الاثنين، 30 يوليو 2012

اعتقلوا " جوجل " ..!




اعتقلوا " جوجل " ..!



جريدة الرؤية العمانية ..



سأبدأ مقالتي هذه المرة بعرض حكايات طريفة نستقي منها الحِكم والعِبر.. مع الإشارة أن فضاء المكاني الذي احتوى هذه الحكايات واحد ويديره عسس ومحققين وقضاة ..

تقول الحكاية الأولى أن رجلا اقتيد إلى المحكمة في تهمة لها شأن بالنشر الإلكتروني .. ولما امتثل أمام القضاء ألقى القاضي على مسامعه تهمه الساقطة عليه مما جعل الرجل ينافح عن نفسه في كلمة واحدة مجلجلة مختزلة التهمة كلها قائلا بثّقة : لكني يا سيدي القاضي كنت " أغرّد " فقط ..!

فاندهش قاضي المحكمة وهو يردد حيرته في الكلمة التي قذف بها الرجل على مسامعه : " أغرّد " .. " أغّرد " .. ما معنى " أغرّد " يا رجل .. كيف يعني " أغرّد " ..؟!

وكان على الرجل الماثل أمام القضاء أن يحكي للقاضي " المسكين " الذي لم يسبق له أن " غرّد " قط حكاية " التغرّيد " ..!

وقيل أن امرأة اقتيدت إلى قسم العسس بتهمة نشر مقالة .. فسألها أحد المحققين بحنّق : لماذا قمت بنشر مقالة مُغرضةً تفوح برائحة الوعي ..؟!

هالت المرأة من التهمة التي نسبت إليها وهي ليست بكاتبة أو شاعرة إنما مجرد قارئة ؛ فردت على المحقق موّضحة حقّها بجسارة : أنا لم اكتب المقالة ولكني عملت لها (share) فقط ..!

فتلعثم المحقق ونفخ صدره بعصبية ويقول لها : ومن هذه " شير " .. ما أصلها وما فصلها ؟!

فردت المرأة على استنفار المحقق الذي جهّز الكلبشات لإعتقال " شير " قائلة : (share) تعني مشاركة يا سيادة المحقق ..!

حكاية هذه المرأة لا تختلف في تفاصيلها عن حكاية رجل ربض متهما في أحد أقسام التحقيق بتهمة نقره على زر like) ( ..!

ولعل أكثر الحكايات طرافة وأشهرها في ذاك الفضاء البوليسي هي حكاية ( جوجل ) فالرجل الذي جُرّ متهما للتمثيل أمام المحققين كي يذود عن نفسه ابتدأ الحكاية من أولها عن ( جوجل ) ليعبر خلالها إلى آفاق التواصل الإجتماعي والإنساني والتعامل التقني .. وبعدما أدرك أحد المحققين بلاوي (جوجل ) وعبقريته وحدة ذكائه كبرنامج تقني يشرع حتى أدق تفاصيل الكون للجميع بلا استثناء ؛ استشاط  نتيجة لذلك غضبا هائلا وأسقط شرارة هيجانه على الرجل الذي قدّم لهم معلومات عامة عن (جوجل) مهدداً ومتوعداً : سأغلق جوجل .. سأعتقله..؟!

عادة تميل النفس الإنسانية نحو كل ما هو طريف خاصة ما يتعلق بالحكايات ونستمتع بمغزاها حين تكون ذات طابع أسطوري خيالي .. ولكن أن تكون الحكاية طريفة وفي الوقت عينه واقعية ؛ فهنا المتعة لا يكون لها محل من الإعراب سوى في نفس العبيط ..! لكن مغزاها وأبعادها العميقة تخلّف شرخا صادما في فكر الإنسان خاصة إذا ما كان حُرّاً ومسؤولاً ..!

فما سبق هي حكايات واقعية ليس المهم المكان ولا السقف الفضائي الذي تداول فيه بقدر أهمية أن ندرك أن هناك وفي هذا الزمن الحديث والمتعولم والسابق لنفسه قضاة ومحققون لا يعرفون شيئا البتة عن عوالم التكنولوجيا ودهاليزها .. وهم من يقوم بالتحقيق .. وهم من يقوم بتوجيه التهم .. هم ومن يقوم بالحكم على المتهم أو المذنب أو الجاني مهما اختلفت التسمية تظل النتيجة واحدة ..!

عندما يتطور مجتمع هذا التطور يشمل كل شيء ويسحب معه أفراد المجتمع بطريقة أو أخرى .. وهذا التطور ليس وقفا على الأشياء المادية فقط بل يشمل أيضا الجوانب المعنوية فيدخل من ضمنها تطور في مباديء استحداث القوانين في المجتمع المتطور .. فعلى سبيل المثال قبل تفشي اختراع الحاسوب كان الموظفون على رأس كل الوظائف الحكومية والخاصة ملزمين بمهر تواقيعهم في سجل خاص بالحضور والغياب وبالقلم ، ومع قليل من التطور أصبح من خلال الحاسوب ، ومع مزيد من التطور أصبح بنظام البصمة وهكذا دواليك ..

نحن اليوم أمام عالم غني باستحداثات هائلة وهذه الاستحداثات شملت تطوير جانب " القوانين " تلك القوانين التي تفرضها الدولة أو تشرعها السلطة على الفرد .. و واقع الحال اليوم يشهد استحداث تهم وقضايا جديدة لم يسبق أن سمعنا بها قبل أن تتفشى ظاهرة مواقع التواصل الإجتماعية على سبيل المثال تهمة إعابة الذات الملكية أو الأميرية أو السلطانية أو غيرها من التسميات .. أو تهمة مخالفة قوانين النشر الالكتروني وأي تجاوز يعد الإنسان مذنبا بنظر القانون بتهم على الصعيد التكنولوجي الإفتراضي ..!

 وأخذت هذه القوانين مجراها بغض النظر عن مدى صلاحها أو حدود تعدّيها في ظل تقليص حريات الفرد في المجتمع فهو موضوع ذو باع طويل ؛ ولكن ما نريد التركيز عليه في هذه المقالة هي مسألة إصدار القوانين أو من يقوم بإصدار هذه القوانين أو من يقوم بتنفيذها أو من هم لهم الحق في استجواب أي مذنب حين يتجاوزها بفعل نص القانون الوضعي .. فكل من سبق ذكرهم قبل أن يقوموا بتعميم قانون أو محاسبة متجاوز أو الحكم على أي متهم .. عليهم أولا قبل كل شيء أن يدركوا معناها ويفهموا مغزى ما يقومون عليه الحدّ أو يسقطوا عليه التهمة ؛ فالمحقق بأي صفة يحاسب مواطن بتهمة الكترونية وهو ليس له علاقة بالتكنولوجيا ..؟! والقاضي كيف يحاكم وعلى أي منهج أو أساس وهو يواجه صعوبة بالغة في فهم معظم المصطلحات التكنولوجية التي يتقنها شباب عصر التكنو والهيب هوب كما يطلق عليهم ..؟!

أليس الأولى قبل أن نحاكمهم أو نحكم عليهم أن نفهمهم ونفهم لغتهم..؟! تالله أن ذلك يحل معضلات جمة ويختزل الكثير من المشكلات العويصة في المجتمعات الحالية بدلا من اقتياد المواطن كمتهم واقع عليه التهمة قبل المحاكمة جارين إياه كحيوان إمعانا في الحطّ من شأنه ..!

لو أنهم استدعوا المواطن كإنسان له حقوق وإن كان على خطأ - فـجلّ من لا يخطيء - ويجلسون معه ويحاورونه بلغة حضارية محاولين استخلاص المشكلة وإدراك مبعث التجاوز وتفاديه بطرق ذكية وأساليب ترفع من شأن القطاع البوليسي في نظر المواطن والمجتمع ككل ..

سأمعّن في التركيز هنا على " القاضي " الذي يقتعد على كرسي بيت العدل " المحكمة " ؛ هذا القاضي كيف يحاكم الإنسان الماثل أمامه وعلى أيّ أساس أو منهج وهو ليست لديه خلفية عن مسائل " التقنية " أو عن " التجاوز" وحدود هذا " التجاوز " ومداه وأثره على " المجتمع " ..؟! بل إنما هو خائض في أمر يحتاج إلى خبير " تقني " وليس خبير في " القضاء " ..! فمن باب الإقتراح كي لا تقع المظالم في أحكام القضاء أن يقوموا بتعيين " خبراء تقنيين " لهم خبرة شاملة في مجال التكنولوجيا ومجارين لأفكار العولمة وعارفين لشفرات لغة العصر ..

وقد ذهب بعض المفكرين على الصعيد الغربي أن تطوّر الغرب في رؤيته الإنسانية يكون ويتحقق مداه الكلي والشامل بقدر تطوره التقني وأن هذا الشرط ضروري للحداثة الكونية وما بعد الحداثة ؛ لأن ذلك سيعطيها المعنى التواصلي بينما عدم التمكن من التغلب على التخلف السياسي والصراع العسكري وعلى السلطة تعد من أهم العوامل التي تعيق العدالة في هذا العالم ..!

بل أين هؤلاء من قول النبي - صلى الله عليه وسلم- حين قال عن القضاة : " الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ , وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ , قَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ , وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ , وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ " .

ركزوا جيدا أيّها القضاة ، على عبارة رسولنا : " قاض قضى بغير الحق وهو لا يعلم فهو في النار  " ..! وهنا لا يعلم بمعنى " الجهل " وهو الذي بجهله يهلك حقوق الناس ..!



ليلى البلوشي




الاثنين، 23 يوليو 2012

اللحظات الحاسمة في حياة الزعماء ..!




اللحظات الحاسمة في حياة الزعماء ..!



جريدة الرؤية العمانية ..



نال إعجابي مؤخرا كتاب صدر حديثا يدعى " اللحظات الفاصلة في حياة الزعماء " لمؤلفه رمزي الميناوي وهو يفرغ آخر رمق من الضوء على اللحظات الأخيرة والحاسمة عند الزعماء .. أولئك الذين تنازلوا عن العرش وسقطوا ونُفيوا واُبعدوا وأُزيحوا وهُزموا إلى لا آخر تلك القائمة ؛ وقد صنّف لحظاتهم حسبما الظروف التي عاينها كل منهم فقضت على تاريخ بعضهم وخلدت آخرين في مضمار الرئاسة ..

ومن أهم تلك اللحظات وأعتاها على النفس هي لحظات تنازل عن العرش .. وهنا يذكر المؤلف قصة " نابليون بونابرت " وهو تنازل مذل بعد العظمة .. وهناك لحظات من الانتحار موردا حكاية ملكتين كان لهما الحظوة والشهوة والسيادة والجمال والثروة وهما " كليوباترا " التي انتحرت من أجل " أنطونيو " وكذلك ملكة " زنوبيا " ملكة تدمر .. وهناك من عايش لحظات متباينة ما رعب وما بين دموع وما بين جسارة هائلة قلّ نظيرها كلحظة تنفيذ حكم الإعدام وهنا حشد عدة شخصيات مهمة كـــــ" تشالز الأول " و" صدام حسين " و" عمر المختار " و" تشي غيفارا " و" عبدالكريم قاسم " وأيضا " تشاوشيسكو " الذي بكى كالأطفال لحظة إعدامه وشتّان ما بين إعدام أبطال وما بين إعدام مجرمي حروب ..!

ولحظة الاستسلام المكللّة بالعار مثل الإمبراطور العتيد " هيرهيتو " الذي وقّع وثيقة الاستسلام بدموعه .. ولحظة الاستقالة القهرية كإستقالة " ريتشارد نيكسون " ولحظة الهروب كـ" شاه " إيران الذي هرب ولم يبك عليه أحد ..! وأخيرا لحظة الانتصار " محمد الفاتح " في لحظة تحقق البشارة النبوية بفتح القسطنطينة و" طارق بن زياد " ولحظة فتحه الأندلس وهي لحظة لن ينساها التاريخ ..

هنالك لحظات عديدة ومتباينة عايشها كثير من الزعماء عصفت وأرعدت وبالوقوف والتأمل في تلك اللحظات نخرج بنتيجة أن معظمها كان بفعل " الرئيس " نفسه بسبب مواقفه تجاه شعبه من ناحية وتجاه الدول الأخرى في علاقاته الدولية .. كل تلك الأسباب الجامعة وغيرها هي مبعث هلاكه .. ففي وقت الحاضر يشهد التاريخ على سقوط ثلاث رؤساء على رأسهم " زين العابدين بن علي " الذي اشتهر مع ثورة الياسمين التونسية بــ" زين الهاربين " الذي هرب حاملا حقائب جبنه .. والمخلوع " حسني مبارك " الذي افتعل المرض على سرير الخيبة والهزيمة .. والمقتول على يد شعبه العقيد " معمر القذافي " الذي اقتادوه كجرذ من أنابيب الصرف الصحي .. أما الرابع فسقوطه قاب قوسين أو أدنى فهو يترنّح كالديك في رقصته الأخيرة المهزومة كــ" بشار الأسد " الذي خان اسمه قبل أن يخون شعبه ووطنه براجمات الصواريخ والقاذفات التي استباحت الدم السوري ..! مع إشارة مهمة أن كل من سبق من الرؤساء الساقطين قد خانوا أسماؤهم ..!

ومن خلال تلك المصائر والمواقف العديدة يؤمن المرء في أن قوة " الرئيس" في حكمته تكون أول ما تكون في اتزان مواقفه الدولية تجاه العالم وبوقفاته الإنسانية تجاه كل ما هو إنساني يقف على قضاياهم وقفة فعلية للإصلاح ولرأبّ الصدع ولإعادة الأمور لصالح الحق ؛ أما الذي يوّرط شعبه ووطنه في قضايا لا تجلب لهم سوى الدمار والخسران وتذيق الشعب بأكمله ويلات حروب وهزائم تاريخية ونكسات هائلة تطال أول ما تطال الوطن نفسه وهيبته وقوته .. وكل ذلك في سبيل قرارات يتخذها " الرئيس " على وفق أهوائه الشخصية وكان من المفروض والواجب المسؤولية أن يضع آراؤه في كفة والوطن في الكفة الأخرى ؛ ليدرك أحقية وعظمة المسؤولية على عاتقه كرئيس دولة ..!

ولعل خير مثال في الوقت الحاضر على سبيل المثال لا الحصر هي التهديدات التي وجّهتها جمهورية إيران الإسلامية تجاه دولة الإمارات في قضية الجزر وما تحمله من نظرة استعلائية وقد كتبت صحيفة إيرانية تحذيرا للرئيس الإيراني " نجاد " من أن تلك اللغة الاستعلائية والنبرة المستفزة تجاه قضية الجزر الإماراتية قد تقلب الأمور في إيران وقد يواجه الرئيس الإيراني ما واجهه الرئيس العراقي السابق " صدام حسين " حين هاجم الكويت ..!

فكما هو معروف أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعاني من مشاكل عديدة على الصعيد الدولي ما له علاقة بالملف النووي وتدخلات الإيران السافرة في معظم قضايا الوطن الخليجي والعربي ناهيك عن أزماتها الداخلية والتي فاقمتها الضغط وسياسة التدخل الخارجي كالأزمة الاقتصادية ولما لها من تبعات تأثيرية جمّة على المستوى المعيشي وانتشار الفساد والاختلاس وتفشي الفقر نتيجة ارتفاع حاد ومضاعف في أسعار المواد الغذائية لدرجة أن سعر الدجاج وكما صورتّ وعبرت رسوم الكاريكاتور الفارسية في معظم صحفها أن سعرها بوزن الذهب ..!

وأزمة شرعية النظام ونتيجة لذلك هناك مساع كاشفة لكبت الحريات في ظل نظام إسلامي متشدد وفوق هذا بوليسي ومقموع  لكل من يخالفه .. كما أنه يقمع الأقليات وتلك التي تخالف منهجها ومذهبها بنظرة طائفية مقيتة تحكم البعض حد الهوس المرضي كقضية إعدامات شباب الأحوازيين والتضييق عليهم على عدة أصعدة ..!

وقد ختمت المقالة قولها في الصحيفة برسالة تنبيهية موجهة إلى الرئيس الإيراني " نجاد " قائلة له : " الإمارات هي كعب أخيل إيران فعلينا أن ندرك ذلك والحل الوحيد هو الدخول في مفاوضات معها لا أن تحتقرها ؛ لأن هذا الجار الصغير الذي كان قبل ثلاثين عاما مجرد صحراء قاحلة أصبح اليوم أحد أكثر البلدان تطورا في المنطقة وبإمكانه أن يتسبب في أن نفقد بلادنا وما فيها " ..

قصارى القول : على كل دولة أن تعي كل ما تقوم به وتوازن قراراتها قبل أن تنّدفع وتتهور .. وأن تضع أولا وأخيرا في حسبانها الشعب وكرامته ويكون همّها الأساسي الوطن ومصلحته ورفعته ؛ كي لا يعظّوا أصابعهم ندماً حين يسقطون بإرادة وعزيمة الشعب وواقعنا اليوم صفحة مفتوحة بوضوح كلي وشامل للعيان ..!



ليلى البلوشي


الثلاثاء، 17 يوليو 2012

آلموت " الحسن بن الصبّاح " ..!



آلموت " الحسن بن الصبّاح "..!



" آلموت " رواية لــــــ" فلاديمير بارتول " ماذا أقول عنها ..؟ سأقف على طلل البدء لأعترف بأن صدفة لم تكن عبثية البتة في معرض أبوظبي للكتاب عند منشورات الجمل .. هناك حيث كنت اربض أمام جموع الكتب المتراصة انحت ضياعي في محاولة التسلل في قاع أفكار المؤلفين الخبيئة .. لم تكن صدفة عبثية البتة في أن أقابل في ضياعي ذاك أحد الأصدقاء الشعراء وبعد تبادل عناق التحايا ساقني إلى " آلموت " التي كانت ترقد بسلام أبدي بعد أن حملته الأسطورة تحت جناحها في واجهة أحد الرفوف وكان الصديق يبجّل الكتاب دون أن يشير إلى محتوى فكره ؛ ساعيا بذلك إلى تأثيث نهم فضولي في حيزي القرائي .. لم يشبعه سوى في لهفة شرائه والانكباب عليه .. !

" آلموت " هو حصن قديم فوق صخرة عالية وسط الجبال وبنيت بطريقة لا يكون لها سوى طريق واحد يصل إليها كل من يريد الوصول إليها هذا إن وصل ؛ مما يؤهلها لصفة المنع لتغدو منيعة بالفعل ..! ويقال أن من بناها أحد ملوك الديلم القدماء واسماها " ألوه أموت " ومعناه " عش النسر " .. وبقيت هذه القلعة في يد حاكم علوي قام بتجديدها واتخذها له مذ عام 860 إلى أن جاءت طائفة من الإسماعيلية ويدعون بالباطنية مع أميرهم " الحسن بن الصبّاح " في رجب مذ عام 483/ 1090م وطرد منها الحاكم بالخديعة وبقناع التدين واتخذها منبرا ؛ لبث خططه ودسائسه على السلجوقيين والعباسيين حيث امتد الصراع بينهم ردحا من الزمن إلى أن جاء هولاكو واستولى على القلعة ..!

ومن يعبر " آلموت " سوف يجد كائنا غير الإنسان وسوف يجد الوحش وسوف سيجد العبد وسوف يجد الذكورة الممنوعة وسوف يجد الأنوثة المباحة والأهم من كل تلك النماذج أنه سوف يصدم بوجود رجل دين وزّن نفسه برتبة " نبيّ " يتأّله بالقدرة والتقديس ..! : " كيف يكون لسيدنا الحق بإباحة الخمر في حين أن النبي حرّمه ..؟ له الحق بذلك .. قلت لك إنه هو الأول بعد الله .. إنه نبي جديد .." متجسّد في شخص " الحسن بن الصبّاح " الذي اشتهر بلقب " شيخ الجبل " وهو مؤسس ما يُعرف بالدعوة الجديدة أو الطائفة الإسماعيلية النزارية أو الباطنية أو الحشاشون .. ولد في قم ثم انتقل لريّ حيث معقل الاسماعيليين  ..!

" الحسن بن الصّباح " هو داهية عرف كيف يختفي خلف ستار الدين لبث أفكاره و أوهامه متخذا من حصن " آلموت " قاعدة عزلته .. وقد أفلح من خلال ذكائه الحاد في التخطيط على تحويل " آلموت " إلى عالم متكامل وشامل يحكي تفاصيلها بصبغة تاريخية مغموسة بالواقع التاريخي والخيالي الروائي السلوفيني " فلاديمير بارتول " الذي عكف على كتابتها لمدة عشر سنوات ( 1927م _ 1937 م ) وقد تأثر " بارتول " بعصابات الحرب العالمية الأولى فعّبر عن رؤاه البشعة وسخطه عن ذلك من خلال هذه الكتابة في وقت كانت الفتن والدسائس والتضارب ما بين المذاهب مشتعلا ، فجاء هنا ليصور حجم الضلال وحجم الدسائس التي يخترعها رجال الدين باسم الدين .. وعن تجاوز البعض لبشريتهم ليحفلوا على أنفسهم سمات النبوة .. بل ليتسلقوا على كتف مهامات إلهية ؛ ليوهموا العامة بمدى قدسيتهم فيمنحون صكوك الغفران ويوجبون العقاب في الجحيم لكل من يخالف آراءهم ويوعدون بجزيل العطاء بجنان الفردوس لكل من ينصاع لهم ؛ لتصل زندقتهم حدها إلى امتلاك مفتاح الفردوس و" الحسن بن الصّباح " هو النموذج البشع الذي لم يكف بالنبوة بل فرط إلى حد التّأليه ..!

وكان من الطبيعي أن تكون هذه الرواية ملعونة وأن لا يعاد نشرها سوى بعد مغادرة الكاتب للحياة .. ومن الإبداع أن " فلاديمير بارتول " جسّد كل تلك اللعنات ونفخها في روح رجل واحد هو " الحسن بن الصبّاح " الذي روّض الحيوانات المتوحشة في جنته ألموت كما روّض الإنسانية تماما في شخص " الفدائيين " : " لم تستطع أن تستوعب كيف بإمكان فهد وغزالة أن يكونا صديقين في هذا العالم .. إذ إن الله وبحسب قول النبي قد ادّخر هذه الأعجوبة إلى قاطني الجنة .." فمن يقرأ " آلموت " سوف يتعرف على عالمين متضادين على عالم أنثوي مغري في جزء الأروع من آلموت حيث كما وصفها المستشرق " ماركو بولو " التي زار آلموت من بعد وفاة " الحسن بن الصبّاح " بقوله : " الحسن بن الصبّاح حول أحد أودية جبال آلموت إلى حديقة من أكبر وأجمل ما يمكن أن تقع عليه عين ناظر مليئة بكل أنواع الفاكهة نصبت فيها خيم وقصور أنيقة فارهة جميعها مفضفضة ومذهبة وسواقي تجري فيها الخمور والألبان والعسل والماء .. " وقد استقى " فلاديمير بارتول " بعض تلك الأوصاف من الرحالة " ماركو بولو " وبثّها بخيال ساحر في روايته ليبرع في رسم عالم أنثوي بجدارة حيث جواري من كل صنف يتعلمن فنون الغناء والرقص والخياطة والتزين والكتابة على يد " مريم " القريبة من قلب " الحسن بن الصباح " فهي من يسكب في حضرتها فحوى أسراره وخططه بينما يتعاطين فنون الحب الجنسي على يد " أباما " الذي سرق الزمن جمالها وقلّص من اغرائها وانتهت إلى عجوز شمطاء بائسة الحظ لا تملك سوى ذاكرة حكائية مضمّخة بقرنفل الأبطال والعشاق .. مع وجود خصيان مخلصين يقومون بخدمة الجواري ..

ومن هذا المخبأ المنيع الذي يسمح فيه كل شيء حتى التفسخ يكمن في الجانب الآخر من جدران آلموت عالم يكاد يفصله عن الجانب الأول بشكل فاغر ؛ حيث هنا آلموت عبارة عن قلعة أشبه بمدرسة لتأهيل صبية صغار ما بين الثانية عشر والعشرين من أعمارهم يقوم أساتذة من الإسماعيلية بتلقينهم تعاليمهم السرية بأسلوب مجاهر ومكشوف ويتلقون فنون الفلسفة وفنون القتال ناهيك عن فرض قوانين جادة وصارمة حيث يمنع هؤلاء الصبية من شرب الخمر والزواج .. بل إن مجرد إطلاق الفكر في خيالات الاحتلام يعد خطيئة يعاقبون عليها أشد عقاب ..! وهؤلاء الصبية يؤهلون بعد اجتياز الاختبار إلى مسمى " فدائيين " وهم جيش اتخذه " الحسن بن الصّباح " للتنكيل بأعدائه ولبث دسائسه وقد استولى على عقولهم من خلال زرع الأوهام والأباطيل على كونه النبي الذي يجب تقديسه وما يسوغ ذلك هو امتلاكه مفتاح الفردوس ..!

وسوف يرى القارئ كيف أن بعض هؤلاء الفدائيين يفلح " الصبّاح " في خداعهم بجنات الفردوس من خلال تنويهم بمادة الحشيش ومن هنا جاءت تسمية " الحشاشين " وعبر ذلك يدخلون في عوالم وهمية تتضارب فيها الحقيقة مع الخيال ؛ ليجدوا أنفسهم في الفردوس حيث حوريات الجنة والخمر والمتع الحسية بمساعدة الخصيان الذين يقومون بنقلهم وهم منغمسون في ترف نوم مسكر .. وكم يدرك القارئ هنا مدى فداحة خبث " الحسن بن الصّباح " ..!

وما أثرى شخصية " الحسن بن الصباح " هي هالة الاعتزال أو العزلة فــــــ" شيخ الجبل " تذكرني هنا – شخصيا - برواية " نجيب محفوظ " في رائعته " أولاد حارتنا " وشخصية " الجبلاوي " في مبدأ العزلة والرهبة .. هذا الاعتزال عن الآخرين خاصة فدائييه وعن جواريه عدا " مريم " و" أباما " وبعض الخصية وبعض مقربيه جعل الآخرين يقدسونه كنبي ويؤّلهون كل الأساطير التي كانت تحوم حوله .. : " - لماذا لا يكشف الزعيم لنا عن نفسه للمؤمنين ..؟ سأل ابن طاهر بإلحاح .. - إنه قديس – قال معترضا – يدرس القرآن طوال النهار يصلي ويسن التعاليم لنا والوصايا " ..!

كان " فلاديمير بارتول " المحرر من الوهم يعلم أن الخير والشر يتآخيان غالبا في النفس الإنسانية .. يموت غوله عندما يعترف لنا بأن تعصّبه نفسه لم يكن إلا التنّكر لعقل تخلّص من كل وهم .. و" الحسن بن الصّباح " صانع الخزعبلات والأساطير والأوهام قد تشبّع من أوهامه وبددها بإلقام الآخرين لها ؛ ليحيك فراغه في عزلة أسطورية فقد كان يعرف حيث لا يعرف الآخرين سر الإسماعيلية وكانت في عبارة صغيرة ملفوفة بورق الوهم : " لا شيء حقيقي وكل شيء مباح " ..!

و" حيث يبدأ وهم الحياة تنتهي الحقيقة " .. كما تشير إحدى سطور الرواية ..!

ليلى البلوشي


الاثنين، 16 يوليو 2012

الوعي " كافر " ..!




الوعي " كافر " ..!

جريدة الرؤية العمانية ..



الجوع .. الجوع " كافر " ..!

احتكم واتفق وتعاضد وناشد ورافع واصطف الجميع على فتوى وحكم وشرع أن الجوع " كافر " .. ولم يحدث أن أعترض أحد والجميع أدانه ..!

ديانة " الجوع " واحدة على مر العصور والقرون .. كافر .. كافر ..! هذا الجوع الذي نهش البشرية عبر الحقب بمآسي وويلات في أثناء الحروب العالمية الأولى والثانية حيث كانت تلك الدول تستنزف جل قدراتها في الحروب والتقتيل وتوسيع ممالكها والحفاظ على عروشها ومستعمراتها .. هو الجوع نفسه الذي نراه اليوم يتمدد كشبح مخيف ومهول في دول العربية في اليمن والصومال والسودان ومصر وموريتانيا ولم تخلو منها الدول النفظية ..!

حكاية الجوع .. من لا يعرف حكاية الجوع .. ؟! تتباين الأسباب ولكن الجوع واحد .. هناك أسباب توجعنا مرارة ؛ فجوعها بسبب قلة الموارد .. وهناك أسباب توجعنا بشكل أعمق ؛ فجوعها بسبب الفساد والظلم والطبقية والعنصرية .. وهناك أسباب تجعل وجعنا يلعن ويتعاظم هيجانا وغضبا ؛ بسبب الحروب والانتقامات التي امتصت الدم البشري حتى خلفّته جيفة ..!

لكن أيّ انفعال يصلح حين يتفشى الجوع في إحدى الدول العظمى الغنية عالميا ..؟! فحين نعلم أن الجوع يضرب أطفالا في اليمن أو الصومال أو السودان نتوجع ونتألم ونضيق ولكن لا يصل لحد أن نستنكر خاصة إذا ما عدنا لتاريخ هذه الدول المتطاحنة بالحروب والويلات ..!

ولكن أن يتمركز الجوع نفسه عند أطفال أمريكا أو ألمانيا أو بريطانيا يجعلنا نستنكر وبقوة ..! وسأضع دائرة حول " بريطانيا " لا لأن الجوع يضرب عظام أطفالها فقط بل لأن ثمة أسباب أخرى نوضحها في نهاية المقالة ..!

في مدينة " لندن " سادس أغنى مدينة في العالم هناك صبية جياع ويعتمدون على وجبة واحدة رئيسية يوميا ومنهم من تسقط باقي وجباته في اليوم إن لم يتحصل عليها من قمامة أو خانه التأخير فسبقه الجائعون إليها ؛ في " لندن " وحدها أكثر من 13 ألف طفل بريطاني يتسابقون على وجبات الطعام التي تقدمها المدارس أو يصطفون أمام جمعيات خيرية لسدّ رمق الجوع ..!

في " لندن " رغم الجوع وتفاقم سوء الأمن الغذائي وارتفاع الأسعار وتفاقم حالات سرقات الأطعمة من قبل الأهالي لإطعام صغارهم ، تعمل الحكومة على تخفيض الأموال اللازمة لهذه المؤسسات لشراء الطعام ..!

فقد كشف مسح للمؤسسات الخيرية العام الماضي أن واحدة من كل ثلاث من هذه المؤسسات قد وقعت ضحية للتخفيضات الحكومية على موازناتها ، وعليه اضطر ثلثا هذه المؤسسات إلى تقليص وجبات الطعام لكي تستمر في أنشطتها..!

 وتقول " شارلوت وليامز" التي تدير مؤسسة ستيشن هاوس، التي توفر خدمات الرعاية للطفولة : " نحن في قلب العاصفة فقد تعرض الآباء العاملون لتقليص ساعات عملهم والكثير منهم فقد عمله، وترتفع تكاليف الغاز والماء والملابس للحد الذي اضطر فيه الكثيرون الى تقليص ميزانية طعامهم للحصول على الضروريات الأخرى " ..

نعم هناك " كساد اقتصادي" وهناك أيضا " لا مبالاة " وهناك " بذخ " على حساب الفقراء ..! فمن شهد احتفالات الملكة " اليزابيث " لاحتفالات اليوبيل الماسي لجلوسها على عرش بريطانيا يدرك حجم البذخ الذي رصف من ميزانية الحكومة على هذه المناسبة والأمر ليس هناك فقط ، بل الملكة حصلت على زيادة ضخمة من راتبها سيتضاعف إلى 36 مليون استرليني من 30 مليون ..!

رغم كل تلك الفظائع أعلاه تدعو الملكة الحاشية حولها إلى التقسيط والتقشف مراعاة للأحوال الكساد الإقتصادي ..!

ومن ناحية أخرى نجد دوقة كامبردج " كيت ميدلتون " زوجة الأمير وليام تبيت في الشارع في تظاهرة مع المشردين الذين يفترشون الشوارع البريطانية للنوم .. وسبق أن شارك دوق كمبريدج الأمير " وليام " في حملة مماثلة العام الماضي وكتب أحد المسؤولين في المؤسسة الخيرية آنذاك أن الأمير " وليام " اعتزم المشاركة في الحملة من أجل رفع الوعي في هذه المشكلة الاجتماعية وفي محاولة لإدراك موقف ومعاناة المتشردين المضطرين للنوم في شوارع العاصمة البريطانية..!

فهل يكفي أن نتشارك نحن – أصحاب – الممالك والقرار والقانون في رفع مستوى الوعي أم الأولى أن نرفع من مستوى أفعالنا لدعم حقيقي وواقعي ومقنع يستفيد منه المعدم ولا يكتفي بالشعور به ..؟!

فأي " وعيٌّ " هو هذا في حيّز الأقوال فقط وهناك ملايين الجوعى يفترشون الشوارع قرب حاويات القمامة ..؟!

أنه بلا شك " وعي ٌّ" كافر .. كافر ..!





ليلى البلوشي










الثلاثاء، 10 يوليو 2012

اللغة الإنجليزية في ورطة ..!



اللغة الإنجليزية في ورطة ..!



جريدة الرؤية العمانية



تناولت مرة في مقالة تدعى " سجين لأنه عربي " مبعث  تفوّق اللغة الانجليزية في حياتنا نحن _ العرب _ من خليجنا إلى محيطنا ، ولا نبالغ قط إن أشرنا بأن الخليج العربي يكاد يصبح الخليج الانجليزي ؛ نتاج تحدث أهلها هذه اللغة حتى فيما بينهم وأبناؤهم الصغار مما شكّل إشكالية جسيمة لا يمكن تفاديها مطلقا هو تزحزح مكانة اللغة العربية وتراجع أهميتها بين العرب ..!

وهل ثمة لوم على من جعل الانجليزية لغته الرسمية وهو مواطن عربي وفي وطن عربي ..؟! في وطن جعل اللغة الانجليزية لها الأولوية ولها الصدارة في كل شيء ؛ في الوظيفة وفي التعليم والتواصل ومن لا يتقنها فهو رجعي ومتأخر ويفقد ما يفقد من مؤهلات وطموحات تؤهله للرقي والتقدم في وطنه ..!

ليس هكذا فقط بل قمة القهر أن تذهب إلى مطعم عام .. فيأتيك العامل العربي ويستقبلك بتحية انجليزية مرموقة وحين يعرف أنك عربي تقل وهج التحية أو يختار الصمت غالبا وينسحب ..! أو عامل أجنبي يتقدم إليك ويضع أمامك قائمة الطعام بالانجليزية وحين تطلبها بالعربية يعتذر بأن ليس لديهم قوائم طعام سوى بالانجليزية ونحن في عقر دارنا العربي ..!

في هذا المجتمع العربي تكون مطاردا بهاجس عدم إتقان اللغة الانجليزية وتضطر إلى التسجيل في معاهد تعليم اللغة الانجليزية ؛ كي تتحدث بها مع عامل المطعم أو مع مسؤول العمل أو مع زائر أجنبي لبلدك يسألك بلكنته ومن العار ألا ترد عليه بلكنته الانجليزية وكأنك أنت الزائر العابر وهم الدائمون ..!

لكن لندع أزمة اللغة العربية جانبا ؛ فهي غائرة ومتمددة وكاشفة للجميع بالمقابل لنسأل أنفسنا هل تزّعم اللغة الانجليزية في صالحها بالمعنى الكلي ..؟! وما أبعاد التأثير وما نتاجه عليهم وعلى بقية اللغات ..؟!

وهذه الاستفسارات ناقشها وعرضها من زاوية عميقة قلّ أن جسها أو فكّر بها الآخرون ؛ فالباحث والكاتب الفرنسي " جورج ستينر " لاحظ وهو يتحدث عن اللغات أن اللغة الإنجليزية وبفضل انتشارها العالمي هي العامل الأساس في تخريب التعدد اللغوي الطبيعي وقد يكون هذا التدمير الأكثر استعصاء على العلاج بين الثورات الأيكولوجية التي يعانيها العصر ، ذلك أن اقتصار الإنجليزية على حقول التجارة العالمية والتكنولوجيا والسياحية لها آثار ضارة على الانجليزية نفسها ..!

فالحضور المطلق على وفق تفسير " ستينر " دائما يوّلد تغذية سلبية لهذه اللغة والتوحيد اللغوي والثقافي يتولد منه الضجر والرتابة والاختناق فالفناء ..!

 ويتابع تفسيره بأن مع انفراط لغة تنفرط إلى الأبد خيوط تواصل الإنسانية مع الأمل ، والتعددية لا تؤمن ثراء حياة الإنسان المعنوية والذهنية فقط بل تؤمن حياة أو الحيوات المجاورة ..

وهذا يشير إلى انعطافة مهمة وهي أن اللغة الأنجليزية فقدت خصوصيتها من هذا الشيوع وهذا كما وفق تنبؤات الباحث الفرنسي " جورج سيتنر " قد يتسبب في فنائها عبر حقب الزمن ..!

فإذا ما كانت اللغة الإنجليزية في ورطة الشيوع ، فإن اللغة العربية في ورطة الاندثار قبل أن تحقق شيوعها المستحق ؛ لهذا وجب أن تتكالب الجهود لصون اللغة العربية وحمايتها وهناك بالفعل جهود لا يمكن نكرانها أو التغاضي عنها كمبادرة مجلس محمد بن راشد للسياسات حيث تبنوا مبادرة تعزيز مكانة اللغة العربية ؛ وهي محاولة جادة لإعادة هيبة اللغة العربية ومكانتها التي تأثرت بشكل كبير جدا خلال السنوات العشر الأخيرة مما أدى إلى تراجعها مقارنة باللغات الأخرى وهو أمر لا يمكن تقبله والرضوخ له ..

وإذا علمنا أن ثلاث دول من أصل خمسة تمتلك حق " الفيتو " في العالم لا تجيد " الإنجليزية " يجعلنا نتساءل بقوة : لماذا نحن لا نرد الاعتبار للغة " الضاد " إذن ونفرض شرعية ممارستها كلغة مهمة في كافة أرجاء العالم ..؟!

مما لا شك حفنة من الرأسماليين استجلبوا ثقافة الاستهلاك إلينا وداسوا على هويتنا العربية حين أجبرونا أن نتحدث مع عمالهم بغير لغتنا ونحن في عقر دارنا .. ومن هنا اقترح أن تفرض المؤسسات الحكومية المختصة على كل موظف يأتي للعمل في بلداننا أن يأخذ دورة تأسيسية في العربية ؛ حفاظا على لغتنا العربية من التهميش والتكسر والألفاظ الدخيلة ..

وعندما يتاح الأمر سيغدو سهلا ومقبولا من قبل الجميع .. من ذلك قابلت منذ فترة قريبة في مدينة دبي بائع " صيني " في إحدى المحال التجارية وعندما سألته بالإنجليزية عن سعر البضاعة ردّ عليّ بلغة عربية نقية وفصيحة فاجأتني جدا وحينئذ بادرته بالسؤال عن كيفية تعلمه واتقانه اللغة العربية بذاك الثراء والوضوح ؛ فأجابني بأنه تعلم اللغة العربية في إحدى معاهد تعليم اللغة العربية في الصين على نية السفر لدولة عربية ؛ كي يباشر عمله كبائع .. سبحان الله .. فلماذا لا نتيح لهؤلاء العمال وغيرهم فرصة لتعليم اللغة العربية في بلداننا أو تعليمها في بلداهم قبل استقدامهم كعمال أو كموظفين ..؟!

ومن هذا الموقف خرجت بقرار مهم هو أنني لن أتحدث سوى بلغتي العربية في أي مكان أكون فيه وأصادف أجنبيا في بلدي فهو الزائر لا أنا ..!

وكما يقول " ابن خلدون " : " غلبة اللغة من غلبة أهلها " .. استشهد بهذا وذاكرتي على خبر ذيع مؤخرا عن تعزم أمريكا على تعليم اللغة الصينية في مدارس طلابها ؛ بعد أن أظهرت الأخيرة تفوقها الإقتصادي الساحق ..!

يا ترى متى سنكف عن تخضيع هوياتنا لمبدأ الغلبة والقوة ..؟! ومتى نسعى إلى فرض هيبتنا لمجرد أن ذلك حق إنساني ووجودي وحضاري في كل بقعة نكون فيها ..؟!


ليلى البلوشي

الاثنين، 2 يوليو 2012

تساؤلات عن العُزلة العمانية ..! 2




تساؤلات عن العُزلة العُمانية ..! 2



الرؤية / البلد



يبرز أمامنا في هذه المقالة التساؤل التالي : هل العزلة في صالح عُمان ..؟!

سلطة سلطنة عمان أقرت مفهوم ثابت كاشفت من خلالها موجب سياستها على المستوى الداخلي والخارجي وجاءت في عبارة : " عدم التدخل في شؤون الغير وكذلك عدم القبول بتدخل ذلك الغير في شؤوننا " ..!

هذه السياسة لم تفصل عُمان كدولة وحدها بل فصلت شعب بأكمله عبر تلك الأعوام ؛ فمن هم في الخارج حتى دول الجوار لا يعرفون عما يحدث في عُمان على عكس بقية الدول التي يصل أخبارها الجميع عبر وسائل الإعلام والصحف بأنواعها ووسائل التواصل ؛ فالشأن التونسي تحمّس له الجميع وكان حديث العالم كما الشأن الليبي والسوري والمصري الكل يناقش ويعرض وجهات نظره سواء من تلك الدول أو خارجها حتى البحرين تشارك الجميع في شأنها وعرض تفاصيلها باستثناء عُمان ظل الحديث عنها غالبا مختصرا على العمانيين أنفسهم بالتحليل والنقد والتعاطي وهذا كله تبعات سياسة السلطة في عُمان ، بل إن وجود الإنسان العماني عبر شبكات التواصل في البداية كان مقلا مقارنة ببقية دول الخليج وبرز عن ذلك تساؤلات واضحة تداولها أبناء دول الخليج عبر وسائل التواصل الاجتماعية وهم يتساءلون عن اختفاء العماني في حين بروز الإماراتي والسعودي والكويتي والقطري والبحريني ..!

قد تكون سياسة عُمان منعزلة أو طبيعتها تميل للانعزال والشعب العماني دأب على فكرة العزلة وانغرست في الأذهان من جيل إلى جيل وكانت الأمور تمضي كما قررت شرائع الدولة تماما ولكن ولد مع هذا الجيل شباب مختلفون ينبذون فكرة الانغلاق والتبعية مع تأثيرات عوامل لا يمكن تخطيها كثورات الربيع العربي وانغماسه في عوالم التواصل الاجتماعية هذه التأثيرات المشتملة غيرت التركيبة الإنسانية والإنسان العماني هو جزء لا يتجزأ من تلك التركيبة التي جرفتها التغييرات كما جرفت غيره بمعدلات متفاوتة حسبما سياسة كل دولة ؛ فرض العزلة على الشعوب في الداخل أو في الخارج هي سلطة لا مكان لها اليوم ؛ فمفهوم العزلة اختلف وقد تفرضها سياسة الدولة وقوانينها ولكن لن يلتزم بها الشعوب في هذا العصر الذي يهيئ مفهوم الانطلاق والانفتاح ويردم مفهوم العزلة العتيق كمعنى شامل وكقيد وقد تعدى الجوانب التقليدية وكسر كل الاختلافات على عدة أصعدة دينية واجتماعية وسياسية ؛ فمن يشجب اليوم العزلة على ملبس أو لهجة معينة أو مذهب معين فهو إنسان لم يستوعب بعد التفجر التواصلي عبر البشر؛ وهي متاحة للجميع ومن خلال هذا برز لدينا مفهوم جديد أنجبه هذا العصر وفق تصوري الشخصي وهو مفهوم " عزلة السلطة وانفتاح الشعب " ..! مع التوضيح أن عزلة السلطة بلغة هذا الزمن هي " الهدوء " والحيادية " فهناك شعوب في العالم موجودة ولا أحد يعرف عنها سوى المكتشفين وتتمثل فيها العزلة بمفهوم حقيقي وعميق وكبير كشعوب " البيراها " وهي شعوب بعيدة عن كل وسيلة انفتاح ..هذه العزلة المقدسة والغريبة فرضتها بعدهم عن عالم التكنولوجيا  ..!

 أما عزلة عُمان و غيرها من الدول كالمغرب مثلا هي عزلة انتقائية أي منعزلة عن شيء وفي الوقت نفسه منفتحة على شيء وقد طرح مرة كاتب سعودي مفهوم " المعتزلة السياسية " وأطلقها على دولتين هما "عُمان " و" المغرب " ورأى أن هذا يريحهما من المشاكل التي تقع حين تتدخل الدول في سياسات الآخرين ؛ هذا المعنى بمفهومه الكلي ليس صالحا في كل الظروف ؛ فهناك ظروف تستدعي تدخل لحل خلاف دولي أو مناصرة دولة كما يحدث في سوريا اليوم وكما حدث مع سابقتها ليبيا ؛ فلو أن الدول العربية تعاضدت لما دخل الأجنبي الأرض الليبية وعينهم على الثروة النفطية ..! هناك قضايا لا يمكن أن تتخذ بعض الدول العربية حيالها موقف " المتفرج " أو " المحايد " أو " الهادئ " ؛ فـ" المتفرج " شعاره :  لا أرى ولا اسمع ولا أتكلم ..! أما " المحايد " فهو الذي يقف في الوسط وإذا ما أصابته رصاصة لا يعلم من أين تلقاها..؟! أم " الهادئ " هو أشبه ما يكون مختزلا في مثال الملكة الفرنسية " ماري أنطوانيت " التي ردت بهدوء على ثائرة شعب و جوعه يهتف : نريد خبزا ..! بقولها :  لماذا لا تأكلون البسكويت إن لم تجدوا الخبز ..؟!

هنا الشعب تفاعل وناقش لكن السلطة انكفأت ؛ اليوم إذا ناقشنا مفهوم العزلة يجب أن نضع أولا الشعب في الصورة وليس الحكومة لا يوجد في عصر التكنولوجيا شعب منعزل ولا حكومة منعزلة كليا ؛ فمقياس العزلة هو الانعزال عن مسايرة التكنولوجيا.. وعلى مستوى الشعبي نستطيع القول أن الشعب العماني مزق ستار عزلته وقضى على مفهوم العزلة التي دأب وسار عليها طوال أعوام ماضية وعبّر عنها بشكل هادئ والفضل في وسائل التواصل الاجتماعية الفيس بوك والتويتر ، ومن هنا يبرز فشل الإعلام العماني في توصيل صوت الإنسان العماني وصورته للخارج كما وصفته إحدى الدول من وقت قريب الإعلام العماني هو إعلام ميت ..! ونتيجة فشل هذا الإعلام هو تردي المستوى السياحي في عُمان مقارنة ببقية الدول التي بنت من خلال الإعلام وحده بنية سياحية فاقت الآفاق رغم أن عُمان لديها طبيعة تؤهلها لتتمركز في المستويات العليا في الجذب السياحي ..!

والانفتاح يحقق مكسب سياحي عظيم لكل دولة ناهيك عن منافع تبادل ثقافات وتبادل خبرات وتطوّر ورضا على مستوى إنساني وسياسة الانكفاء لا تخدمنا على مستوى الترويج السياحي والضخ الإعلامي لخدمة السياحة ضرورة كخطوة أولى وبنجاح هذه الخطوة الأولى تكون خليقة بتحقيق الهدف المرجو تكملها الخطوات التالية ..

وعلى مستوى الانفتاح السياحي التجربة " التركية " مثال جيد التي لم نكن نعرف عنها قبل سنوات ؛ لأن أخبارها كانت بعيدة عن محيط عوالمنا العربية ، ولكن السياسة التركية نهجت منهجا مختلفا في السنوات الأخيرة والتي ضربت عدة عصافير بحجر واحد وازدهر اسمها على عدة أصعدة إعلاميا واجتماعيا وسياسيا خاصة " السياحي " وروجت عن نفسها من خلال المسلسلات التركية التي يتابعها معظم فئات المجتمع ونجحت في تحفيز المشاهدين للتوجه إليها وضخّ العملية السياحية ، والضجة السياحية تصب في مصلحة الشعوب دون شك ؛ فهاهي " مصر" التي شهدت سنوات مديدة في الترويج السياحي وكان لها تأثيراتها في تشغيل معظم فئات الشعب ولكن مع الظروف الأخيرة تقلّص هذا الجانب وخلّف عن حالة بطالة واضحة في المشتغلين بها كمصدر زرق أساسي ، واليوم ما تحتاجه " مصر" هي دعاية سياحية كي تستعيد طلتّها المعروفة والمشهود بها ..

وتتعاظم مفهوم العزلة الداخلية عندما تقوم الدولة بعزل الشعب سوف تنشأ بينها والشعب حالة من التوتر وتفغر هوة عدم الثقة وتتمادى الفوضى ويفرض التمرد نفسه وهو أمر ليس في صالح الشعب ولا في صالح السلطة ..! وتتفشى حالة من لا توازن ما بين فكر الحكومة وفكر الشعب كما يساهم في هدم الثقة بينهما وسوف يشعر الشعب بأنه محاصر وضائق على حرياته فتنبثق المشاكل ولن يفرق الناس من هو الخائن الذي له أجندة ومن هو المواطن الصالح الذي يريد لوطنه أن تغدوا منارة يهتدي بها وإليها الجميع ..!

هو جزء من هذه التركيبة وجب على السلطة أن تستوعبه وأفكاره وطموحاته وما هي أهدافه .. وعليها أن تؤمن بأن له الحق في أن يطالب ، في أن يقرر ، في أن يشارك في منظومة بناء الدولة ؛ فالوطن للجميع والشعب هو كل الوطن ..

استيعاب رغبات الشعب لا يعني تنفيذ مطالبهم فقط ؛ فالمطالب الشعبية لا حدود لها وإرضاء الناس غاية لا تدرك ولكن يعني أن تضعهم في الصورة بكل أبعادها و أن يكون المواطن هو الطوب الأساسي لكل مشروع وفي كل قانون يراعى رأيه وحقوقه عبر استفتاءات واسعة وشاملة مع وضع قوانين تطبق على الجميع ليتحقق معنى العدل الكلي ؛ فإن معظم أسباب هلاك المملكات وسقوط الدول هو تفشي الفساد وإسقاط معنى الحقيقي للعدل وتطبيقه على فئة دون فئة كما يقول " ابن خلدون " : " إذا زال العدل انهارت العمارة وتوقف الإنتاج فافتقر الناس واستمرت سلبية التساقط حتى زوال الملك " ..!

اختلف مفهوم العزلة وباختلاف مفاهيمه هو أمر غير صحي في هذا الوقت من الزمن على مستوى أفراد ومجتمعات وعلى مستوى دول ..!

وعلى مستوى أفراد ها هو الشعب العماني مثله مثل باقي الشعوب يرسم له خطا بعيدا عن العزلة التي نشأ عليها وسار عليها آباؤه طوال الزمن الماضي ..



ليلى البلوشي