الاثنين، 25 يونيو 2012

تساؤلات عن العُزلة العُمانية ..! 1



تساؤلات عن العُزلة العُمانية ..! 1



الرؤية / البلد



منذ عامين وصل بريدي مقالة تتناول الشأن العماني معنونة بـ " عمان والعزلة السياسية " لكاتبها السعودي " عبدالله بن ناصر الخريف " وأسهب فيها حديثا عن عزلة عُمان على المستوى السياسي وسرد عن محايدتها في قراراتها على خلاف باقي الدول المحيطة ومن هذه السياسة نشأ مبدأ العزلة العمانية ويؤكد الكاتب في سطور مقالته : " ولم تلفت عُمان النظر إليها مؤخرا إلا بعد عاصفة جونو التي ضربت سواحلها ولفتت وسائل الإعلام لها حتى أن هذا الموضوع أثارني حينما قرأت في البي بي سي العربية : الإعصار يضرب الدولة الصامتة ..! "

ومبعث استدعائي لهذه المقالة الآن تحديدا هو أنني منذ فترة قريبة كتبت بعض عبارات تتناول الواقع العماني وكنت عادة اكتب " ُعمان " بدون " سلطنة عمان " كاختصار حين تخذلني 140 حرفا وفق نظام " تويتر" التغريدي وكانت تردني تعليقات من بعض الإخوة في دول الخليج والدول العربية وعلى رأسهم أهل الأردن ، ولكن ما فاجأني حقا أن ردودهم لا تتعلق بعُمان بل تتعلق بعمّان عاصمة الأردن إلى أن تم ّ استيعاب الوضع بأن معظمهم كان يعتقد أنني اعني بالفعل " عمّان " عاصمة الأردن وليس " ُعمان " رغم الضمة على العين ظاهرة..! وعندما تم التوضيح أن عُمان المعنية هي سلطنة عمان تفاجئوا من فكرة أن يكون فيها اعتصامات أو حتى مطالبات شعبية مبررين دهشتهم أن عمان دولة مسالمة ..! والأمر لفت نظري فقمت بكتابة توضيح بالعبارة التالية : " هناك أمر غريب عندما اكتب لفظة " عُمان " أو " عُمانيون " يعتقد كثيرون أنني أعني " عمّان " عاصمة الأردن : ألهذه الدرجة " عُماننا " بـ_الضم _ معزولة عن العالم ..؟! " ..

واستقبلت العبارة ردودا كثيرة في الفيس بوك والتويتر وردود وصلت بريدي الخاص وتفاوتت وجهات النظر ؛ فعزمت أن أعرض تلك الآراء في هذه المقالة وقد صنفتّها إلى آراء عمانيين داخل عمان وغير عمانيين المقيمين فيها وقسم يتناول آراء إخوتنا في الدول الخليجية والعربية وسوف استعرض بعض هذه الآراء التي تتفاوت في الرؤية وتعرض بعضها أسباب ..

 وتهجم الأسئلة دفعة واحدة : هل فعلا سلطنة عمان منعزلة ..؟! هل هذه العزلة في صالحها ..؟! هل زمن اليوم يتصالح مع هذه العزلة ..؟!

بالنسبة للآراء العمانية وهي متفاوتة ومصنفّة إلى قسمين .. فالقسم الأول يرى أن " عُمان " ليست منعزلة إنما هناك حاقدون على وجوههم غشاوة بها سلبيات ينقبون في أتفه الأسباب ؛ وهؤلاء الذين نبذوا فكرة عزلة عُمان استعرضوا تاريخها القديم وحضارتها ومدى تأثيرها الفعّال في العديد من القضايا الخليجية والعربية .. بينما يرى القسم الآخر من العمانيين أن " ُعمان " بالفعل دولة منعزلة وهذا هو الوضع الذي يجعل من " العزلة " " أزمة " فلو تحدث عماني في وسيلة إعلامية غير عمانية يتهم بالخيانة و" نشر الغسيل " وبالعبارة : " يبجّلون العزلة ويتهمون غيرهم بالخيانة والأجندة " لأنه تحدث عن مآسي وطنه في الخارج ..! وهذا الرأي يقرر أخيرا بأن عُمان وأهلها يحتاجون إلى قليل من الثقة وقليل من الانفتاح ؛ فمن غير المعقول أن يعّد الانفتاح خطرا على عُمان ..!

مجموعة من العمانيين أعلنوا إلى أن مبعث وجوب الخلط ما بين " عُمان " و " عمّان " يعود إلى إسقاط حركة الضمّ على العين ؛ ولكن إحدى الآراء العمانية عرضت أمرا مهما بعيدا عن إشكالية الحركات الإعرابية فصاحبة التجربة تقول : " اذكر مرة عرض لأحد الحكام الأجانب بالتحكيم في مباريات خليجي 19 والتي أقيمت في عُمان يومها ، عندما وصله الخبر ذهب إلى الإنترنت وبحث في خارطة العالم وهو يسأل : أين تقع عُمان ..؟! وأنهت قولها المذكور باستنكار مستفهم : " هل وطني منعزل ..؟! لم أنس هذا الموقف لسنوات ..! " وثمة رأي آخر يساند الاستشهاد أعلاه ويرى أن " عُمان دولة ضمت لسنوات ولم تفتح " لدرجة أن كثيرين تأتي إليهم عقود للسلطنة فيترددون بقبولها ؛ والسبب عائد إلى كون عُمان منعزلة ولا يعرفون عنها شيئا واتبعت رأيها بتساؤل : ترى ما الأسباب ؟!

أما الإخوة العرب المقيمين في عُمان أو الذين أقاموا فيها ردحا من الزمن ثم غادروها وصفوها بالبلد الجميل وذا ثقل تاريخي أصيل ولكنهم شاطروا في فكرة أن عُمان لا ينقصها سوى مسألة " حريات " !

بينما يرى أبناء دول الخليج وبعض العرب أن عُمان دولة محايدة وتعيش بسلام وهؤلاء صرّحوا  بأنها من أهدى دول الخليج ، بينما اتفق آخرون أن عُمان منعزلة كأخبار وسياسة عن العالم وأصحاب هذا الرأي اختلفوا في إيجابية وسلبية هذا الأمر ؛ فالإيجابية في كون العزلة يجنبّها الكثير من المشاكل هي في غنى عنها ، بينما ذهب آخرون أن العزلة العمانية لا ترتقي بمستوى دولة لها وزن تاريخي عريق وأن عليها أن تشارك في القضايا الدولية بما يوافق ثقلها .. وهذا يتوافق مع رأي متسلسل عرضه أحد الإخوة الخليجيين حيث ذهب إلى أن ترشيح فكرة الانعزال لم تأت من فراغ ؛ لأننا حين نضع الإمكانيات في كفة والمكانة في كفة سنجد أن عُمان لم تأخذ مكانها الصحيح ويضيف قائلا : " الانعزال ليس له علاقة بالماضي المشرق أبدا ولا ينتقص من عُمان الدولة لكنه يضع أكثر من علامة استفهام أمام كل محب لعُمان ..؟! "

وفريق ثالث ذهب إلى أن عٌمان ليست بمعزل عن العالم ولكنها بمعزل عن الضجيج الإعلامي والمهاترات التي لا تنتهي ..! ورأي أخير اختصر مفهوم العزلة العمانية في عبارة : " عُمان ليست منعزلة ولكن فكرة الانعزال راسخة في الأذهان " ..!

إلى هنا ننتهي من عرض مجموع الآراء الذين تفاوتوا في تحليل مفهوم العزلة العمانية ، أما أسباب العزلة فتبايت هي الأخرى ؛ فمن اتفقوا على عزلتها ذهبوا إلى أن مبعث العزلة العمانية على مستوى السياسي يعود إلى خوضها حروبا وصراعات داخلية أنهكت قواها في الماضي وجعلها تنشغل ببنائها الداخلي خاصة وأن عُمان استقبلت الثورة النفظية متأخرة ..

وهناك من شجب العزلة على المستوى الديني بأن مذهب الأباظية صنع عزلة متفردة عن الآخرين .. وهناك من قدّم أسباب اجتماعية كطبيعة الملبس واللهجة ..! وجاءت هذه الأسباب جامعة عند البعض..!

كل الذين تناولوا مفهوم العزلة العمانية لم ينطلقوا من مبدأ تاريخها العريق ولا أخلاقيات العمانية المعروفة ؛ فتاريخها مشهود ومتفق عليه ولا يحتاج إلى عرض ولا الخوض فيه ، بل هي عزلة ارتكزت على مبدأ المحايدة وعزلة قلّصت من دور عمان الدولي وذلك تبعا لسياسة الهدوء والنأي عن الضجة الإعلامية التي تفتعلها باقي الدول وتثيرها ؛ فالأغلبية متفق أن عُمان لها دور إقليمي ودولي لكنه مشوب بالهدوء ؛ فهي تطرح قضاياها واقتراحاتها بهدوء كما جاءت .. والسؤال هنا : فهل الخطأ في هدوء عُمان أم الخطأ في تضخيم ضجة الآخرين عبر سلاح الإعلام ..؟! لا شك أن هذا العصر يحتمل الضجة أكثر مما يحتمل الصمت .. وأيضا زمن اليوم هو زمن الشعوب وليس زمن السلطات المطلق بينما مازالت السلطات على حالها العتيق فهناك دول قد تكون في معمعة الأحداث على مستوى سلطات ولكن على مستوى شعوبها فهي تعزلها عن المشاركة في تلك الأحداث كـ" الصين " التي منعت الفيس بوك والتويتر واليوتيوب..!

وهناك سلطات يتفاعل شعبها مع الأحداث الخارجية ولكن حين يحركون الراكد من الشؤون الداخلية لأوطانهم ؛ فإنهم يعتقلون وهذه سياسة متبّعة في دول الخليج أما العربية فلها شأن متفاوت بعد ثورات الربيع ..!

وهناك سلطات تحرص على منظومة مشاطرة الشعب في قضايا الوطن من نواحي معينة وفي الوقت نفسه لها تحفظات قمعية في إظهار صورة الوطن على حقيقته خارج حدود الوطن ..!

ما أكثر سياسات السلطات وتبقى مشاركات شعوب الخليج في شؤون السلطة محدودة ؛ فجميع السلطات تتفق على سياسة رفض التام للتدخل الشعبي في موجب أحكامها الوراثية وكسر مبدأ القبلي وانتفاء معنى الترشيح والانتخابات في هذه الدول على كرسي السلطة ..!

أما في سلطنة عمان فالسياسة كما أعلنها السلطان "قابوس بن سعيد" في خطابه بعيد النهضة الأربعين في عام 2010م بنبرة واضحة حين قال : " ومن المبادئ الراسخة لعمان التعاون مع سائر الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل في شؤون الغير وكذلك عدم القبول بتدخل ذلك الغير في شؤوننا " ..!

هذه سياسة السلطة العمانية ؛ فهل تنطبق هذه السياسة على كافة الشعب العماني ..؟! في المقالة القادمة لنا حديث في هذا الشأن ..

ليلى البلوشي


الاثنين، 18 يونيو 2012

ركب الفوضى حصان الحريّة ..ّ



ركب الفوضى حصان الحريّة ..!



الرؤية / البلد

شاهدت فيلما يدعى " المغول " وقد سلط الضوء على سيرة المغولي الأشهر " جنكيز خان " مذ كان طفلا إلى أن أصبح قائد قبائل المغولية وموحدها الأعظم .. " جنكيز خان " الذي حالف نصف سكان العالم تحت إمرته قبل القيام بمهمة ضم قبائل المغول تحت سلطة ومملكة واحدة استاء من تغيير سلوك المغول وتجاوزاتهم لعديد من القوانين منها قتلهم للنساء والأطفال ؛ فذهب إلى جبل يسكنه إله لهم ؛ ليتعبد رابضا داعيا بقلب وجل أن يمنحه الإله القوة ليسن قوانين يحفظ بها تاريخ المغول عبر امتداد الزمن ؛ فـــــــــ" جنكيز خان " كان يؤمن أن " القوانين " وحدها هي من توّحد الشعوب وتحفظ لها تاريخها ..

قيادة الشعوب ليست بمهمة سهلة وليست مطمع لجمع الثروات أو للتزعم على الشعوب والتنكيل بهم كما ألفنا في عوالمنا العربية بل هي بلورة القوانين والقواعد التي تدفع عجلة التطور وتحفظ للأفراد كرامتهم وتوسّع الحريات المسؤولة وتضيّق الفوضى التي ينجم عنها الخراب كما ذهب المفكر الإنجليزي " جون لوك " : " غاية القانون ليس منع أو تقييد الحرية، بل حفظها وتوسيعها " وذلك في ظل رجل حكيم هدفه الأسمى هو خدمة الوطن والشعب ولنا في الأثينيون القدوة الحكيمة مع " سيدون " الذي أجبروه أن يضع لهم قوانين فاشترط ألا يقوموا بتغييرها لمدة 10 سنوات .. ووضعها ثم خرج لرحلات في مصر وغيرها لكي يفرض عليهم الالتزام بالقوانين ولا يجدون وسيلة لتغييرها في غيابه ؛ وبذلك عكف الناس على تقبل هذه القوانين والالتزام بها وهي التي جعلت اليونان منارة ونموذجا يحتذى به ..

ما يحدث في عالمنا العربي هو مرحلة مخاض طالت حتى يخال للمرء أن الولادة الجديدة التي يترقبها الجمع لن تأت ؛ وما ذلك سوى تفلّت الالتزام بالقوانين وذلك من قبل بعض الأفراد وقطاعاته في المجتمع .. إما لأنها قوانين تعسفية يقوم بعض الجهات فرضها بما يضيّق من نطاق الحريات الفردية وخصوصيتها في التعاطي مع الحياة ولهذا تكون مثل هذه القوانين خارج منظومة الالتزام غالبا ؛ وإما لأنها قوانين تفرض على جماعة ويترك الحبل على الغارب لجماعة أخرى مما ينجم تظلمات وترتفع نسبة الحساسيات العنصرية بين الأفراد في المجتمع الواحد ..!

 هذه الفوضى تعيث حاليا وتزعرع كيان الشعوب والأوطان في الأرض الواحدة واختلطت الأصوات النبيلة والهمجية مشجبين مطالبهم على الكرامة والإنسانية والعدالة وكل ركب حصان الحرية دون أن يعي وجهته وتاه صوت الكرامة الحقيقية والعدالة الحقيقية والإنسانية الحقيقية ؛ فهناك من ركب على أكتاف جهودها ونبل مطالبها ..!

الفوضى وعدم سن قوانين جيدة تشمل الجميع بلا محسوبية ولا شللية ولا قبلية ولا حزبية ولا مذهبية ولا تلكم العنصريات المغرضة ولا تلك التي تتعدى الخصوصية الإنسانية وتدفنه في زجاجة ضائق فيها كل شيء حتى الأكسجين .. حينها فقط ستكون أوطان عوالمنا العربية بخير وسلام أبدي وحينها سوف يعرف جيدا حصان الحرية وجهته ..!



ليلى البلوشي


الأربعاء، 13 يونيو 2012

لعبة " التكفير " ..!




لعبة " التكفير " ..!


 

جريدة الرؤية العمانية



أنت " كافر" أنتِ " كافرة " .. ثقافة مستحدثة مبتدعة يستخدمها كل متشك في إيمانه ليبررها في طعن إيمان الآخر كتهمة تنفض عنه شكّه ..!

أنت " كافر " أنتِ " كافرة " .. توجه فردي يقذف في وجهك فتصنّف بها لأنك خالفت الآخر في رأيه ؛ كلمة يطلقها أحدهم تخرجك من ملّة الله عزوجل لأنه لم يفهمك ، لم يحاورك ، لم يسمعك بل لمجرد أنه اقتنع بكفرك بلا شواهد على هوى تفسيره ..!

علمونا ونحن - صغار - في المدرسة في مادة " الدين " أنه لا يجوز أن نصّف إنسانا مسلما بأنه " كافر " ومذ يومها استهجنتها حتى لــــــ" كافر " ..!

في الآونة الأخيرة تفشت ظاهرة " التكفير " وهي ظاهرة خطيرة خاصة إذا أطلقها مسلم على آخر بلا أدلة وشواهد ثابتة تدين الآخر ؛ وقد نهى ديننا الحنيف عن ذلك وقد وردت نصوص قرآنية وأخرى أحاديث نبوية .. ففي كتابه قال تعالى : " ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا " وسبب نزول هذه الآية أن صحابيا قتل مشتركا قال لا إله إلا الله عندما هم ّ بقتله ، فبلغ ذلك الرسول – صلى الله عليه وسلم – فغضب وقال : " ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله " ترجم له البخاري .. وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : " إذا قال المسلم لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما " رواه البخاري بلفظه ..

يغيب عن الكثيرين مخاطر وتبعات تكفير إنسان بلا ضوابط كاشفة كالشمس نتائج لا تحمد عقباها على رأسها إباحة الدم والمال وفسخ عصمة الزوجية وامتناع التوارث وعدم الصلاة عليه ومنع دفنه في مقابر المسلمين ..!

لهذا حدد واجتهد العلماء في بيان ضوابط التكفير على المعين حسبما تظهر أدلة ثابتة وواضحة ومن ذلك :

1 – لا تكفير إلا بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة ؛ والمقصود بالمعلوم من الدين بالضرورة النص يقيني الورود من الله تعالى والرسول عليه الصلاة والسلام القطعي الدلالة ولا يحتمل التأويل .. ويقول الشوكاني في هذا : " اعلم أن الحكم على المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار " ..

2 – التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع ؛ ويروى أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لعن شارب الخمر على العموم ولما جلد رجلا شرب الخمر قام رجل فلعنه ؛ فقال عليه الصلاة والسلام : " لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله " فهنا وجد الرسول الكريم المانع من اللعن العام هو محبته لله ورسوله  -رواه البخاري ..

3- التمييز من الكفر الأكبر " الاعتقادي " والكفر الأصغر " العملي " والكفر الأكبر الاعتقادي هو إنكار أصل من أصول الدين والكفر الأصغر العملي هو المعصية ..

4 – العذر بالجهل .. كما قالوا بعدم تكفير من جهل إن قوله هو كفر ودليل ذلك في السنة قول – صلى الله عليه وسلم – : " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " ..

أما عن تكفير حرية الرأي وحرية الفكر ؛ فهو حديث ذو شجون وهو دأب مرير ذاق ويله العلماء المسلمون منذ الأزمان مبعثه عدم فهم المقصد أو اعوجاج رأي حول فكرة ما ومبتغى المعنى ؛ ولغة التفاهم الوحيدة معهم هي التكفير والقمع والنفي والتعذيب وهلم جرا والمفروض قبل الحكم الاستماع والتحاور والنقاش حول المعنى والفكرة والمفروض النصيحة والأخذ باليد إن وجد الذنب فمنهج ديننا هو التسامح ؛ لكن لا تجري الرياح كما تشتهي السفن .. وعلى سبيل المثال لا الحصر تحريضهم على قتل الطبري وصلب الحلاج وحبس المعري .. وسفك دم ابن حيان ونفي ابن المنمر وحرق كتب الغزالي وابن رشد والأصفهاني .. وتكفير الفارابي والرازي وابن سيناء والكندي والغزالي و السهروردي الذي قضى نحبه مقتولا .. ولم يتوانوا لحظة عن قطع أوصال ابن المقفع ثم شويت أمامه ليأكل منها قبل أن يلفظ أنفاسه بأبشع أنواع التعذيب .. والجعد بن درهم مات مذبوحا وعلقوا رأس أحمد بن نصر وداروا به في الأزقة وخنقوا لسان الدين بن الخطيب وحرقوا جثته وكفروا ابن الفارض وطاردوه في كل مكان..!

وكما قال " الكواكبي " : " ألفنا أن نعتبر حرّية الفكر كفراً " ..!

ليلى البلوشي

الاثنين، 4 يونيو 2012

صيني مع شاي كرك وهندي مع شاي أخضر ..!



صيني مع شاي كرك وهندي مع شاي أخضر ..!



جريدة الرؤية العمانية



حين تكون في مدينة دبي يتعاظم فيك إحساس بأنك في كل الأماكن وهذا ما أشعر به دائما حين أكون في دبي .. وهي مدينة تتميز في كونها تجامع تحت سقف واحد مختلف الثقافات والحضارات لدرجة يصعب على المرء التمييز بأنها دولة خليجية بل هي خليط سكاني متعدد الفكر والثقافات والهويات وفي مثل هذه المدن يقابل المرء العجائب وتجتمع أمامه الدهشات ويجد نفسه متعاطيا ومتلقيا ومستمتعا بها ومعها ..

ومن الغرائب التي استوقفت نظري أثناء تواجدي في هذه المدينة هو تعاطي الناس ببساطة مع كل ما هو مختلف ومع كل ما لا ينتمي إلى ثقافتهم ؛ ففي " دبي مول" رأيت رجلا من جنسية هندية يتأمل على إحدى المقاعد الفراشات الصناعية البيضاء التي تتدلى كأسراب من قبّة السقف بينما يحتسي بهدوء راهب شايه الأخضر .. وحين عرجت على " سوق التنين " فاجأني صيني يحملق في جهاز الآي باد وهو يأكل شطائر الجبن مع كوب شاي كرك كبير ..!

ورأيتني أتساءل : ترى هل ما رأيته هو " تمازج ثقافات" أم أنه " تصادم حضارات " ..؟!

لا شك أن الانفتاح الذي يحياه العالم اليوم أحدث انقلابا هائلا في الأفكار وفي تعاطي الثقافات بمختلف أنواعها ، دون أن نشك لوهلة أن هذا التطور يكاد يساوي بين جميع الدول فــ" لندن " كــ" دبي " والصين" كــ" الهند " من هنا تشكلت هوية مختلفة يتعاطى منها ومعها الجميع دون أن ننكر الحذر السائد في عملية التعاطي ، فكما هو معروف دائما العالم الغربي منفتح بشكل أكبر وأعمق على كل ثقافة جديدة تحمل معها تحديات واستحداثات جديدة ؛ فالشعب الغربي يقبل على المغامرة بهدف اكتشاف لبّ المغامرة نفسها ومراكمة معرفة جديدة على رصيدهم المعلوماتي ؛ على نقيض الشعوب العربية التي كانت في موضع متوجس ومتفرج ومن ثم متلقي حذر ومعظم الإقبال على الوسائل المستحدثة بقي لزمن بتسويغ تقليد أعمى ونتاج إشباع فضول من ناحية أخرى ..

ولكن حاليا الثقافة العربية أخذت تقبل باندفاع حقيقي وواضح على مختلف الفكر والثقافات  لارتفاع منسوب الوعي والنتاج المعرفة والرغبة في التلقي .. دون أن ننكر أن مع انفتاح الحضارة الإسلامية بدأ يتدفق خوف من قبل أوروبا في استقبال كل ما هو عربي لما يحمله من نظرة إسلامية بدأت تكتسح دولهم نتيجة هجرات العرب والمسلمين ..

لعل توجس الحذر للأمم من الانفتاح عائد إلى تفاقم الشعور من فقدان ماض عريق بالأصالة أو إسقاط لقيم نبيلة يتمتع بها تاريخهم ؛ وهذا ما عانته اليابان حين انفتحت بعد خسائر الحرب على كل ما هو مستحدث وأمريكي توجس معظم كتابهم ودعاتهم من هذه الخطوة الجريئة في التعاطي مع هويات أخرى وهذا ما دعا أديب عظيم بحجم " يوكيو ميشيما " إلى الانتحار لاستعادة الروح اليابانية النبيلة نتيجة انجراف اليابانيين خلف العولمة ..!

لكن انفتاح اليابان تسامق بمكانتها عاليا كدولة صناعية كبرى وذات هيمنة اقتصادية ؛ فهي عرفت جيدا كي توازن ما بين معطياتها العريقة كإمبراطورية وما بين روح العصرنة والحداثة وحققت ذلك بجسارة دون خوف أو وجل ..

على نقيض فرنسا ؛ فمعظم الفرنسيين باتوا لا تثيرهم الوسائل الحديثة ذاك الاهتمام كالعولمة والانترنت وذلك ناجم عن خوف أن هذا سوف يؤثر على مكانتهم وثقافتهم ولغتهم فهم يرون أن العولمة مرادفة اليوم للأمركة ؛ لهذا يمتعضون من افتتاح مطعم للوجبات السريعة في حيهّم .. كما أنهم حانقون على هوليود والـNNوديزني والميكروسوفت وغيرها من أشياء ليست من أصول فرنسية ..!

هنا الحداثة تغدو مثار شبهة حتى في بلد مزدهر ومتطور كفرنسا ؛ فدولة كعراقة تاريخ فرنسا تخشى من فقدان هويتها أمام تحديات هويات أخرى بدأت عن طريق الانفتاح العولمي تحتل حدودا وتصل لآفاق شتى ..

عصرنا يشهد تحديات عديدة والإنسان كائن متحول ومتغير في طبائعه وذوقه وفكره وثقافته فإذا ما كان الهنود أصبحوا يفضلون الشاي الأخضر والصينيون استعاروا منهم الشاي كرك هنا تظل المسألة حاصرة في منتج واحد مختلف في مذاقه وطريقة إعداده ولكن أن ينكّب الفرنسيون على الموالح والهريس والبرياني بالمقابل العرب يهجمون على أفخاذ الضفادع المشوية ونودلز الأندومي فهنا المسألة تكاد تكون غريبة ومدهشة ودمج وتلاقح حضاري عميق ..

واتفق مع ما ذهب إليه " أمين معلوف " في كتابه " هويات قاتلة " حين قال : " إن الانقلابات التكنولوجية والاجتماعية التي تحدث حولنا تشكل ظاهرة تاريخية ذات تعقيد واتساع كبيرين ، يستطيع كل فرد أن يستفيد منها ولا أحد قادر على السيطرة عليها ولا حتى أمريكا .. "



وللروائي التركي " أورهان باموق " رأي عن التصادم الحضاري عبّر عنه بقوله : " أنا لا أؤمن بالصدام بين الحضارات ، فأنا أؤمن بالوئام والتواصل بين الحضارات ، فالثقافات دائما متداخلة وهذا هو الثيمة الأساسية لكتبي " ..

وأضيف أخيرا : من الجميل أن نحيا تنوعنا دون أن نفقد ذاكرة أو كرامة ..



ليلى البلوشي