الاثنين، 2 يناير 2012

مشاعل الربيع العربي ..






مشاعل الربيع العربي ..




جريدة الرؤية العمانية ..







وها هو عالم الثورات والمظاهرات والاعتصامات وسقوط تماثيل وبروز تماثيل أخرى ، عام الهتافات ومطالبات وإرادة الشعوب على وشك الأفول وولوج عام جديد أشبه ما ينذر بداياته بمخاض من نوع ما على أصعدة عدة حسبما طبيعة تلك الشعوب وجماهيرها ..




عام يرحل ولكنه يستدعي نتيجة لهياجاته الهائلة في خارطة الوطن العربي الوقوف لتشكيل بعض من الرؤى وإعادة تدوير بعض الأحلام المتطلعة بما يتعلق بالشأن السياسي والاقتصادي والديني والاجتماعي والثقافي ..




عام حصدت فيه بعض الأصوات الفاعلة والناشطة على جوائز رفيعة المستوى كجائزة نوبل للسلام ، وهو السلام عينه الذي ينشده الجميع بعد المراحل المريرة من الشجب والرفض والخنوع والخضوع والرعب البشري ، ولم تكن آخرها جائزة نوبل ؛ فها هي مجلة " تايم " قامت بتكريم الربيع العربي من خلال اختيار " المحتج السلمي " شخصية عام 2011م ، لدوره الرئيس في الإطاحة بالأنظمة الفاسدة في تونس ومصر واليمن إضافة إلى المتظاهرين السلميين في الحركات الاحتجاجية الأخرى التي تشهدها بقية البلدان العربية ، وعلقت المجلة في تأكيدها أنها اختارت المحتج : " لأنه جسّد شعورا عالميا يحمل الأمل بالتغيير وأطاح بحكومات وبأفكار معلبة " ..




ولعل هذا القول يشجعنا على ترجيع الأحداث التي وقفت خلفها تلكم الشخصيات المؤثرة إلى الوراء ، لنبدأ بـ " تونس " وثورة الياسمين التي فجرها مواطن عادي يجر أمنياته المقموعة في عربة فقيرة وعندما تمت مصادرتها ؛ انكسرت تلك الأحلام وأشعلت الفتيل في نفسها علها تشفي قهرا من نوع ما ، ورحل " محمد البوعزيزي " ولكن الشعب التونسي توّهج بنوره ليأذن بولادة حقبة جديدة في الشارع التونسي والمنطقة العربية بأكملها ..




ومن حريق إلى تكتكة كيبورد بأصابع خبير تسويق مصري لمواقع إلكترونية عربية ومدير للتسويق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنتجات غوغل " وائل غنيم " الذي انشأ صفحة " كلنا خالد سعيد " على " الفيس بوك " ومن خلال تلك الصفحة انطلقت الصرخة المصرية الأولى " يوم الغضب " في 20 من يناير .. وتتابعت من بعدها حركات احتجاجية في الشارع المصري كان خلفها أسماء عديدة من ضمنها " أحمد ماهر " أحد مؤسسي حركة " 6 إبريل " وهذا الشباب استوقف عدة مرات في السجون المصرية نظير نشاطاته السياسية قبل الثورة المصرية ، نال لقب " تشي غيفارا المصري " من صحيفة " هارفارد كريمسون " الأميركية .. بينما الشابة " إسراء عبدالفتاح " فكانت مفجرة إضراب " 6 أبريل " 2008م ضد الغلاء والفساد وجاء اسمها ضمن قائمة 12 شابة أسهمن في تغيير العالم عام 2011م وذلك بعد جهودها في التغيير الحادث في مصر والذي انتهى بثورة 25 يناير ..




إلى اليمن السعيد الذي استحال إلى يمن تعيس في عهد نظام بائد استولى كالإخطبوط على شريان الدولة ، لكن الشعب اليمني أدرك إنهم سائرين إلى الحضيض وأن لابد من مقاومة ذاك التمدد السافر والظالم والمستبد وهنا برق نجم الناشطة " توكل كرمان " امرأة شقت لنفسها طريقا واضحا ومتوثبا في الشارع اليمني ، وهي مهمة شاقة في ظل مكانة المرأة الهامشية والمتغيبة في مجتمع اليمني ، ومن تلك التداعيات استحقت " توكل كرمان " جائزة نوبل للسلام كما صنفتها مجلة " تايم " ضمن أقوى 500 شخصية على مستوى العالم وضمن 7 نساء أحدثن تغييرا في العالم من قبل منظمة " مراسلون بلا حدود " ..




وسوريا كان الوضع مختلف ، في سوريا التي ما تزال تحيض دماء نصفها دماء أطفال أولئك الذين خربشوا ببراءة على الجدران عبارة " الشعب يريد إسقاط النظام " وكتبوها بدافع محاكاة أطفال تونس ومصر وليبيا ؛ لتكون هذه العبارة التي دونوها عن حماس مفرط وشقاوة عفوية هي القبس التي استطالت السماء السورية وأرضها إيذانا لثورة مدت شرعيتها في أصقاع البلاد ؛ ويطور الأمر بمرارة فظيعة في قتل وتعذيب واحتجاز الأطفال وعلى رأسهم الطفل " حمزة الخطيب " ابن الثالثة عشر على يد قوات الأمن السورية أعظم دليل على فظاعة ووحشية التعذيب لهذا النظام ..! وتتصاعد بعد ذلك الأحداث ليدشن موقف الممثلة والناشطة السورية " فدوى سليمان " في رفضها السكوت والبقاء في المنزل بينما ثمة دماء حارة تسيل بضمير بارد من قبل شبيحة النظام ؛ فالانتماء للوطن وليس لأي شيء آخر كما تؤمن فدوى والتي ما تزال تواصل جهودها الكبيرة لدعم الثورة والثوار الأحرار ، ويطل اسم آخر من ضمن الناشطين والذي كان شاهد عيان باسم مستعار " عبدالله أبا زيد " الذي امتنع الكشف عن اسمه حتى غادر سوريا إلى تركيا ليستمر في نشاطه لدعم الثورة باسمه الحقيقي بعد أن ترك أرض الخوف والقمع " عمر عللوه " والذي امتهن تصوير المظاهرات واقتحام برادات الجثث في مستشفيات درعا لإظهار فضائح النظام السوري الأكثر عنفا ؛ بشهادة المحلل السياسي الإيراني " نادر هاشمي " : " كشف النظام السوري عن الحضيض الأخلاقي الذي يمكن أن يصل إليه كل نظام سلطوي لمجرد أن يتشبث بدفة الحكم في بلاده ، مذ المذبحة التي جرت في ميدان السلام السماوي في بكين لم ير العالم عنفا قامت به دولة ضد متظاهرين عزّل ديمقراطي التوجه كالذي حدث في سوريا " ..




ولا تنس ليبيا الثوار الذين قدموا الغالي والنفيس من دمائهم لإرساء العلم الليبي الثوري هذه الثورة سقط فيه العقيد القذافي ميتا..!




وها هو عام الثورات أسدل ستاره على عام كان مكثفا ، مندفعا ، ناريا ، شبابيا بامتياز ساحق ؛ عام تبدل فيه التاريخ في غضون بضعة شهور ، عام ولدّ أسماء جديدة في عوالم وآفاق السياسة والتاريخ ، ولأن تلكم الثورات كانت مستحدثة الكترونية قادها شباب مضمخون بحب الوطن وبحق المواطنة الأصيلة في الحرية والكرامة والعدل على كافة الأصعدة ؛ لهذا فمن العدل ومن الحق هو أن لا تتلاشى أسماء دفنوا شهداء في سبيل الوطن ولا أسماء من سجنوا وحوصروا وفكروا ونهجوا وساروا حشودا منذ البدء خلف ثورات شعوبهم ، أما الشهداء فلابد من تكريم ذكراهم سنويا ، وإطلاق أسمائهم على أهم المرافق في الوطن ؛ لتستعيدها ذاكرة الأجيال وتتوارثها جيلا بعد جيل وتعويض أسرهم ومتابعة شؤونهم ، أما عن شباب الثورة البارزين فليس من العدل أن يبذل الشباب طاقاتهم الفكرية ويطلقوا بجسارة هائلة خطوات عميقة وواضحة نحو التغيير والذي نجم عن هروب بن علي في تونس ، ومحاكمة محمد حسني مبارك في مصر ، وموت معمر القذافي في ليبيا ، وتوقيع علي عبدالله صالح على مبادرة التزحزح عن السلطة ، ناهيك عن مخاضات التي تفرزها الثورة السورية ..




كل تلك الجهود الجبارة التي ما استطاع المثقفون أو السياسيون المحنكوك التصدي لها طوال سنوات بقائهم ، بينما شباب في عمر الزهور استطاعوا بإيمانهم ويقينهم على دفع تاريخ عتيد على التغيير في فترة زمنية مدهشة ؛ لهذا فإن أقل ما يقدم لهم هو تعيين بعضهم في وظائف تليق بهم وبجهودهم البناءة لخدمة الوطن والوطنية ، فمن الظلم أن يتعب هؤلاء ثم تأت قافلة من العواجيز لتلتهم الثورة وغنائمها ؛ وما أكثر متسلقي أكتاف شباب ثورات الربيع العربي للأسف ..!




فطوال تلكم القرون كانت الروح التي تسري في بقاعنا العربي عتيقة ، لهذا ظلت السياسات كما هي وتكاد تتشابه في كل الدول التي سقطت أنظمتها والمطالب التي هتف بها شعوبهم واحدة متوحدة ؛ لهذا لا بد من تغيير السياسات والعقول ولابد من ضخ دماء شبابية في عصب سياسات الدولة ولابد من شحنهم بالثقة من قبل السياسيين القدماء والشعب ، فالحكم الجيد الدافع للأوطان نحو الانجازات ليس بالعمر وحده دون شك ولكن أيضا بمنهجية الفكر والتخطيط وعالم اليوم ليس كعالم الأمس ..




وعلى ختام هذا العام فإن أقصى ما يتمناه المرء هو أن تمضي الثورات نحو تحقيق أهداف التي نهضت وأججت من أجلها ؛ في ختام هذا الربيع العربي أهم ما تتوق له الإنسانية هو إرساء مبادئ السلام ومُثل المحبة والثقة والعدالة والكرامة بين أبناء الشعب الواحد وبتر كل قوة بغيضة تعمل على زرع ألغام الطائفية والتفرقة والعنصرية فيما بينهم ؛ وتظل الحرية ومفاهيمها بيد الشعوب وحدها وهذا درس استوعبته كل الأنظمة السالفة وسوف تستوعبه بدورها جيدا كل الأنظمة اللاحقة ؛ لهذا على هذه الشعوب من خليجها إلى محيطها الحذر ثم الحذر ثم الحذر من مغبة السموم التي تبثها بعض رؤوس الفتنة والفساد ؛ كي نحيا في عالم نابض بالحياة ودافق بروح مستقبل جيد ..







ليلى البلوشي







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق