية بعيدا عن تعميق جذور التعليم والتعّلم في فكر أجيالها ، جعلها ذلك في أسفل الهرم العالمي ، تعاني اليوم من الجهل والأمية والتخلف ، والطامة الكبرى هي أنها في مستنقع الفساد نفسه ولا تحمل على كاهلها رغبة التغيير أو دفع عجلة التطور والنماء الوطني نحو مستقبل مزهر لأجيالها الذين ضاعوا في وسط مجتمعات ينقصها التعقيم الصحي والاجتماعي والروحي قبل كل شيء ..!

قامت اليونسكو بنشر وثيقة جديدة من وثائق تقريرها العالمي لرصد التعليم للجميع وتوصلت إلى أن نصف الأطفال غير الملتحقين بالمدارس والبالغ عددهم 57 مليوناً يعيشون في البلدان المتأثرة بالنزاعات ، ونُشرت هذه الوثيقة بالتعاون مع منظمة إنقاذ الطفولة في إطار الاحتفال في 12 تموز/يوليو بالذكرى السادسة عشرة لميلاد " ملاله يوسف " وهي التلميذة الباكستانية التي أطلقت عليها حركة طالبان النار أثناء رجوعها من المدرسة إلى البيت في تشرين الأول/أكتوبر 2012م ، وتبيّن هذه الوثيقة ضرورة اتخاذ إجراء عاجل لتوفير التعليم للأطفال الذين بلغوا سن الالتحاق بالمدارس الابتدائية ولم يلتحقوا بها، وعددهم 28.5 مليون في مناطق النزاع في العالم ..!

وتظهر الوثيقة الصادرة بعنوان " يحارب الأطفال للالتحاق بالمدرسة " أن 44٪ من الأطفال المتضررين من النزاعات البالغ عددهم 28.5 مليون يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى و19٪ منهم يعيشون في جنوب وغرب آسيا و14٪ منهم يعيشون في الدول العربية..!

وتمثل فيه الفتيات نسبة 55% من إجمالي الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، فهن الأكثر تأثراً إذ يتعرضن غالباً للاغتصاب وسائر أعمال العنف الجنسي التي ترافق النزاعات المسلحة..!

وهناك قليل من الدول في قارة آسيا أدركوا أهمية التعليم خاصة للفتيات ؛ فدولة كالهند وقبل أن تصدر وثيقة اليونسكو العالمي عن التعليم ، قامت بخطوة غاية في المسؤولية والروعة في الآن معا ، وهذه الخطوة المسؤولة خصصتها للفتيات ؛ فهن أكثر المتغيبات عن مقاعد الدراسة خاصة في المناطق الريفية حيث تحتاج الأسر الفقيرة لأيدي عاملة فتيات في أعمالهن ، فولاية كولاية بيهار الهندية واحدة من أكثر الولايات الهندية فقرا وأمية ، وخاصة بين صفوف النساء واللاتي كانت الأمية بينهن تصل إلى 53% أكثر بحوالي 20 % من النسبة بين الرجال ..!

وقبل خمس سنوات اتخذت سلطات الولاية قرارا ظنه البعض لن يأتي بنتيجة ، حيث وعدت الفتيات اللاتي لا يتركن المدرسة ويواصلن الدراسة بأن تقدم لكل منهن دراجة هوائية مجانية كوسيلة انتقال من المنزل إلى المدرسة .. وماذا كانت النتيجة الآن ..؟!

عدد الفتيات اللاتي سجلن أسماؤهن لفرص اختبار الثانوية المؤهل لدخول الجامعة قفز من 175 ألفا إلى 600 ألف طالبة ..!

عدد هائل يؤكد نجاح الخطوة الرائعة والفكرة المبدعة التي اتخذتها تلك الجهات المسؤولة عن التعليم لإخراج الفتيات من وكر الأمية والتخلف والجهل ..!

يا ترى ، كم دولة من الدول التي نشرت عنهم تقارير التعليم الدولية عن مستواها المتراجع بل الهابط كانت حريصة فعلا على تخريج جيل متعلم وحر بعيدا عن استغلال أطفالها ، ومن الجنسين في صراعات نزاعاتهم الغبية والموبوءة بالنصب والاحتيال والجشع والفساد والاتجار بهم ..؟!

 وكم منهم آمن حقا بعبارة زعيم الحرية و الإنسان " نيلسون مانديلا " حين قال : " التعليم هو أقوى سلاح يمكن به تغيير العالم " ..؟! وهناك دول تسعى وبكل طاقة ثرواتها إلى مراكمة الأسلحة الثقيلة وبالمليارات بينما شعوبهم تكاد تموت من الفاقة والجهل والمرض ..! ودول أخرى تسكب ملياراتها الفائضة على أنواع الأسلحة الثقيلة وشعوبها مترفة وفارغة من حس التطور والنماء الإنساني ؛ لأن مستوى التعليم متدن جدا ولا يجاري تطور العصر فكريا قبل كل شيء ..؟!

وبمجرد إلقاء نظرة على حال الأطفال في معظم دول أفريقيا ، وبعض دول العالم العربي ، ندرك مدى حجم التخلف السائد ، وندرك في الوقت نفسه مرارة هذا التخلف وأسبابه طالما التعليم ليس من أولويات تلك الدول ، وطالما التعليم يتخذ منهجا خاضعا لسلطات غير مسؤولية وغير واعية لدور الجيل المتعلم في نهضة الدول ، بل إنها حين تكف عن تخريج عمال للسلطة وتحت خدمتها على مبدأ السمع والطاعة العمياء ، وتبدأ فعليا في تخريج مفكرين وعلماء وسواعد همّها الوطن وتنشئته بعيدا عن مصالح السياسية العليا ، فإن لون المستقبل وشكله ورائحته سوف يكون مختلفا .. مختلفا تماما..!

يا ترى ماذا يمكن أن نقول عن بعض تلك الدول المتخلفة والتي حتى نظرتها إلى " الدراجة الهوائية " مبطنة بسوء الظن ؛ فدولة كالهند فلحت في إغراء الفتيات لتحصيل العلم عن طريق توزيع دراجات هوائية مجانية ، وهي وسيلة مفيدة بحد ذاتها لهن تقوم بنقلهن من البيت إلى المدرسة ، وهو أسلوب ينمي فيهن الثقة والاعتماد على النفس والشعور العميق بالمسؤولية ، بينما في دول أخرى ممكن جدا أن يكون لها موقفها المرفوض و- المبطن بالشك - كما وصفنا سابقا من اتخاذ الهند هذه الوسيلة لتحفيز الفتيات ؛ لأن ثقافة الدراجات الهوائية سيئة السمعة في ديارهم وخاصة إذا ربط اسمها بالفتيات ..!

صدقوني إذا استطعنا كأفراد في المجتمع وكقبائل في تجاوز أزمة الدراجات الهوائية السيئة السمعة ، فسنتجاوز عن تراكمات هائلة من التخلف ، الطافية كندوب على وجوه أوطاننا ..!

والدراجة الهوائية مجرد مثال عمل ضجة هائلة في عدة مجتمعات خليجية وعربية على حد سواء ونحن في ألفية قرن الحادي والعشرين ..!

والتغيير خطوة ، لكنها خطوة شجاعة قل ّ من يتحمّلها ..!
 
ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق