السبت، 24 مارس 2012

فصول في نساء " إشراقة " ..



فصول في نساء " إشراقه" ..


جريدة الرؤية العمانية

" تناهى إلى عيوني دمع البنات ، نساء في أعمار مختلفة التقيتهن أثناء يومي العملي ، هل حدث أن أخذت قلبك كل يوم في يدك ، انتزعتيه ومت لثواني ثم عدت بعد أن رأيت نور الله.؟! "
عبارة اختزلتها الشاعرة والكاتبة السودانية المقيمة في فيينا الدكتورة " إشراقه مصطفى حامد" العضوة فاعلة في منظمة الاتجار بالبشر ॥ هذه الإنسانة المنطلقة في خدمة البشرية في كل مكان يمكن اختصارها بــــــ امرأة في مجموع إنسان ، في جوفها ملايين الحكايات معجونة بوجع الحياة ولذتها ، فهي جنّدت روحها الإنساني المؤتلق للمرأة من وجوه عدة وتبنت مشروعا حياتيا مهما بدأته وما يزال الدرب يفيض لها بوجع مفرط ..
فتجارة " الاتجار بالبشر " أو كما تسميها الدكتورة " إشراقة "مافيا الجسد " هو درب يفضي إلى أوجاع مريرة وحقائق تدمي القلب وتغرس دبوسا حادا في ضمير الإنسانية عن ملايين من النساء معرضات وبشكل يكاد يكون يوميا لشتى أنواع العنف والاستعباد والاستغلال والتشييء كيفما يحلو ويلتّذ لأصحاب المتاجرات في سمسرة أجساد النساء ..!
تعرض هذه المقالة حقائق تصفها لنا الدكتورة " إشراقة " المختصة في شؤون الاتجار بالبشر وتسرد فيه بعض من معاناة تلكم النسوة اللاتي تعرضن للعنف الجسدي والنفسي تصف فعلها اليومي في حضرة العنف المستبد : " بؤس العالم الذي ظل يملؤني عقب كل مواجهة مع حالة تقتلني ألف مرة وتبعث فيني الحياة مليون مرة وتوبخني وكأنني المسيح المنتظر لانعتاقها لم أرى في حياتي نساء في مثل قوتهن واستعدادهن للتغلب على كل المرارات التي تعرضن لها " ..
ثلاث بنات على بحر من دموع وبقايا أغنيات ؛ كما تصفهن الدكتورة " إشراقه " وتسرد حكاية الدمعة الأولى تدعى " مانجوت " كانت تغني وهي منكفئة على سرير وبقية جسدها على الأرض ، يشترك تقاطيعها وصوتها مع ذات الحزن ، كانت تصلي وتتلو بلغتها الأم أغنيات فاتحة كل أبواب الظلم وقسوة الزمان ثم تصاعد هذا الغناء إلى بكاء يغرق الغرفة التي شهدت ما شهدت من أحزان هذه الفتاة التي وجدت نفسها في وضع لا يحسد عليه فقد أخبرتها " الكوين " المسؤولة ولاسمها هذا مغزى فهي ملكة في اضطهاد بنات جنسها ، أخبرتها أن تعد نفسها ، أن تمسح دهانا لامعا على شفتيها
المتشققات نتاج فقر وعليها أن تتقن أفعال يحبها الرجال في هذه البلاد ، لكن حينما أبت " مانجوت " مطالبها ومقاصدها كانت اللغة الوحيدة المتداولة في تلك العوالم هي لغة الضرب المبرح والتلويح بحديدة صدئة تسلخ جلدها إن لم تذهب إلى شارع الاستعراض ولائم يتحاباها رجال مخمورين ومحبطين يبحثون عن لذة مؤقتة وتلك الصورة النمطية عن المرأة الإفريقية ، تصف الدكتورة وضعها الوجودي ثم تسرد تراتيلها النفسية عليها علّها تجد بقايا روح : "كانت أول الضحايا التي علي رعايتها ، والخروج بها إلى بر الأمان ، قدمت لها قبلهذه الفاجعة إرشادات فيما يخص وضعها القانوني ، إقامتها ، دورات اللغة وأحلامها أن تصبح ممرضة "
كل مفردات الفجيعة تتعنف في روح " مانجوت " ففي شجن الذاكرة تسترجع صور عدة هناك في الخرطوم خوفها الأعظم من ذلك القسيس البلدي الذي أقسمت أمامه على قدح عليه ماء ساخن وسكين حادة أن لم تعد مبلغ رحلتها إلى أوروبا وتطيع سيدتها في كل صغيرة وكبيرة فلها أن تهيئ نفسها لسكين يلاحقها أينما كانت ..
وبعد أن قامت الدكتورة " إشراقه " مع شابة أوروبية تعمل كشرطية في قسم مكافحة جرائم الاتجار بالبشر بالقيام بالإجراءات اللازمة واحتضان " مانجوت " ووضعها في أيد أمينة ؛ ولكن لا فكاك لها فقد هددت باغتيال أمها وأخوتها إن صرحت للسلطات بكلمه فغابت عن الوعي ..
كما لا فكاك للدكتورة وفريقها الإنساني فبعد الانتهاء من مأساة " مانجوت " استلمتها مأساة أخرى حيث اتصل بها الضابط المسؤول في مكافحة الاتجار بالبشر من مدينة أخرى وكان عليها أن تذهب وتشهد انهيار أحلام " انديرا " تحت أقدام الشيوعية في روسيا القديمة ونتاجها كان ملايين نساء اللائي تعرضن لمافيا الاتجار ..
" خرجت وتركت الشارع يئن تحت وقع أقدامي ، مشيت كثيرا ॥ كنت منهكة وبي تدي بأني سأبقى في هذه الوظيفة وسأبقى فهناك بنات أفريقيات ، آسيويات ، وشرق أوروبيات وعربيات يحتاجنني ضمن فريق المؤسسة التي تعمل في هذا المجال من خمسة وعشرين عاما دون كلل أو ملل وبأفق سياسي يتناول صراع الشمال مع الجنوب .."
وتمضي الحكايات النازفة التي توجع صميم القلب فها هي أنثى أخرى تدعى " إنجيلا" و تسرد مأساتها الدكتورة " إشراقة " في معزوفة حزينة ॥ هي تلك التي تتحدث السواحلية وفي عينيها تبرق أحلام تكسرت ذات رحلة طويلة من صحراء إلى
بحر إلى ايطاليا إلى شاحبة الوجه ॥ دامعة العينين قالت إنها حامل .. ذات 19 ربيعا الذي غدا مع الحبل غير الشرعي خريفا شاحبا ॥ " انجيلا " الطفلة ولا تريد الاحتفاظ بثمرة تكبر فتغدو حالها كحالتها إن لم تكن أسوأ ، كان عليها أن تجد
وسيلة للإجهاض أو تقوم بوضع الطفل في أقرب مستشفى ولمن لا يريد الاحتفاظ بالطفل فما عليها سوى الضغط على زر كهربائي وسيخرج لها سرير للوليد معّد بكل ما يلزم عليها أن تضعه وتذهب في حال سبيلها وتقوم الدولة برعايته إلى أن يعرف دربه ويعتمد على ذاته ॥ فأجهضت بسهولة وبعد يومين اقتيدت وهي منهارة إلى مشفى الأمراض النفسية والجوع كان يمزق أحشاءها بمعدتها لم تستسغ الطعام الأوروبي وكانت ترجو في الحصول على وجبة عصيدة الأفريقية ..!
ثمة صراع يتآكل في قاع الدكتورة إشراقة ما بين وظيفتها وما بين إنسانيتها تجاه أولئك النسوة المقهورات وهو صراع يمتد إلى أعمق جوف في الحنايا فتقر بذلك : " صور البنات الضحايا تلاحقني في صحوي ونومي ॥ في المكتب ، في المطبخ ، في الحضانة ، في المدرسة ، في الشارع ، في العمل العام ، في السياسة وصوتي يعلو ॥ صوت لأجل مهاجرات ومهاجرين .."
إنها ليست واحدة أو اثنان أو عشرة بل أكثر من تسعين امرأة عايشت الدكتورة " إشراقة " تاريخ صراعهن الفضفاض في حياة ضيقة ومظلمة أشبه بزجاجة متفحمة فرغ فتيلها॥ بعضهن تمرّس المهنة وغدت كـــ" كوين " التي امتهنت الوضع ووجدت في تنكيل بنات جنسها إطفاء لحريق الروح .. وبعضهن فنت أجسادهن من حرارة الروح مجرد "دمى " محشوات باليأس وقليل منهن من وجدت استقامتها بيد حانية انتشلتها من مستنقع مرعب وبفضل قلب مضمّخ بشرارة استحقاقهن لحياة كريمة كبشر أسوياء ..!
ويبدو أن صراع المرأة ممتد ما امتد تاريخ البشرية ، نساء ولدن من رحم المرارة والحنق والقهر خاصة في مجتمعات العوز والفاقة والمرض ॥ هل لأن جنسها أنثى فقط ..؟ تساؤل اطرحه وأنا اذكر عبارة قرأتها عن المرأة على لسان " ممدوح عدوان " حينما تحدث عن ورطة الإنسان الأعزل في كتابه " حيونة الإنسان " : " وثمة من قال إن السائر في الليل في شارع خال قد يحس يشعر بأن هناك خطوات تتبعه وأسباب هذا الخوف عديدة ، وهي مشتركة بين الرجال والنساء ولكن يضاف هذه الأسباب سببان متعلقان بالمرأة وحدها : الأول هو الخوف من خطر التعرض للاغتصاب والثاني لمجرد كونها امرأة
" ..!
وقريب من هذا دون شك ما أكده الكاتب الساخر " جلال عامر " – رحمه الله – : " مجتمع لا يهمه الجائع إلا إذا كان ناخبا ولا يهمه العاري إلا إذا كان امرأة " .. !
لكن د। " إشراقة " من أولئك النسوة اللاتي وقفن في الفجوة وهتفن بجسارة : أنا هنا أحاول أن أنقذ العالم ॥ نداء تبنّته بيقين عميق طوال تلكم السنوات الطويلة للحنايا المغتصبة والتائهة والمكسورة ..
نداء إنساني - ما من شك - يحرّض على ولادة الشمس في حقب الظلام يوما ما ..

ليلى البلوشي

الأحد، 18 مارس 2012

الطفل قريبا من القصة والشعر بعيدا عن المسرح والسينما ..!



الطفل قريبا من القصة والشعر بعيدا عن المسرح والسينما ..!*


جريدة الرؤية العمانية

حكت لي مرة صديقة وهي تعمل في مجال التدريس أن بعض مدارس اليابان تقود الأطفال إلى غرفة كبيرة في كل ناحية من نواحيها أشياء مختلفة تحاكي مواهب عديدة ، وحين يدخل الأطفال إلى اللغرفة الكبيرة كل منهم يسير من تلقاء نفسه إلى الأشياء التي يحب التعاطي معها ،
منهم من توجه صوب الأجهزة الالكترونية المحطمة وعكف على اصلاحها ومنهم من توجه إلى حوض استحمام وغطس فيها سابحا وآخرون تناثروا هنا وهناك كل مع موهبة قريبة من روحه..
كهذه الأفكار المصبوغة بالفكر الياباني الخلاّق غريبة عن مجتمعاتنا ؛ فمن خليجنا إلى محيطنا هناك فنّان متوحدان يكادان يختصرا عالم الطفل
كله ॥ هذان الفنّان هما القصة القصيرة والشعر .. و القصة القصيرة مصدر أدبي تثقيفي مهم جدا للطفل من أجل تنمية جوانب السرد لديه ، ويشكل جنيا إلى جنب مع الشعر ثنائيا محببا لقلوب الأطفال ॥ ولكن ما الذي جعلهما يحتلان الصدارة كمصادر تثقيفية في واجهة أدب الطفل ..؟!
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن القصة في بعض الأحيان تحل محل الكتاب المدرسي الذي يرفّه عن الطفل ، بل هو المهرب الوحيد المتوفر أمامه ليعدها وسيلة تسليته بموافقة الآباء ؛ فهم يطمحون بأن يكون أطفالهم على درجة من الذكاء ، وعلى قدر من المعرفة والثقافة .। وهم على إدراك تام أن ذلك لن يتأتى إلا من خلال توفير قدر من الثقافة المتوفرة لتحقيق هذا الأمل المرجو ، لهذا تكون القصص المنشورة هي بديل يقدمه الكبار لصغارهم من أجل تثقيفهم ، فبما أن الطفل يهرب من كتبه المدرسية ، إذن لا حل في رفع مستواه الفكري سوى من خلال ما ينشر له من فنون السرد والشعر ..
ولا عجب إذن أن تحتل فنون القصة والشعر المراكز الأولى من أهمية للطفل ، فهو لا يوفر ما يريده بنفسه بل إنما رغبات الكبار هي التي تفرض عليه ما ينبغي قراءته ، و" هنري ميللر " من الكتاب الذين أدركوا هذا الجانب حين حكى عن طفولته مع الكتب قائلا : " الكتب التي يقرأها المرء وهو طفل مفروضة عليه ، محظوظ الطفل الذي لديه أبوان حكيمان " ..
وبما أن القصص يمكن توفيرها بسهولة بغض النظر عن جودتها ، والشعر الغنائي تبرعت بعض قنوات الأطفال المذاعة للأطفال في انتشاره بينهم ॥ ولعل أشهر تلك القنوات هي " جزيرة أطفال ، mbc3 ، طيور الجنة ، براعم ، كراميش ، اسبيس تون ...إلى لا آخره " ॥ مما لا شك فيه أن الفضل يعود لمعظم هذه القنوات في إرساء شعر الأطفال وتمريره بشكل سريع بين هذه الفئات ، مع الإشارة إلى أن الطفل حين يمارس هذه الفنون يمارسها بجهد فردي ، فالآباء لن يضطروا حين يقدموا لطفلهم الذي يجيد القراءة والكتابة قصة بتبديد أوقاتهم لقراءتها له ، ولا أن يقضوا ساعات طوال أمام اللتلفاز مع أطفالهم وهو يستمعون للأناشيد المذاعة ، لهذا كانت القصة وكان الشعر بديلا سهلا التوفر وخاضعان لشروط يريدها الكبار ..!
بينما مسرح الطفل وسينما الطفل ظلما في منظومة رغبات الكبار؛ نتيجة حاجة هذين الفنيين إلى تكاتف الكبار مع صغارهم ॥ فالمسرح له مكان خاص يذهب إليه الصغير كي يشاهد ما يعرض على خشبته ، وكذا الحال مع السينما ॥ فهل الكبار سيخضعون لصغارهم حينئذ في عصر تسبقه مبرراته ..؟!
واذكر جيدا ضمن فعاليات الملتقى الأدبي للشباب في البريمي الذي صادف عام 2009م ، عرضت ضمن جدولة هذه الفعاليات مسرحية للأطفال و حين حضور العرض لم نجد إلا عددا ضئيلا جدا من الأطفال للأسف ..!
وهذا حال معظم مسارح الطفل في معظم الدول العربية ، ولكني استثني من هذه الحالة مسرح الطفل في الإمارات في موسم عرض شخصيات المسلسل الكرتوني " فريج " والمعروف بـ" أم خماس " على مسارحهم بعد أن كانت شخصيات كرتونية في الشاشة الصغيرة ..
وبشهادة الحضور المحتشد يومئذ اكتظت مقاعد المسرح حتى لم يجد الجمهور مكانا لموطئ قدم ॥ والسر ليس في اهتمام الكبار لرغبات أطفالهم بقدر اهتمامهم برغباتهم الشخصية ؛ لأن هذه الشخصيات حصدت قدرا كبيرا من الشهرة وغدت محبوبة بحيث ناهضت حافز الكبار قبل الصغار لمشاهدة عروضها ॥! هنا نشير إلى التظلم الذي يتعرض له الطفل العربي في كل مكان ، فهو طفل خاضع لقوانين الكبار ورغباتهم ..!
وهل هناك وعي كاف من المجتمع ناهيك عن دور المدارس الحكومية للأطفال ..؟!
قلة من يعي أهمية أخذ الطفل للمسرح وأقول " أخذ " عوضا عن " ذهاب " ؛ لأن الطفل عاجز عن الذهاب بنفسه والكبار هم الذين يبادرون لهذه المهمة..!
أوليس من الضروري على المجتمع أن يوّسع حلقات اهتمامه بالطفل في إرساء أهمية المسارح لدى هذه الشريحة ، هذا إلى أهمية دور المدارس في توفير مسرح لهم ، فمعظم المدارس لا تولي أدنى أهمية بتثقيف هذا الجانب عند الطفل ، بل يصل الأمر لحد التحجج باعتبار هذا الجانب مضيعة للوقت وللحصص الدراسية ، ولعل المعلمين لا ذنب لهم حين لا توفر المدرسة فسحا لممارسة مثل هذه الفنون ، في المقابل ترى المدارس إلى أن التقصير ليس منها ؛ لأن هيئات وزارة التربية والتعليم أقصى ما يهمها هو سير على خطط جدولة المناهج التدريسية ..!
بل إن معظم الأنشطة المطروحة للصغار هي نفسها درجت عليها الأجيال السابقة ، ويبقى التجديد فقط قاصرا على المناهج الدراسية ، متناسية هذه الهيئات أهمية الفنون الأخرى من الرسم واللياقة البدنية والمسرح والسينما وصحافة الطفل إلى أن تكون وسائل تطبيقية تساهم بشكل ايجابي كبير في تخريج جيل طفولي بنّاء يساهم في نهضة الوطن ..
فإذا كان الأمر كذلك فثمة بدلائل أخرى لغلق باب الأعذار ، فالمدارس من المفروض حين يتناهى إليها وجود عروض مسرحية مخصصة للطفل ، عليها أن تسعى إلى اقتناص هذه الفرص ، بتنظيم رحلات تشجيعية لمشاهدة عروض هذه المسارح من خلال استدعاء الصغار من مدارس مختلفة لهذه الفعاليات ، فهي في النهاية مقدمة لهم ، كمنهجها التشجيعي الذي تتبعه في تنظيم رحلات للطلبة إلى معارض الكتاب التي تقام في كل عام ، و بهذه الطريقة سننمي عند الطفل في هذه المرحلة المتقدمة من حياته أهمية وحب فن المسرح وضرورته ، وهذا يحقق عدة فوائد ، لعل
من أكثرها أهمية هو تشجيع ممثلي مسرح الطفل وعروضهم وتحسيسهم باهتمام المجتمع لما يقدمه ؛ فهنالك متابعين لهم من الصغار والكبار على حد سواء ، وهذا التحفيز بدوره ينشّط من الحركة المسرحية على ساحة الطفل في تقديم عروض على درجة من الأهمية والجودة وتفعيل أنشطتهم وفرز تنافسات بين المهتمين بعروض مسرح الطفل ، بل إن استيعاب الطفل لهذه الحضارية وتعويده عليها في كل مرة يعزز فيه الذائقة النقدية لما يقدم على شرفه من عروض مختلفة ؛ فالمسؤولية والحرية الكافية الممنوحان له يطور فيه التفكير النقدي حيث تتاح له فرصة لاستكشاف ما يجلب له الرضا والسعادة ..
ومن جانب آخر يمكن أن نتساءل : لماذا لا يسع الكبار في مسرح الطفل إلى تشكيل فرق مسرحية ، تقوم بعرض مسرحياتها على خشبة مسرح الطفل في المدرسة ॥ وهذا التساؤل هو دعوة بمثابة اقتراح قابل للتنفيذ من قبل لجان مسرح الطفل بالاتفاق مع المدرسة ..
والسينما فن حواسي يساهم بشكل جديّ في ارتقاء العقل ، فهي من الفنون التي تحاكي البصر والسمع وتدعم أخيلتهم بشكل فعّال ، ولكن الوعي المجتمعي ما يزال قاصرا عن أهمية كل هذا وهو قصور امتد إلى مدارس الأطفال ومن ثم إلى بيوتهم وعوالمهم ككل ..!
لكنه فن منسي في عقلنة الطفل العربي وليس هذا من الدهشة في شيء ؛ فنظرة بعض الآباء قاصرة له ॥ فهم يرون إلى اليوم بأن السينما فن معيب ويعرض ما يخدش للحياء ، وهذا خلق شعورا من التخوف في تلك العقليات الاسفنجية التي تمتص ببلاهة كل ما يتناهى إليها كحقائق واقعة ، وأشدد هنا إلى أهمية دور المدرسة في تحسين هذه النظرة واستبدالها من خلال توفير فرص للصغار بارتياد هذه الأماكن ॥ كي يكون فنا كأي من الفنون المطروحة له من حق الطفل أن جزءا من الحضور خاصة إذا ما كان الفيلم المعروض في شباك التذاكر يخاطبهم ॥ فكيف السبيل إلى إنشاء جيل من ممثلي المسرح والسينما على درجة عالية من الموهبة وهذه الفنون مذ نعومة الصغار مفقودة ، بل تعد فنونا
جديدة بالنسبة لهم ، لم يتعودوا عليها ، ولن يتقبلها معظم الناس كمواهب يمارسها أطفالهم رغم أصالة المبدأ ..؟!
إذن فلنعوّد صغارنا على فنون جديدة ॥ لنضّخ عقولا جديدة مسايرة لروح العصر ، مع التشديد على أهمية جودة ما يقدم له ، إلى جانب أهمية توفير قدر من الحرية للطفل في اختيار ما يريد دون تدخل من الكبار أو فرض رغباتهم عليه ، و هي من أبسط حقوقه لتكون له كينونة مستقلة ॥ ولا ننس قط إلى أن أطفالنا في دول الخليج العربي ، يعيشون في أجواء صحية ومستقرة على كافة الأصعدة وذلك كفيل بحد ذاته في خلق سمو
فكري سليم ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورقة قدمت في ندوة الطفل التي عقدت في البريمي تحت عنوان ( أدب الطفل واقع وطموح ) 12 / 3 / 2012م .

ليلى البلوشي
Lailal222@hotmail.com

الثلاثاء، 13 مارس 2012

شبيه البيه ..!


شبيه البيه ..!

جريدة الرؤية العمانية

" أشعر بفراغ كبير وكأن جزءا مني قد مات " ॥! العبارة أعلاه أدلى به " كيم يونغ سك " في حديث صحافي وهو شبيه الرئيس الكوري الشمالي الراحل " كيم جونغ إيل " ॥ ومبعث حزن هذا " كيم يونغ سك " هو أن وجود الرئيس على قيد الحياة كان مصدر رزق جيد له ، إذ شارك في العديد من الأفلام التي تتحدث عن الرئيس الراحل ، كما أنه شرع أمامه أبوابا عديدة كتمثيله إلى جانب رئيس الوزراء الروسي " فلاديمير بوتين " في إعلان تجاري للشوكولاته ॥ وفي اليابان شارك في مسلسل تلفزيوني إضافة إلى عمله في مواقع تصوير الأفلام في كوريا الجنوبية ، حيث كان يشارك في أفلام أدوار سينمائية ॥ ويبدو شعور من الإحباط قبضت على شبيه الرئيس الكوري الشمالي لخشيته من أن حياته المهنية في التمثيل قد شارفت على نهايتها بعد رحيل الزعيم ..!
ويبدو أن شبيه الرئيس الليبي " معمر القذافي " ليس أكثر حظا من سابقه ؛ فمهنته تكاد تكون انتهت مع موت القذافي فشبيهه المدعو " أنطوني بينا " كان قد وظّف قدراته التشبيهية في برنامج كوميدي يقدمه المذيع الأمريكي " كونان اوبرين " ولكن الأخير قال له عند مقتل القذافي : " حظا سعيدا في المستقبل " ..!
ولكن من وجهة آخر نال شبيهي بعض السياسيين قدرا من الذل والعبودية وتعطلت أمورهم الحياتية وتعرضوا لأنكى أنواع التهديد ؛ وذلك لثقل وزن مثيله في المنصب على مستوى العالم ॥ وهذا ما حدث مع شبيه الرئيس " صدام حسين " ففي فترة ليست ببعيدة تم خطف رجل يدعى " محمد بشر " وهو شبيه " صدام حسين " من قبل مجموعة تقوم بإنتاج الأفلام الإباحية وعرضوا عليه 200 ألف جنيه إسترليني للمشاركة في فيلم إباحي عن " صدام حسين " وعندما رفض عرضهم ألقوه من السيارة وهي مسرعة وتم إسعافه في أحد المشافي القريبة ..!
والمدهش أن شبيهي زعيم القاعدة " أسامة بن لادن " غدو محط اهتمام أكبر بعد موته كما أشارت البريطانية " فرانشيسكا
ماكدوف " : " تزايد الاهتمام بمن يشبهون بن لادن بعد موته " ॥ ولكن لم يخلو حياة من كان يتشبه بزعيم القاعدة من الخطر ويذكر أن المدعو " ليونيل ارياس " ارتدى قناعا شبيها بابن لادن في بلدته كوستاريكا وعندما رآه سائق تاكسي قفز من سيارته واستهدفه في طلقتين استقرتا في بطنه ..!
هل الحال تكون مختلفة مع شبيه حي ..؟!
هكذا سألت نفسي وأنا أتابع تفاصيل حياة شبيه الرئيس المصري المخلوع " حسني مبارك " فشبيهه " المعروف بـ" مدحت أبو العز " انتهى من تصوير فيلم وثائقي يدعى " أروقة القصر " وهو يحكي ما دار في 18 يوما وهي عمر الثورة المصرية منذ بدايتها في 25 يناير 2011م وحتى تنحي مبارك في 11 من فبراير ..
ويبدو أن الشبه الكبير بينهما ورّط أبو العز في مشاكل عديدة ، ومن ضمنها أن أشقاؤه دائمي الاطمئنان عليه خشية أن يتعرض للمحاكمة عوضا عن الرئيس المخلوع في إطار لعبة سياسية ولكن أبو العز أشار إلى أنه لو وضع في قفص الاتهام عوضا عن الرئيس " مبارك " كان حينها سيطلب الصفح من الشعب متمنيا أن يأخذ العدل مجراه وإن كان ذلك يعرضه للشنق.. !
ولكن هذا الشبه الكبير جعلت الناس تبغضه وحتى قال له أحد العامة بلهجة مصرية : " ما لقيتش إلا الوش ده تمثله " ..!
حال شبيه " حسني مبارك " يخبرنا أن الحياة ليست سهلة سواء مع بقاء الرئيس أو رحيله ॥ ولكن إذا ما أراد هذا الشبيه الاسترزاق فما عليه سوى إتباع خطوة " عبداللطيف يحيى " وهو شبيه " عدي " ابن الرئيس " صدام حسين " الذي اشتغل شبهه به ساردا مغامراته بحلوها ومرها في كتاب سماه " بيه الشيطان " ॥ إذن فما على بقية فريق أشباه الرؤساء والشخصيات المؤثرة على مستوى العالم سوى تأليف كتاب " شبيه البيه " كخطوة للتشهير لمن تشغفه الأضواء وخطوات نحو جني كثير من الأموال تنتشل حظوظهم من الفاقة على مدار سنوات ..!

ليلى البلوشي

شبيه البيه ..!

" أشعر بفراغ كبير وكأن جزءا مني قد مات " ..!
العبارة أعلاه أدلى به " كيم يونغ سك " في حديث صحافي وهو شبيه الرئيس الكوري الشمالي الراحل " كيم جونغ إيل " ..
ومبعث حزن هذا " كيم يونغ سك " هو أن وجود الرئيس على قيد الحياة كان مصدر رزق جيد له ، إذ شارك في العديد من الأفلام التي تتحدث عن الرئيس الراحل ، كما أنه شرع أمامه أبوابا عديدة كتمثيله إلى جانب رئيس الوزراء الروسي "فلاديمير بوتين " في إعلان تجاري للشوكولاته ॥ وفي اليابان شارك في مسلسل تلفزيوني إضافة إلى عمله في مواقع تصوير الأفلام في كوريا الجنوبية ، حيث كان يشارك في أفلام أدوار سينمائية ॥ ويبدو شعور من الإحباط قبضت على شبيه الرئيس الكوري الشمالي لخشيته من أن حياته المهنية في التمثيل قد شارفت على نهايتها بعد رحيل الزعيم ..!
ويبدو أن شبيه الرئيس الليبي " معمر القذافي " ليس أكثر حظا من سابقه ؛ فمهنته تكاد تكون انتهت مع موت القذافي فشبيهه المدعو " أنطوني بينا " كان قد وظّف قدراته التشبيهية في برنامج كوميدي يقدمه المذيع الأمريكي " كونان اوبرين " ولكن الأخير قال له عند مقتل القذافي : " حظا سعيدا في المستقبل " ..!
ولكن من وجهة آخر نال شبيهي بعض السياسيين قدرا من الذل والعبودية وتعطلت أمورهم الحياتية وتعرضوا لأنكى أنواع التهديد ؛ وذلك لثقل وزن مثيله في المنصب على مستوى العالم ॥ وهذا ما حدث مع شبيه الرئيس " صدام حسين " ففي فترة ليست ببعيدة تم خطف رجل يدعى " محمد بشر " وهو شبيه " صدام حسين " من قبل مجموعة تقوم بإنتاج الأفلام الإباحية وعرضوا عليه 200 ألف جنيه إسترليني للمشاركة في فيلم إباحي عن " صدام حسين " وعندما رفض عرضهم ألقوه من السيارة وهي مسرعة وتم إسعافه في أحد المشافي القريبة ..!
والمدهش أن شبيهي زعيم القاعدة " أسامة بن لادن " غدو محط اهتمام أكبر بعد موته كما أشارت البريطانية " فرانشيسكا
ماكدوف " : " تزايد الاهتمام بمن يشبهون بن لادن بعد موته " ..ولكن لم يخلو حياة من كان يتشبه بزعيم القاعدة من الخطر ويذكر أن المدعو " ليونيل ارياس " ارتدى قناعا شبيها بابن لادن في بلدته كوستاريكا وعندما رآه سائق تاكسي قفز من سيارته واستهدفه في طلقتين استقرتا في بطنه ..!
هل الحال تكون مختلفة مع شبيه حي ..؟!
هكذا سألت نفسي وأنا أتابع تفاصيل حياة شبيه الرئيس المصري المخلوع " حسني مبارك " فشبيهه " المعروف بـ" مدحت أبو العز " انتهى من تصوير فيلم وثائقي يدعى " أروقة القصر " وهو يحكي ما دار في 18 يوما وهي عمر الثورة المصرية منذ بدايتها في 25 يناير 2011م وحتى تنحي مبارك في 11 من فبراير ..
ويبدو أن الشبه الكبير بينهما ورّط أبو العز في مشاكل عديدة ، ومن ضمنها أن أشقاؤه دائمي الاطمئنان عليه خشية أن يتعرض للمحاكمة عوضا عن الرئيس المخلوع في إطار لعبة سياسية ولكن أبو العز أشار إلى أنه لو وضع في قفص الاتهام عوضا عن الرئيس " مبارك " كان حينها سيطلب الصفح من الشعب متمنيا أن يأخذ العدل مجراه وإن كان ذلك يعرضه للشنق.. !
ولكن هذا الشبه الكبير جعلت الناس تبغضه وحتى قال له أحد العامة بلهجة مصرية : " ما لقيتش إلا الوش ده تمثله " ..!
حال شبيه " حسني مبارك " يخبرنا أن الحياة ليست سهلة سواء مع بقاء الرئيس أو رحيله ॥ ولكن إذا ما أراد هذا الشبيه الاسترزاق فما عليه سوى إتباع خطوة " عبداللطيف يحيى " وهو شبيه " عدي " ابن الرئيس " صدام حسين " الذي اشتغل شبهه به ساردا مغامراته بحلوها ومرها في كتاب سماه " بيه الشيطان " ॥ إذن فما على بقية فريق أشباه الرؤساء والشخصيات المؤثرة على مستوى العالم سوى تأليف كتاب " شبيه البيه " كخطوة للتشهير لمن تشغفه الأضواء وخطوات نحو جني كثير من الأموال تنتشل حظوظهم من الفاقة على مدار سنوات ..!

ليلى البلوشي

السبت، 10 مارس 2012

دعوة : ندوة عن أدب الطفل في البريمي ..



يسرني دعوتكم لحضور ندوة لأدب الطفل تحت عنوان ( أدب الطفل الواقع والطموح) ..
مكان الندوة : مسرح التربية في البريمي ..
الزمان : 9 صباحا .. الموافق يوم الإثنين
12 / مارس / 2012م
ستكون عنوان ورقتي : ( الطفل قريبا من القصة والشعر بعيدا عن المسرح والسينما ) ..

الثلاثاء، 6 مارس 2012

خليجنا ليس واحد ..!












خليجنا ليس واحد ...!







جريدة الرؤية العمانية ..







في جلسة مجلس التعاون الخليجي تصاعدت اقتراحات لتحويل هذا التعاون بين دول الخليج العربي إلى ما يسمى " إتحاد " تحقيقا لمزيد من الأمن والتعاضد والمصالح المشتركة ..!




" خليجنا واحد " هكذا يقال .. وما أكثر ما يقال وما أقل ما يتجسد هذا المقول في فعل واقعي عميق ومرئي للجميع .. فأبسط اختلافات في خليجنا يكمن في التفاوت الاقتصادي ودخل الفرد وسبل المعيشة ، فيما تتوحد وبشكل يكاد يكون مدهشا في كتم الأصوات والقمع وتفشي الوساطات والمحسوبيات وخنق الحريات على مستوى المرئي والمسموع والمقروء ..!




أما على مستوى المعيشي والاقتصادي ، فالفرد الخليجي ما بين فقر مدقع وغنى ساحق بل التركيبية الاقتصادية مخلخلة بـــــــــــ- أدق تعبير - وغير عادلة بــــــــــــ- أكثف تعبير- فحسبما تقرير الذي صدر حديثا في مجلة " غلويل فايننس " على موقعها الالكتروني جاء فيه أن قطر احتلت المرتبة الأولى ضمن قائمة الدول الأغنى في العالم بمتوسط نصيب للفرد يبلغ 90.149 ألف دولار ، وحظي متوسط نصيب الفرد في الكويت المرتبة الـ 14 ضمن قائمة دول الأغنى في العالم ، و احتلت الإمارات 18 بينما كل من البحرين والسعودية وسلطنة عمان قد احتلت المراتب 33 و36 و38 على التوالي ..!




بينما كشف تقرير " التنمية البشرية 2011م " الصادر عن الأمم المتحدة من وقت قريب أن الإمارات هي ثاني أعلى نصيب الفرد من الدخل القومي في العالم ، وهي دولة لا يوجد فيها مواطنون يعيشون في فقر مدقع و عدد السكان الفقراء في الإمارات يبلغ صفرا ..




ففي قطر والكويت والإمارات معدلات دخل الفرد مرتفعة بل تعادل في دخلها الدول الأوربية كألمانيا وفرنسا والسويد وسويسرا ، وعدد الفقراء في هذه الدول من مواطنيه يكاد يكون معدوما والأفراد فيه يعيشون في رفاهية ، وحين يصل إلى سن معينة يتقاعد وتدفع له دولته راتبا تقاعديا مناسبا لمستواه المعيشي كفرد ، مع دفع إعالات شهرية لكبار السن من الجنسين مع عدم الأخذ بعين اعتبار حقوق الأرامل والمطلقات بما يوفر لهن حياة كريمة ويحفظ كرامتهن من ذل الزمن ..




بينما في كل من المملكة العربية والسعودية وسلطنة عمان والبحرين فأوضاع الخليجي لا تسر .. وما كان الخبر الذي نشرته إحدى الصحف الخليجية عن حالة عائلة سعودية مكونة من 11 فردا تعيش في مقبرة لأب سعودي سبعيني يستلم راتبا قدره 2000 ريال سوى إحدى الحالات التي نجد مثيلها وربما أعتى منها في البحرين أو سلطنة عمان ، في هذه الدول الأسرة تتساند على كتف شخص واحد هو الأب والذي غالبا ما يكون رجلا أميا ودخله على قد حاله وفي حال فقد رب الأسرة ، فإن الأسرة كلها تنهار ليس في فقر مدقع بل تحت درجة الصفر المعيشي ..!




وكثير من الناس في بقاع العالم العربي والعالمي لديهم اعتقاد راسخ بأن الإنسان الخليجي هو شخص مرفّه والحياة تنساب إليه بسهولة ؛ ولهذا بعض الأخوة في المغرب والأردن حينما سمعوا باقتراح ضم كليهما ضمن التعاون الخليجي تناوش الأهالي فيما بينهم بفرح مكلل بأمنيات عظيمة بأنهم أخيرا سوف يركبون الهمر وتتكدس جيوبهم بالأموال ويأكلون السنكرز على حد تعبير بعضهم .. لهذا فلا عجب أن ارتفاع أصوات بعض الخليجيين حين يطالبون بحقوقهم في أوطانهم ينظر إليها من باب المبالغة والطمع من قبل أفراد الدول الأخرى ..!




والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة : لماذا أوضاع الفرد في دول الخليج تتفاوت رغم أنها كلها نفطية ، ففي وقت يعيش فيه القطري والإماراتي والكويتي مرفها ، بينما السعودي والعماني والبحريني يعيشون في أوضاع اقتصادية متردية وتتفشى في هذه الدول الثلاث حالات الفقر المدقع لبعض مواطنيها ..؟!




فإذا ما كانت الحجج تكمن في تباين مساحات الدول وحجمها مع اختلاف عدد السكان ؛ فها هي اليابان عدد سكانها يفوق 130 مليون وهي من أكثر الدول تقدما رغم شح الموارد ورغم ظروف الطبيعة القاسية عليها من زلازل وفيضانات ..!




قطعا على رأس الأسباب هو " الفساد " وهو أحد أهم عوامل تفشي حالات الفقر المدقع ؛ فالبرغم هي سماء واحدة يستظل تحتها كل من صاحب ثروة وملايين مقابل معدم يفتقد أساسيات الحياة الكريمة ..!




ومن نتائج هذا الفساد هو غياب العدل بين الناس وتوزيع الثروات بناء على العلاقات الاجتماعية والسياسية والتبعية المطلقة ، وغياب الرقابة القانونية وينتج عنه إدراج أرقام مزيفة لرصد الميزانيات التي تقدمها بعض الوزارات ، ناهيك عن غياب النقد الحكومي وإذا ما رفع المواطن صوت حقوقه يلاحق بتهم كثيرة أبسطها الخيانة ..!




عدم تعيين الكفاءات الجيدة في الأماكن المناسبة ، بل يكاد يشغل الأفراد غير المناسبين لمراكز مهمة وحساسة في الدولة ، مع بقاء الأشخاص أنفسهم على الكرسي نفسه لسنوات مديدة وإذا ما تمت بعض التغييرات فهو تغيير شكلي بحيث يغير مكان الشخص فقط وترحيله إلى وزارة أخرى فينال لقبا جديدا مستبدلا بها لقبه العتيق .. فمعظم المسؤولين في أوطاننا ليسوا من جامعي مؤهلات وشهادات وخبرات بل من جامعي ألقاب وكراسي ..!




ولهذا تغيب الخطط التنموية الحقيقية المجسدة عبر أفكار متغيرة ومتضمخة بروح التجديد والتطوير والشباب ..!




إذن أساس خراب المجتمعات وتأخرها مليون سنة ضوئية في ركام التخّلف والتأخر هو " الفساد " هذا التنين الذي يسحب إلى جوفه حقوق الآخرين وقوتهم وحين تسلط أضواء المحاسبة عليه يحرق الأخضر واليابس ..!




وهذا الفساد أنواع .. فساد على عدة أصعدة .. ولهذا الفساد أحجام .. فساد من أكبر موظف في الدولة إلى أصغرها .. كلهم خائضون في الحلقة ذاتها من دوائر الاستفادة ، فالعنصر الصغير يسرق ولكنه يعرف أن مديره يسرق أكثر منه ، والرئيس الأعلى أو المدير الدائرة يسرق أكثر من الجميع ، ولهذا فإن مظاهر الخوف تحمل في طياتها معرفة كل طرف آخر ..!




وأقرب من هذا ما جاء في قصة " مروان بن الحكم " مع وكيله في غوطة دمشق ، تلخص هذه اللعبة .. يروي ابن عبد ربه عن " مروان بن الحكم " أنه زار ضيعة له في الغوطة فأنكر منها شيئا ، فقال لوكيله : ويحك ، إني لأظنك تخونني .. قال : أفتظن ذلك ولا تستيقنه ..؟ قال : أو تفعل .. ؟ قال : نعم والله إني لأخونك ، وإنك لتخون أمير المؤمنين وإن أمير المؤمنين ليخون الله .. فلعن الله شر الثلاثة ..!







" الفساد " مرض معدي وفتّاك وإن لم تقض المجتمعات المسؤولة عليه .. فعلى الوطن السلام ..!







ليلى البلوشي

الأحد، 4 مارس 2012

حواري مع جريدة " خليجسك " الكويتية ..









حواري مع جريدة "خليجسك " الكويتية .. / الصحفي السوري " آلجي حسين "


4/ 3 / 2012م

كانت غاطسة في عالم مضمخ بالضجة ليلى البلوشي: مشروعي الفكري لا مدى له







“هل تحبينني.. هل تحبني.. هل تحبونني.. هل تحباني..؟”




تتساءل ليلى البلوشي في قصتها القصيرة (هل تحبونني). وفي قصة (الرجل الذي سيعقد قرانه عليّ)، تقول: “ومرة أخرى الأسئلة تجرني خلفها وتطبق بأظافرها الشرسة عنق صمتي المحموم”. أما في قصة (صاحبة الابتسامة الساحرة): “اقتعدت على كرسي مترهل الجلد بلا ظهر ولا أذرع”. رغم ذلك، هي تقول: “وصوت حنجرتي تبصق سؤالاً لم أجد له تفسيراً في معاجم العالم كلها.. لمَ أشتعل مع هذا الرجل وكأني أشوى على فوهة بركان ثائر؟!”.




تكتب وتكتب، وفي كتاباتها تتلمس ذلك النزق إلى الخروج، إلى حيث الفضاء، لكنها تعلن دائماً انتصار القيم.. ففي كل قصة أو مقال ثمة ما يؤرقها، وعلى الأغلب إنسانياً.. هي ذلك المخلوق الخارج من مجتمع يطمح مجتمعاً آخر أكثر رحابة.. وهي من كاتبات الإنترنت المعروفات.




ليلى البلوشي، كاتبة عُمانية مقيمة في دولة الإمارات، تخرّجت من جامعة الإمام محمد بن سعود عام 2004 حاملةً درجة البكالوريس في اللغة العربية، كما تحمل دبلوماً في البرمجة اللغوية العصبية، وهي الممارس المعتمد في البرمجة اللغوية العصبية من الأكاديمية البريطانية لتطوير الموارد البشرية.




تكتب البلوشي القصة القصيرة والمقال والخاطرة، وهي ناقدة في مجال أدب الطفولة، فضلاً عن زاويتها الأسبوعية في جريدة الرؤية العمانية. وتكتب الكثير في مدونتها الإلكترونية “أتنفس بهدوء”.




ومن إصداراتها كتاب بعنوان (أدب الطفل في دولة الإمارات)، نشر مشترك بين المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، إدارة مراكز الأطفال والفتيات، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة 2007. وكذلك مجموعة قصصية بعنوان (صمت كالعبث)، نهر النيل للنشر، القاهرة 2008. وقصائد مترجمة إلى لغات عدة تُوّج بعضها في إصدارات ورقية. ومؤخراً وقّعت البلوشي كتابها (تحليقات طفولية في فضاء الكتابة الإبداعية/ دراسة تحليلية فنية لقصص أطفال)، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة 2011.




وفي هذا الكتاب تحليل لأربع قصص للأطفال كتبها أطفال وبناء شخصياتها وتفصيل الصراع والحبكة ودراسة كافة عناصرها الأخرى، وذلك في القصص: (النسر المغرور)، للقاصة الطفلة علياء عبد الله الزعابي، وقصة (سمير سارق الأمير)، للقاصة الطفلة ريم راشد الطنيجي، وقصة (مرآة الصداقة)، للقاصة الطفلة ميثاء محمد عبد الله، وقصة (الفرح المخبأ)، للقاصة الطفلة شيخة عتيق.




“كائنات تحت الصفر”، عنوان إحدى زواياكِ الأسبوعية في صحيفة الرؤية العُمانية، تطرحين فيه قضية الـ “بدون”، ما الذي تعانينه على الصعيد الشخصي من هذه المسألة؟




مسألة البدون بالنسبة لي هي مسألة إنسانية؛ فعلى الصعيد الشخصي لست من فئة البدون، ولكن أعيش في مجتمع تفشت فيه ظاهرة البدون. فمنذ وعيي على هذه الدنيا وأنا أسمع لفظة البدون، ومع الأيام تعوّدنا كما تعوّد المجتمع بكافة قطاعاته على وجودهم، لكن التسميات وحدها كانت تستحدث من بدون إلى عديمي الجنسية إلى لا يحمل أوراق ثبوتية، بينما حقوقهم الإنسانية وحدها كانت تتقلص من سيء إلى أسوأ.




ويبدو أن دولة الإمارات حسمت أمرها أخيراً تجاههم، وذلك بإصدار أوامر رسمية بحصولهم على جوازات جزر القمر، وهم ملزمون بهذا القرار؛ لأن جلّ أمورهم الحياتية معطلة وأبسطها تجديد ملكية السيارة.




أنا أضم صوتي لمعاناتهم. هنا وفي الكويت وفي كل مكان.. وجاءتني ردود كثيرة عن المقالة من أماكن لم أتوقع بوجود البدون فيها، وهناك من طلب مني الكتابة عن حياتهم الشخصية ومعاناتهم الأسوأ وهم خائضون في دوامة البدون منذ سنوات.




من الصعب أن تغدو كائناً تحت الصفر بلا حقوق وبلا أي شيء، وهؤلاء للأسف موجودون وحاضرون في عالمنا اليوم، وكأن الرحمة كانت ورقة في شجرة الحياة وسقطت حين آن موتها.




أنت مهتمة بأدب الطفل ودراسة ما يختلج في رأسه الصغير، وتتطرقين لهذه المسألة من خلال دراسات أدبية وفنية للطفل، ما هي صعوبات أدب الطفل؟




مأساة أدب الطفل أنه لا يُفهم. ولا يحاولون توظيفه كواقع.




أدب الطفل يعني مجموع أدبيات مختلفة تهيّء كل الطفل: عقله، قلبه، حواسه، أخلاقياته، طريقة تعامله مع الحياة وأكثر وأكثر.




لكن بتدوير النظر إلى المناهج المدرسية من خليجنا إلى محيطنا لا نجس شيئاً حقيقياً يهيّء الطفل لزمنه ولحاضره؛ وهذا ما اكتشفته الأمة العربية مؤخراً في ربيعها الثوري؛ ففي تونس ومصر وليبيا واليمن المناهج الدراسية عتيقة وعفا عليها الزمن، وقد تناولت هذا الموضوع في مقالة مطولة، قارنت فيها ما بين تعليم وطننا العربي والتعليم الغربي، فقد قرأت في خبر قصير أن أمريكا حوّلت حركة “احتلوا وول ستريت” إلى مادة دراسية يدرسها الطلاب في جامعاتهم، ومن ضمن المنهج مشاركة نشاطات مجموعات الناشطين، ولكن الحال عندنا متأخر ومزرٍ وتعليمنا لا يساير عولمة العصر ولا انطلاقه الزمني، وفي مقطع من مقالة قلت: “بالنظر إلى كل من الدول التي شهدت حركات الربيع العربي تونس ومصر وليبيا واليمن. بالنظر إليها سوف نرى أن مستوى التعليم فيها متردٍ ومتأخر وعلى حاله منذ سنوات عتيقة.




فالمناهج التونسية كما هي مذ زمن زين العابدين ولعل أطفالها يرددون مآثره الغابرة في نشيد وطني. وأطفال مصر على – ما يبدو – ما زالوا يقلّبون تلك الصفحات التي تعظّم رئيسهم المخلوع حسني مبارك. بينما صغار ليبيا يرددون شعارات زعيمهم معمر القذافي.




كأنما دمج الحركات الثورية في منهاج المواد الدراسية سيغدو حلماً عربياً آخر يضاف إلى مجموع أحلامهم المشرعة في فوهة التاريخ”.




مشكلة أدب طفلنا العربي أنه غير مجسّد سوى كحالة طارئة في الكتب وفي المهرجانات الطفولية. أما عن وجوده الكلي كواقع وتطبيقه كمشروع حيّ فهو ما يزال حلماً يسبر خيال أوطاننا.




هل استطعتِ توظيف البرمجة اللغوية العصبية كعلم في المجال الأدبي، وكيف؟




علم البرمجة اللغوية العصبية هو علم روحانيات، علم داخلي، يُعنى بقاع الإنسان، في تلك الأعماق السحيقة غرفة صغيرة هي جلّ عالمنا.. عالمنا الحقيقي، الأكثر صدقاً وحساسيةً وانتباهاً ليقظة الكون. و”كافكا” أشار إلى هذا المعنى الشبيه حين كان يردد: “في داخل كل منا غرفة”.




قطعاً هناك توافق ما – نوعيّ – فيما ننقله إلى عالم أوراقنا؛ الكاتب في النهاية إنسان ينقل إنسانيته كما إنسانية الآخر.




“صمت كالعبث”، عنوان مجموعتك القصصية، ثمة نزوع واضح للشباب وما يدور في هذا العالم، ماذا أردتِ أن تقولي في هذه المجموعة؟




لا أدري بالتحديد، أو ربما لا يمكنني الجزم بهذا الشيء بالتحديد، ربما لأن أقوالي أو نظرتي للمجموعة وما جاء فيها يختلف عن الآخر”المتلقي”.




فهنا لا أريد أن أقول شيئاً ثم عن لا وعي ألصق رغبات أو أفكار ما أقوله على عقل قارئي. أعتقد هنا تعمل – البرمجة اللغوية العصبية – بشكل واضح: أن أترك انطباع القارئ يسري بحرية وطلاقة بعيداً عن انطباعاتي الشخصية ككاتبة للعمل.




باعتبارك من كاتبات الإنترنت، ولديك حركة نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، ماذا منحكِ هذا العالم الافتراضي؟




منحني الكثير: أصدقاء / تواصل اجتماعي / التعرّف على ثقافة الآخر / إلغاء الحواجز / القدرة على التقاط معاناة الآخرين وجس نبضهم عن قرب. هذا العالم مع التواصل والأصدقاء استحال إلى بيت إلكتروني، وفي كل يوم وفي كل ساعة يضيء أحد الضيوف عزلتك ويعايش حدثك اليومي، يعبرها بامتنان خلاّق.




إنه عالم انتشل الكاتب من أسطورة العزلة وهمشها، عالم ساحر ومدهش. فقديماً، كان القارئ يرى العالم من عين الكاتب ورؤيته وفكره وحواسه، ولكن اليوم مع الفعل التواصلي غدا الكاتب يرى العالم من عين القارئ وفكره وحواسه، ويحدث أن يتشاطر كلاهما التقاط تلك الرؤى والأفكار في أعمال تجس نبض المتلقي وتثير فكر الكاتب.




ليلى البلوشي ككاتبة وصحفية، كيف تحددين موقعك في جغرافية كُتاب وصحفيي العالم العربي؟




هذا السؤال صعب للغاية.




مازلت أشعر بأني صغيرة عليه كتابياً، وما يزال دربي غير مكتمل، ربما عندما تكتمل مشاريعي في هذا الصدد، ربما حينها أحاول أن أحدد موقعي الجغرافي أو التاريخي.




ولكني أضيف بيقين موقعي الحقيقي: من وإلى الكتابة.




والشعر، ما الذي يربطك به؟




لي حكاية غريبة مع الشعر.




معظم نصوصي الشعرية تُرجمت إلى عدة لغات، وتصدرت أكثر من كتاب مشترك مع كتاب آخرين في ترجمات مختلفة.




هناك شعر زاخم في داخلي – رغم انقطاعي – عن كتابة الشعر، بل أعترف أن النثر غلب الشعر في عوالمي، لكن هناك شعر زاخم من داخلي كما قلت آنفاً، وأتوقع هيجان شيطانه يوماً ما. نحن نغادر بعض الأشياء أو نوهم أنفسنا بذلك؛ لكن نفاجئ بها في وقت وزمن غير متوقع.




ربما لهذا لا أحب أن أودع الأشياء ولا أن أكون البادئة في التوديع؛ لأنني أؤمن من أن تلك الأشياء الغائبة أو التي هجرتنا سوف تعود إلينا بشكل وبآخر.




هل تعتبرين نفسك صحفية أم أديبة؟




أحب الاستقلال.. أن أكون حرة.. الاستقلال حتى على مستوى الألقاب..




وهذا على صعيد الكتابة أيضاً، وقد جاءتني عدة فرص جيدة للكتابة في صحف عديدة والالتزام معها كصحفية تابعة للجريدة ولكن رفضت معظمها؛ لأنني أبغض الالتزام وأحب الأدب المستقل. أن اكتب ووقت ما أشاء أرسل ما أكتبه إلى إحدى الصحف للنشر دون أن أكون مطالبة بتاريخ معين أو زمن معين.




ومن ضمن تلك الصحف اكتفيت بصحيفة واحدة وتعنى بالسياسة وهذا الالتزام على نقيض أحببته؛ لأنني كلما نأيت عن السياسة توجعاً بالأوضاع وجدتني مسحوبة إليها بمعنى تجعلني على دراية بالأوضاع وما يحدث في العالم بالساعة وتجعلني متابعة جيدة؛ لأن المقالة بالتحديد السياسية منها ابنة وقتها.




مع الكتابة الأدبية أنا حرة. أستطيع اعتزال زمني وعالمي نائية عن تفاصيل الحياة، ولكن مع الكتابة السياسية فالوضع مختلف والاعتزال الشخصي غير وارد مهما طعنتني رؤية الدم الإنساني المراق بإغلاق التلفاز أجدني راجعة إلى وجعه، أرفع الصوت كي أتابع بكل انفعالاتي المتصاعدة الأحداث، فأسجل تفاصيل أوثقّها في مقالة.




مازلت أفكر في وسيلة لجعل السياسة وعوالمها أقل قسوة وأكثف إنسانية.. مازلت.. مازلت..




ما الذي تودّين قوله في مشروعك الفكري؟ وما هو مدى هذا المشروع؟




الخيال مشروع اختراع، وكم حرّضنا “أينشتاين” على التبحر في الخيال حين عوّل نجاح المشاريع عليه: “الخيال أهم من المعرفة، بالخيال نستطيع رؤية المستقبل”.




وهذا ما أفعله بالتحديد مذ كنت طفلة أسرح في عالم خيالي، ولهذا كنت ومازلت ميالة إلى الصمت حتى إنني أسميت أول عمل أدبي لي “صمت كالعبث” وأهديت المجموعة إلى العبث الذي علمني العبور إلى الحكاية بلذة الصمت. والعبث أعنيه هنا الخيال، أن تعبث مع خيالك وتستفزه وتشحنه بطاقات خلاقة وتكهرب تفاصيله.




والطريف في سرحان هذا الخيال أن معلّماتي كنّ يثنين على تأدبي في فصولي الدراسية، ولكن ما فات معرفتهن حقاً هو أنني كنت غاطسة في عالم مضمخ بالضجة.. هائل الضجة.




وعليه، مشروعي الفكري لا مدى له؛ لأن الخيال بلا مدى.




حوار: آلجي حسين – دبي

الخميس، 1 مارس 2012

الشيطاني : سلمان رشدي ..!











الشيطاني : سلمان رشدي ..!







نشر في مجلة الألف








سلمان رشدي .. الكاتب البريطاني الهندي الأصل الذي طورد بلعنة آياته الشيطانية ، تلك الرواية التي لغمت دروبه لسنوات عدة في قنن الخوف والرعب والأرق ، ما فتئت روحه تلهث كل ليلة من أن توقظه أجفانه صباحا على صدمة رأسه المنفصلة عن جسده المسجى في هيئة مقتول مع سبق الإصرار والترصد ، ببيان أصدره آية الله خميني في عهد مضى ..





لكن ذاك الكابوس الذي عدّ من عيار ثقيل دفن في قبره بسلام ، في تلك الأجواء الملغمة كانت روايته " آيات شيطانية " تقرأ بسرية تامة ، طالعها غالبا أولئك الذين يتقنون اللغة التي كتبت بها ، في زمن أميط حبل المشنقة عن رقبة مؤلفه ، ومعظم قراء العرب قرؤوا الرواية على استحياء من نسخة الكترونية مجهولة الترجمة ورديئة نوعا ما ، لكن الفكرة على الأقل شمرت نفسها عن الظل .. ولأن حنجرة الضجة ازدردت طريقها إلى بطن الهدوء ؛ هذا ما جعل مترجمي العرب يصدرون تباعا معظم الروايات التي كتبها سلمان رشدي طوال تلك السنوات .. لعل من أهمها " أطفال منتصف الليل " و" العار " و" الغضب " وغيرها ..









ثمة جدلية حول مفهومي المرأة والرجل يتلمسها بعض قراء سلمان رشدي في معظم رواياته .. فهما ليسا فقط ذكورة وأنوثة ، بل واجهات أساسية يتركز على مشجبهما أهم وأكثر القضايا جدلا في العالم الأجمع هما : " الوطن " و" الدين " ..









" المرأة " هي نمط شرقي متحفظ يلاحقها العار بمجرد ما تخلع حجابها .. والخلع هنا هو الإلحاد والخروج عن الملة ، لكن تبقى هذه المرأة مهما تهجم عليها العار أنثى محتفظة بنعاتها الطبيعية التي فطرت عليها أهمها الخجل ، وذلك يتوافق تماما مع فسيولوجية المرأة الهندية التي تكسي رأسها حياء كلما وقع عينيها على رجل يدنو منها متغزلا ..





كما تتلبس نساؤه سحر " الوطن " بسحرها تغدو المعشوقة التي تهيم الرجل في شيطانية فتنتها وكأن لسان حاله يردد حقيقة كان قد أذاعها الأديب " مصطفى صادق الرافعي " في زمن ما قائلا : " حينما تقابل امرأة جميلة لا تقل ما أجملها ، بل قل ما أجمل الشر ..! " ..





فيكّن لها المعبود الرجل كما الوطن الحب والوفاء والولاء في البداية ، لكن سرعان ما يزول تأثير هذا السحر كحفنة من الرمل في قبضة الريح ، فالأنا الشخصية في داخل كل منهم يثور ، يعربد ، يعلن بأنانية طاغية وبملء شبق متأصل : أنا سوف .. !





لهذا العلاقات الشرعية التي تواثقت بين شخصيات روايته هي قوية في البدء لكنها فاترة في نهايتها بشكل مثير للخيبة ، كما علاقة " نسيم وآدم " و" أمينة وأحمد سيناء " في روايته " أطفال منتصف الليل " وعلاقة " " رضا حيدر وبلقيس " في رواية " العار ، و" إيليانور ومليك سولانكا " في رواية " الغضب " ..





بل تشعر أحيانا أن العلاقات بين الزوجين تكاد تكون معدومة سوى كونهما رجل وامرأة ضمهما القدر في فراش واحد وأنجبا أطفالا ليذكرهما على الدوام ، أنهما ما يزالان زوجان في نظر المجتمع كمسمى فقط مع سقوط كافة الحقوق الزوجية ، وبشكل عام ليست ثمة علاقات إنسانية واجتماعية مسلسلة بين أفراد الأسرة الواحدة ، فإما الأب مجهول الهوية أو غير كفء بأبوته .. بينما الأم عادة هي مجرد رحم يأوي عن مدة لا تقل تسعة أشهر ..





بل الأم والأب هما مجرد مسميات وألقاب لا أكثر ولا أقل ، كما رمز الدين في رواياته فهو إيمان فردي وليس حالة جماعية ..!









بينما " الرجل " يتفنن سلمان رشدي في رسم الرجل في رواياته بطريقته الخاصة فهو متوحش .. قبيح .. شيطاني .. نزق .. ويعزى شيطانيته إلى البيئة الشريرة التي انبثق منها وإلى نساء متلبسات بسحر غامض يتمدد تأثيره إلى النطفة التي تكبر شيئا وشيئا في أرحامهن المظلمة .. والرجل هنا واجهة وطنية ..









والوطن هنا مجموع أمكنة وسماوات وأزمنة متعددة .. هي الهند وباكستان ولندن وأمريكا .. الهند والباكستان تحديدا هما بؤرتا النزاع الأساسية في قضايا كتبه ، بينما لندن هي المنفى المحايد وكأن سلمان رشدي بمنفاه ذاك قد تخير موقعه من العالم جيدا ؛ كي يتفرج من على البعد على أهم دولتين تأثيرا في تاريخ بنيته ومولده ونشأته كهندي حامل الجنسية البريطانية ، لكنه في مكنونه ما يزال ذاك الهندي هوية وكيانا اسما وثقافة ..









والجدلية الأخرى في روايات سلمان رشدي هي لعبة الأسماء .. والاسم يشكل هوية الإنسان وهي هوية شخصية في طابعها لكنها غير حرة ؛ فالطفل حين يولد لا يختار اسمه وتبقى تلك الهوية حبيس صاحبها إلى أن يشّب عوده فيمكن له حين ذاك تبديل اسمه .. وهي حقيقة أعلنها " ساراماغو " في روايته " كل الأسماء " حين أذعن بقوله : " أنت تعرف الاسم الذي أطلقوه عليك ، ولكنك لا تعرف الاسم الذي هو لك " ..





وهذا هو مبتغى سلمان رشدي من تبديل أسماء شخصياته .. تلك التي لها أكثر من اسم أو يذيل كيانها في لقب متغير حسبما الظروف والأزمنة والغايات .. تلك الأسماء التي تحمل رغم ذاك ثقل ماضيها وكأنها بالتبديل تثور على ذاك الماضي المشوه .. وكأنها تلغيه وتقضي عليه أبديا بمجرد ما ينادون بأسماء أخرى .. ولعل رواية " أطفال منتصف الليل " من أكثر الروايات التي عبرت عن هذا المعنى الجدلي للأسماء ..









" سلمان رشدي " هذا الكاتب الذي لم يعرف يوما استقرارا مكانيا وزمانيا متوحدا .. فقد سمعت صرخة ولادته في الهند وغادر والداه إلى باكستان قسرا ؛ نتيجة نزاعات الهندوس ثم ما لبث وجد نفسه صبيا في الرابعة عشر مغادرا إلى انجلترا ، ومع كل تلك العوالم لم تهدأ ثائرة العنصرية والتحقير والذل والانكسار ... بعد هذا هل نستطيع أن نلقي لوما على " انسان " توحشت فيه قيم النبل والخير في حياته بأنه كائن متوحش شيطاني نزق ..؟!









سؤال يدفعنا إلى التفكير بهدوء وصمت تامين للغاية ..!













ليلى البلوشي