الاثنين، 31 أكتوبر 2011

تحليقات طفولية ... اصدار جديد للكاتبة ليلى البلوشي




أخيرا بعد سنتين طالع هذا الكتاب الشمس ..

الغلاف يشبهني ^ـ^


الأحد، 23 أكتوبر 2011

الزمن يا زمن .. هارون وأمريكا وما حدا أدي ّ..!!











الزمن يا زمن





هارون .. وأمريكا .. وما حدا أدّي !!









قلت في مقالة سابقة هذه العبارة : " هناك في أوروبا من حقك الشخصي أن تلعن وتقذف بأقذع السباب رؤساء أوروبا ووزرائها وتنتقد بشراسة لاعبيها ومشاهيرها لكن حذاري ، حذاري ، حذاري .. أقولها بالثلاث أن تهمس شيئا في حق إسرائيل أو في حق الجالية اليهودية ؛ لأن كلامك قد يفهم في غير سياقه ؛ ولأن التهمة جاهزة " العداء للسامية " ، بل قد يحدث لك أسوأ مما حدث مع " جون جاليانو " كبير مصممي دار أزياء " ديور " التي طردته من داره ؛ لزعم يهودية أنه قام بشتمها ، أي عاد السامية ..! "





وأعيد ذكرها هنا ؛ لأن ثمة إشكالية يعاني منها عقلي ؛ ولا أدري على أية موازين أقيس حجم حيرتي ؛ خاصة إذا ما كانت الحيرة ذاتها تنصب على ميزان العدل نفسه ، ولا عدل ..!





ومبعث الحيرة أننا اعتدنا طوال أعوام أن العدل مفقود عند ما يسمى " الصهيون " أو إن شئتم التسمية العامة " اليهود " سوى مع بني جلدتهم ولكن إن تعارض موقف بني جلدتهم مع مصالحهم ؛ فإنهم لا يتوانون عن ذبحه كالخروف بلا أسى ..! إنها سياسة صهيونية معروفة ولعل قضية مصمم الأزياء الشهير عالميا " جاليانو " خير دليل على أن العدل ليس غائبا فقط بل مغيبا بعمد مع سبق الإصرار والترصد ؛ وهذا البريء الذي جعل متهما بمزاج الصهينة كان عليه أن يدفع ضريبة لم يقترفها ..!





أليس ثمة خلل مشترك في ميزان العدل ما بين الساميين وبين " وزير العدل ووكيله " في قضية المواطن العماني " هارون المقيبلي " الذي تلبس عليه مفهوم العدل واحتار إلى أي درب ممكن أن يفضي إليه كمواطن على " قد حاله " لرفع مظلمته بعد أن تعدى عليها وزير العدل ووكيله ، وكان من الطبيعي أن يتجه نحو الإعلام – خاصة في وقت تفشت فيه حريات التعبير ووأد مفاهيم الخوف السائدة ما بين الشعوب العربية في ربيعها العربي – لهذا وضع المواطن " هارون " قضيته على كتف صحيفة " الزمن " التي نشرت مظلمته مع وثائق ومستندات ، وهذا التصرف هو ما أثار بركان العدل بحجة أن كرامته تعرضت للإهانة ؛ يااااا حرام ؛ ماذا عن كرامات الآخرين التي تداس من قبلهم بلا حسيب ولا رقيب ..؟!





ومن هنا حدث تغيير هائل في القضية ، وانصبت التهم على صحيفة الزمن بعدما كانت التهم على وزير العدل ووكيله اللذان أكلا حق المواطن مهضوم الحقوق " هارون " وهو الذي غدا لا في العير ولا في النفير ..!





وبدأت محاكمات جريدة " الزمن " وصحفيها ؛ الذين قاموا بواجب طبيعي تماما لرفع مظلمة مواطن في مجتمع يشملهم جميعا كما تشمله ، ويبقى اللغز حائرا مطرقا في عقلي : من ظلم من ، المواطن هارون أم صحيفة الزمن أم وزير العدل ووكيله ؛ ألا تلحظون أننا في فوضى الأنظمة وضياع المفاهيم والحقوق تناسينا أول القضية ومشكلها لنجد أنفسنا في مجابهة قضية الزمن ، كما تناسى العرب والغرب قضية استيلاء اليهود على الأرض الفلسطينية ؛ فأصبحنا اليوم نطالب بأحقية قيام دولة فلسطين في أرض هي أصلا لهم ؟! ، لأننا في زمن أصحاب النفوذ لا زمن المعدمين الذين لا حيّلة لهم بل الحيّل عليهم ؛ فهل تلام حيرتي العقلية ..؟!





***





ذكرت الوزارة الخارجية الإيرانية في بيان لها أنها أفرجت عن الأسيرين الأمريكيين ؛ كي تظهر احترامها لجهود الوساطة التي بذلها عدد من القادة العالميين بينهم الأمين عام " بان كي مون " والرئيس العراقي " جلال الطالباني " والرئيس الفنزويلي " هوغو شافيز " والسلطان " قابوس بن سعيد " سلطنة عمان ..





وقد وردت تعليقات كثيرة عن تدخل هؤلاء القادة من أجل الإفراج عن أسيرين أمريكيين في سجون إيران منذ عامين فقط بينما لا يحركون ساكنا من أجل الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل منذ عشرات السنين ..!





وكوني كمواطنة عمانية أقول : لماذا لا يسعى القادة في وطني إلى إطلاق سراح صحفيي جريدة الزمن ؛ أليسوا أولى من الغريب ، وليس أي غريب ..؟!





ثم أليست من الازدواجية أن تسارع منظمة العفو العالمية إلى السلطات العمانية إلى إسقاط الدعوة ضد المدانين ؛ في وقت سارعت فيه السلطات العمانية عينها إلى نصرة الأسيرين الأمريكيين ..؟!





وفوق كل هذا ؛ المطالبة هي إفراج أو إعفاء عن أشخاص ليسوا جائرين على الحق بل المنافحة عن الحق هو ما جنى عليهم ؛ فياله من فارق ..؟!





***





في مجتمع يتفشى فيه القمع ؛ لابد أن نجد سجون زاخرة بالمسجونين ؛ هؤلاء الذين أبت أنفسهم رؤية الظلم يمشي على قدميه بخيلاء ولسان جبروته ينطق يا " أرض اشتدي ما حدا أدي " ..!





ولا أحد قدها فعلا طالما اختار أقوام أن يكونوا ضمن فئة " بني صامت " فالنعات معروفة عبر التاريخ لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون ..!





في وقت يتخبط فيه السجين المتعثر في مربع ضيق مظلم ؛ لأنه طمح أن يرتقي بأفراد مجتمعه وأن يرمم فجوات المظالم الطاغية باستعادة الحق .. على هذا فإن أقل ما يقدمه الفرد لأخيه الفرد الذي تعثر من أجله ولصالحه ووطنه إلى أن يناصره ، وهذه المناصرة حتى تتمدد بتأثير أعمق وصادق يكون بمظاهرة عامة أو إضراب أو احتجاج أو اعتصام تعددت الطرق والهدف واحد ..





لقد استبشرنا مع نوارة الربيع العربي استعادة عدة مفاهيم كنا نسمع بها وكان إرساؤها كواقع في مجتمعنا حلم جميل كـ " الحرية " و" العدالة " و" الكرامة " ؛ ولا يمكن لهذه المفاهيم أن ترضى البقاء في وطن لا يقدرها ولا يوفي حقها كاملة غير ناقصة على أصعدة كافة دون أن تتحكم بها الأهواء والمزاجيات باسم الدين أو القانون أو أي حجة دامغة ..!





لهذا على الفرد وهو المواطن والإنسان ؛ أن يثبت فرديته وحقه الشرعي في الحرية والعدالة والكرامة ، من الآن في مثل هذا الوقت وإن ضيّع فرص المطالبة بها ؛ فعليه ألا يعض أصابعه ندما حين يفوته القطار ..!





عليه أن يثبت حقه كصوت وجسد وضمير لأجل من وقف وصارع وكافح وسجن من أجله ، وفي معرض مسؤولية الفرد قام ثلة من خيرة الشباب العماني بسرية تامة في البدء والتخفي في بلد يضطر فيه المرء للتخفي ؛ كي لا تجهض جهوده ؛ قاموا بمشروع جاد ومسؤول بشعار : " لن نسمح " فلن نسمح بمصادرة الحرية أو خنقها أو نفيها أو بتر أعضاءها أو قتلها ، لن نسمح للعدل أن يستحيل إلى كائن منفوخ الظلم يرفع من يريد ويقذف إلى الحضيض من لا يريد ، لن نسمح بإرادة هوائية المزاج حيث الريح المصالح تميل ..





" لن نسمح " بإطباق الشمع الأحمر على صحيفة الزمن لا شهر ولا شهرين ولا حتى ليوم واحد .. هذه المبادرة وهذا المشروع الباذخ بروح الوطنية والحرية ، " لن ولا " يقف على قدميه بثبات ، " لن ولا " يحقق خيرة أهدافه ، " لن ولا " يكون له كيان صامد ثابت حقيقي متوحد بدون مساندة من كافة الجهات والأفراد المؤمنين بحرية صحيفة الزمن وحرية الصحافة في وطن كعمان ..





فحينئذ " لن تسمح " حقا ..





ليلى البلوشي













الاثنين، 17 أكتوبر 2011

طريق المثقف هو انتفاضة عمالية ३-3











طريق المثقف هو انتفاضة عمالية 3 – 3



جريدة الرؤية العمانية ..


الفنان المصري " محمد صبحي " قال في أحد حواراته : " أنا كرجل تشتمل تركيبتي على رجل الشارع ورجل السياسة ورجل الفن ، وهذه التركيبة تتشكل منها كل فرد ؛ ، ولكن بطبيعة الحال بنسب إنما النسبة الأكثر هي رجل الشارع ؛ لأن السياسي إذا كذب يسقطه الشعب ، ورجل الفن إذا كشف أسدل الستارة لكن المتلقي في الجانبين والحالين هو رجل الشارع وفي الحالتين ، فإن إسقاط السياسي وسقوط الفنان بيد هذا الرجل .. أي رجل الشارع .." ..




الحديث هنا عن الطبقة العمالية ؛ رجال الشارع الحقيقي لهم التأثير الأشمل والأكبر بشهادة الممثل " محمد صبحي " ، لحراك التطور الحضاري وهؤلاء العمال المكافحون يداولون مهنا بسيطة كبساطتهم من حدادين ونجارين والفلاحين والخبازين ولا يستغني عنهم أي مجتمع ولا يحل محلهم أي اختراع ؛ على الأقل في معظم دول الوطن العربي الذي يفتقد معظمها أساسيات التحضر في مجتمعاتها ..!




وفي ربيع ثورات التغيير الذين خرجوا أفواجا إلى ميادين التغيير والتحرير لم يحملوا على أكتافهم شهاداتهم ولا رتبهم ولا ألقابهم ولا أموالهم غير أن دافعهم إلى تلك الخطوة الجسورة هي غاية واحدة : حب الوطن ؛ هذا الحب وحدّ صفوفهم وغاياتهم رغم اختلافات الأديان والمثل والقيم والأفكار في ساحة واحدة ؛ متشبثين يدا بيد يهتفون بصدور حامية لكرامة الإنسانية ولحرية الجمعاء ..




لقد تضافرت جهود هؤلاء مع الثورات العربية في كل بقاع العالم العربي ، غدا لهم التأثير بعد أن كانوا منسيين من سلطة الحاكم من جهة ومن نخب المثقفة المنفوخين بعقدة " الأنا " ؛ ويبدو أن وحده اختراع يدعى " الانترنت " هو من أخرج هؤلاء من غياهب النكران والظلام إلى أنوار الكشافات ..




إنهم عن طريق كبسات أزرار انظموا بجدارة إلى من أطلقوا كبسة الانطلاق إلى الشارع ؛ فخرجوا أفواجا كما الحجاج في مكة ، ساعين هذه المرة وبيقين بنصر مؤزر من - الله تعالى - ببساطة القلوب التي لم تحتوي في جوفها حبا سوى حب الوطن ، ولم تحلم سوى في كرامة تنقي عرق جبينه الذي طالما وجد مصباته في مستنقعات الذل والهوان ، الذي لم يطلب سوى عدالة اجتماعية تحترم وجوده كإنسان في وطن لا يملك فيه سوى جسده كما أجساد أسرته ، فمعظم هذه الطبقة معدمة من أبسط حقوق الحياة ..! فهم بلا بيوت بل يعيشون في مجمعات سكنية من طوب العشوائيات في سكيك الخراب ، وجيوبهم المرقعة لا تحمل سوى قوت يوم بيوم ؛ لهذا ما كانوا يأبهون كونها ممزقة أو بها ثقوب كحفيرات صغيرة فهي خاوية أبدا ..!




إنه رجل الشارع الحقيقي ، ورجل المطالب ، ومفجر نافورات الثورات ، ولولا همته وصوت هتافاته المرتفع لما توصل أولئك المثقفون لشيء يذكر ؛ فكلنا يدرك أن المثقفين المخلصين هم ندرة ، تلك القلة التي طوردت ونفيت وحبست وقطعت أوصاله ، والبعض منه يئس وتسلقه التعب عن أمل ضئيل ينبثق في كون ما ؛ حقا لولا مساندة هؤلاء لما تنحى الرئيس " حسني مبارك " ولا فرّ " زين العابدين " ولا احترق بشظايا قذيفة الرئيس اليمني " علي عبدالله صالح " ولا اندس العقيد " القذافي " في مجاري ليبيا ولا ضغط " بشار الأسد " بهاون الضغوط الدولية ..!




إننا نعيش في مرحلة حاسمة من مراحل التاريخ ؛ لكل فرد في وطنه بلاط سوف يتحمله وأحلامه وحقوقه وطموحاته شريطة أن يسعى من تلقاء جهوده ؛ كي يستعيدها إن سلبت منه ، ويطالب بها إن ضاعت عنه ، فلا تغيير ولا حضارية عادلة في حصصها بين الأفراد في المجتمع إن تقاعس البعض وتكاسل آخرون ؛ فلكل مجتهد نصيب ..!




أما الاكتفاء بسياسة التذمر من الواقع الشاق أو زفر ضيق على الظلم المتفشي أو المسكنة من الجدران العالية ما بين الحاكم والشعب ؛ فإنها تظل كما هي إن ظل الفرد العربي على حاله ، لكن الآن سياسة الخوف وضع على المقصلة وثمة جسارة هائلة يحياها العامة ، والكل يريد أن يقول شيئا ، والكل يريد أن يشترك في صفوف المطالبة بالحقوق ، والكل يرغب في وطن آمن ..




في أزمنة الحكم السابقة أشهرت السلطات أسلحتها الكاتمة في عقل الشعب فسممت فكره ، وألبت بنيران الفتن ما بين الطوائف والمذاهب ؛ كي تنعم هي في عاجية قصورها بسلام آمنين على عروش أبدية لا يزعزعها الجن ولا انس ..




لهذا على الشعوب اليوم وبعد انكشاف الحقائق وتواري الظالمين في مزابل التاريخ وفضائح العصر أن يتكاتفوا ؛ كي لا تضيع الحقوق في أفواه خارجية قروش من أمريكا وأوروبا وإسرائيل ، فبعد الزعزعة الداخلية التي شبعت منها الشعوب ، ثمة زعزعات خارجية طالما لا تكف يوما يد مطامعها ولا قدم استلائها على ما هو حق للعربي وحده في أرضه ..! بشهادة " جان بول ساتر " الذي قال جملته الشهيرة بعد زيارة " نيكسون " للقاهرة : " سيظل تاريخكم نزيفا من الشقاء والدم ، حتى ينضب نزيف البترول " ..!




فليكن هذا الزمن بهول مفاجآته ضد هذه المطامع ؛ وذلك لن يتحقق دون اتحاد متضافر وتعاون حقيقي بين كل الشعوب العربية من محيطها إلى خليجها ؛ فحين تكون القلوب سليمة بنياتها ، وحين تصفو العقول من هرج الفتن ومرج المصالح سوف يتحقق النصر الأكيد ، الأعظم الذي يترقبه كافة المسلمين عبر بقاعات العالم الأجمع ، بدءا من تحرير الأقصى إلى استعادة أمجاد الأندلس الضائعة ..




أكثر المثقفين الذين كانوا في تواز محب وتوافق متواصل مع الطبقة العمالية هم من دفعوا ضرائب ، أعتى الضرائب بأجسادهم وأرواحهم ودحضهم خلف حياة بلا شمس ولا هواء لا شيء سوى عدم ..!




على رأس القائمة رسامي الكاريكاتور ؛ فهذه اللغة المرسومة والمنطوقة بالألوان هي اللغة الأقرب إلى الأميين ؛ وما أكثر الذين إلى اليوم لا يمكنهم فك حرف وتركيب مجموعة ألفاظ في عبارة ؛ لهذا كثيرا ما محقت بهم السلطات من اغتيال وبتر للأصابع " الأول ناجي العلي والثاني علي فرزات والقائمة تطول ، وأناشيد الشعراء .. فمقولة الشابي من لم يرددها ما بينه ونفسه ، ما بينه وهتافات الآخرين : " إذا الشعب يوما أرد الحياة فلابد أن يستجيب القدر " ..




لغة البساطة والصدق هي مرآة هؤلاء البسطاء ؛ هي التي تشد من أزرهم وترفع من معنوياتهم حين يهبطها الظلم والطغيان ، هي وحدها تفعل فيه ما لا يمكنه سحر الساحر ..




وكاتب الوطن ، الذي نزل إلى الشارع وكان جنبا إلى جنب مع الإنسان البسيط ، يمشي كلاهما في أفق حلم واحد وعبر شارع واحد سيان كلاهما في منحدراته وتعرجاته وحفره وانغلاقه وتكسره وابتلاعه ..




المثقف وحده لا يصنع شيئا ؛ فاليد الواحدة لا تصفق ؛ بعد هذا لا يمكن الإيمان سوى أن طريق المثقف هو انتفّاضه عمّالية ولن يحلّ السلام قبل أن يتوحدوا ..







ليلى البلوشي







الاثنين، 10 أكتوبر 2011

طريق المثقف هو انتفاضة عمالية २ - ३









طريق المثقف هو انتفاضة عمالية 2 – 3


جريدة الرؤية العمانية ..







ماذا عن المثقف " الغائب " أبدا في صفوف التأثير المجتمعي ..؟!




المقولات المتخشبة والشعارات الفاقعة والعقول المغلقة ما عادت تسدي نفعا ، وما عاد إنسان اليوم الطامح إلى الحرية والكرامة والمثل العليا في وطنه بحاجة إلى مثقف متقوّل يصافح بالقفازات الحريرية أيد خشنتها الحياة ، ما عاد يرنو إلى مثقف استكان كمتفرج ، كسيد من أعلى شرفته ..!




على المثقف أن يكون كالماء ، يمتلك صفة الماء في انسيابيته حول الصخور بجسارة دون خشية من صلابتها ، يتكيف كالنهر مع الظروف مهما غدت قسوتها عليه ، يتحول إلى بحيرة مهما امتلأت بالحفر والحجارة فإنه سائر إلى مساره ، الماء حركي ، نشط ، دائم التجدد والفوران مهما تلوّنت الطبيعة ، في الشتاء القارص تتجمد من السطح ، لكن في أعماقها الغائرة دفئية الحياة حيث الأسماك والكائنات الحية تصطخب في قيعانها ، و في بقية الفصول ؛ فهو ارتواء حقيقي لظمأ الحناجر وربيع القلوب ..




أما الذي يدفن رأسه في الرمل ؛ فيغدو منسيا بإرادته ، فالغائب عن المشهد ليس كما الحاضر فيه ، فالأول مستبخل بخبراته وفكره ، والثاني على قدر من كرم العطاء ليمنح جل ما يمتلكه من خبرات وفكر ومفاهيم وطاقة البحث لرقي أفراد يشاطرهم الوطن ، تكلل انتصاراته ، خيباته .. كلاهما بالوقع نفسه من التأثير ..




على المثقف أن يكون حالة إنسانية شاملة : خوفه ، حزنه ، حلمه ، تطلعاته تكون قريبة من قلب الإنسان العادي وعقله ؛ فيتعرف الآخر على تواضعه ويحتفي بثقته ، في الوقت عينه تغدو تلك الآمال والتطلعات من الرقي ؛ كي لا تسقط في فخ السذاجة والتسطيح " لا يعرف الحقيقة سوى من يجلس تحت المطر معتصما ..." كما قال الكاتب " حامد بن عقيل " ..




أما عن أمراض المثقفين في المجتمع الواحد ؛ فينبغي أن تتصادق حلولا ؛ كي تتوحد الجهود وتتعاضد قوى التأثير ؛ فالوطن الذي يرغبون في تأثيث تحضره واحد والأفراد الذين يحررونهم من قيود العبودية السلطوية واحد .. فـ : " معظم التجمعات العربية الثقافية في المجتمع صارت موبوءة وأهم أمراضها الشللية ، تدني الخطاب ، مشروع الدعاية والإعلام ، تقزيم المعرفة ، فقدان الحصانة ، رخص التسعيرة .." كما أشارت الأديبة " ظبية خميس " في أحد مقالاتها عن ثقافة المجتمع ..




فحينما يتحرر المثقف عن نوازع الملة وقواطع الشلة أو عبودية لون وعجيج عرق ؛ سوف يسمو فكره وحسه الوطني النبيل ..




ماذا عن تأثير الفئات الأخرى من المثقفين ..؟!




قلنا في المقالة السابقة أن مفهوم الثقافة في المجتمع الواحد شامل شمولية تأثير الثقافة على قطاعات شتى في صالح تحضر الأفراد تحت سقف واحد يدعى " وطن " ..




تحدثنا عن تأثير المثقف الذي نعني به " الكتاب والشعراء والأكاديميين " ، ونستكمل الحديث عن نخب المتعلمة الأخرى كـ المحامى والمهندس والطبيب والمعلم والإعلامي والمغني والممثل ..الخ




لهذه النخبة رصيد من الشهرة يكفل لهم أدوارا وتأثيرا جما في أي مجال من مجالات الحياة ؛ هذا يستدل الستار على وجوه من الممثلين والمغنيين الذين تناقضت أدوارهم بين ما يعرضوه على الشاشة وبين واقعهم ؛ على سبيل المثال الممثلة السورية " سلاف فواخرجي " في مسلسلها " ولادة من الخاصرة " تؤدي دور مثقفة سورية معارضة للظلم في بلادها ، وتتزوج من ضابط كبير في السلك الأمني ، وتكتشف هذا بعد الزواج منه ؛ فتقرر إجهاض الجنين في أحشائها ؛ كي لا يحمل اسم ضابط يعذب المقهورين وعبرت في أثناء المسلسل عن إعلان حربها عليه بقولها كما في الدور : " يلعن أبو الخوف إحنا بدنا حرية " ، ولكن في الواقع السوري فقد حاربت الثوار بحزم معلنة بأن : " هؤلاء مندسون وليسوا منا وخونة ويجب محاسبتهم ، نحن نعيش من خير النظام "..!




ومع الثورات الربيع العربي ساحت معظم الأقنعة التي غطت وجوه الممثلين والمغنين ؛ في تناقضات فاغرة ما بين شاشة التمثيل وواقع الحياة ، واكتشف الإنسان البسيط أن الفنان الذي كان ينافح طوال أعوام عن خبزه وعن أحلامه البسيطة لم يكن سوى ثرثرة أدوار في خيبة غدت الشعوب العربية تتقبل الأمر ..!




بينما في الغرب تجد نماذج يقتدى بها ، تصفق لها القلوب عن محبة خالصة ، كممثلة الأمريكية " أنجلينا جولي " وهي سفيرة في حقوق الإنسان تؤدي دورا محوريا مهما للإنسانية عبر العالم ؛ ففي وقت كان فيه الفنان أو الفنانة العربية غارقة في امتصاص شهرة الأضواء ، كانت هذه الممثلة بين اللاجئين التونسيين والليبيين أثناء اشتداد نار الثورات .. كما الممثل " جورج كلوني " وجهوده الثاقبة للاهتمام في مشاحنات جنوب السودان وشماله ..




وفي أثناء أزمة اليابان تكاتف معظم مغنيي وممثلي الغرب في حملة لمساندة تسونامي الياباني وعلى رأسهم الممثل " جاكي تشان " والمغنية " ليدي جاجا " ، ولم يتناهى إلينا عبر مكبرات الإعلام العربي عن نية أي ممثلة أو مغنية عربية لمساندة جوعى الصومال إلا من رحم ربي ..!




وفي الاتجاه عينه يمضي الإعلام كتأثير في المجتمع ؛ فإذا كان الناس على دين ملوكهم فإن ملك هذا الزمان بلا منازع هو الإعلام ..!




والعالم حاليا في قبضة الإعلام ، ولا يمكن نكران تبعات الإعلام الحاضر من رفع أو إسقاط أي جهة ومهما بلغت نفوذها ؛ وفي وقت ما لعبت صحيفة " نيوز أف ذي وورلد " البريطانية ومالكه " مردوخ " الرجل الذي كان يرفع ويسقط كيفما شاءت إمبراطوريته المرشحين بالانتخابات والمشاهير إلى أن غدا هو الساقط بعد سنين ألحقت المرارة بالآخرين ..!




فكل إعلام مشوّه سوف يتشوّه في الختام مهما استرخى في سنون الدّعة ..!




يلزم المجتمع إعلاما مسؤولا ؛ لا إعلام يقتات على الفضائح وقدح نار الفتن وتفشي الغوغائية بين الأفراد في سقف واحد ..!




لهذا على هذه النخبة الخروج من أدوار الحركات والأصوات كببغائيين وقردة إلى قامات ذات همم تناهض أممها وتعلو من شأن أفرادها ..










ليلى البلوشي







الأحد، 9 أكتوبر 2011

ليلى البلوشي : في حوار مع موقع رسالة أون لاين ..









ليلى البلوشي: معاني الهمة ورفض الاستبداد مشاعر فطرية تجري في دم كل إنسان حي له ضمير







أجرى الحوار: أسامة الهتيمي







لا يستطيع أحد أن ينكر أن ثورة الاتصالات لم تكن ثورة في عالم التواصل فحسب بل كانت ثورة أخرى وربما أهم في عالم التعبير عن الذات والإعلان عن الكينونة إذ ظلت الأضواء وحتى سنوات قريبة محصورة فيمن حظي بالرضا أو حالفته الأقدار أن ينال فرصته في البروز والظهور فيما بقي الآخرون وهم الأغلبية ومن بينهم الأفضل والأحسن أسرى التغييب والتهميش فتوارت مواهبهم ودفنوا كلماتهم بين صدورهم في حين تعرض من أراد منهم تنفس الصعداء لويلات حرمتهم حريتهم.




لكن الوضع تبدل تماما فجاءت الشبكة العنكبوتية إنقاذا للكثيرين من مواهبنا الفذة التي انتزعت هي حريتها وأعلنت عن نفسها بكل جرأة وشجاعة وبكل قوة وعمق لتقول وبأعلى صوتها أن أرضنا العربية ما زالت تزخر بالكثير من الطاقات والقدرات والمواهب.




حول الوضع الثقافي والفكري العربي إثر ثورة الاتصالات كان حوارنا مع الكاتبة العربية العمانية الشابة الأستاذ ليلى البلوشي. وها نص الحوار.










*في البداية كيف ترين الوضع الثقافي والفكري العربي الراهن؟







**الوضع الثقافي الفكري الراهن في حالة وضوح ؛ فقد تم من خلال ثورات الربيع العربي عملية فرز للمثقفين في الوطن الواحد ؛ منهم من كان رفيق ريح مصالحه وهذه الثلة في البدء كانت مع السلطة وعندما شعرت بتداعي جدران السلطة قامت بعملية استبدال وجه من قناع سلطة إلى قناع الشعب ، ونمط آخر من المثقفين كانوا في البدء ضد السلطة وممارساتها الاستبدادية ، ومنهم من دفع ضرائب باهضه لكلمة حرية رسمها في كاريكاتير أو تغناها في نشيد محفز للهمم ..




كما أن هذا الوضع الثقافي الراهن برز للعيان أن المثقف لوحده لا يصنع شيئا ؛ فطوال تلك السنون الماضية كان ثمة مثقفين مخلصين لقضايا الوطن وتبنوها بأنفسهم ودفع معظمهم ثمنها ولم يتزعزع إلا الشيء الضئيل كقطرة ماء تنقط من صنبور جاف ؛ ولكن حين تم التئام المثقف مع رجل الشارع حدثت ضجة هائلة ومسيرات هتافية في شوارع الوطن العربي ونزح من نزح وهرب من هرب من سدّة الحكم ؛ فمع فكر المثقف وهمّة رجل الشارع سوف تصنع المعجزات وطريق المثقّف هو انتفّاضة عمّالية ..







*على الرغم من أن قطاع الشباب هو من أشعل الثورات العربية المطالبة بالحريات إلا أن هذا القطاع متهم بالبعد عن القراءة وعدم الاهتمام بالقضايا الثقافية والفكرية حتى وقت قريب .. ما تعليقكم ..؟







**أمر طبيعي ؛ لأن اشتعال الثورات لا يحتاج إلى القراءة والثقافة وحدهما وإن احتاجت ؛ لأن معاني الهمة والجسارة ورفض سياسات الاستبداد والعنصرية والطغيان والظلم هي مشاعر فطرية تجري في دم كل إنسان حي له ضمير ؛ وإن كانت مثل هذه القيم الشعورية يعوزها القراءة ؛ فهذا يعني أن أكثر من نصف الشعب العربي بلا قيم أو نبل ..!




القراءة تصنع فكرا ، وحسبما قراءاتنا يتشكل هذا الفكر ، ويسلك اتجاهه في الحياة ونرى صنيعه ، فالقراءة تعمل على تهذيب الإنسانية فينا وتعمل على رفع مستويات الشعور في أنفسنا وتعاطينا مع الآخرين ومن ثم الكون ككل ، بهذا الفكر نحن نتعاطى مع قضايا أنفسنا والآخرين والمجتمع وفكر دون همة أو إرادة أو أمل لن نتزحزح خطوة واحدة نحو الأمام ، المطلوب هو الفكر الطموح الموقن بكل قضية تبناها لصالحه أو صالح الآخرين ؛ والفكر المتشائم لا يقدم ولكنه يؤخر ..!




والإنسان " محمد البوعزيزي " لم يكن مثقفا بل كان رجل يدير عربة لبيع الخضروات ؛ ومع ذلك حين أهينت كرامته ، نفسه الإنسانية أبت فعل الاهانة ، وهو ما يجعله يشعل النار في جسده علها تجس حرارة روحه المشتعلة ..







*كشفت وسائل الاتصال والتواصل الحديثة كالانترنت والفيس بوك وغيرها عن الكثير من المواهب الثقافية والأدبية الشابة .. كيف يمكن تفسير هذا ..؟ وهل يعني ذلك أن المعايير السابقة لم تكن تبرز إلا فئة محدودة حظيت بالرضا ..؟







**تفسيره بسيط جدا ؛ هذه المواقع ووسائل التواصل شرعت أبوابها أمام الجميع بلا تحيّز لعرق أو قبيلة أو طائفة أو شلة أو صغير أو كبير ، وهنا يتجسد معنى الحرية الحقيقي ومعنى الديمقراطية وهذان المعنيان منفيان عن بقاع العالم العربي بامتياز عميق ..




الصحف الورقية كانت سياستها اجحافية في معظمها ؛ فقبل بروز وسائل النشر الالكترونية كانت مساحاتها ضيقة في الاستقبال خاصة للكتاب المبتدئين ؛ لهذا في الماضي كان بالكاد يبرز اسم جديد على الساحة الثقافية ، فباب الفرص كان مغلقا غالبا ولا يفتح سوى لأصحاب الصولات والجولات بزعامة حرف " الواو " ..




ومع تفشي ظاهرة النشر الالكتروني تقلصت أهمية الصحف الورقية في مقابل ارتفعت أسهم النشر الكتروني ، وهذا وحده جعل كثير من الصحف الورقية تراسل مبدعين ومبدعات كي تشغل صفحاتهم بعد أن كانت تلفظ معظمهم في الغالب ..




ونشر كاتب اليوم في الصحف الورقية تحصيل حاصل ؛ لأن لديه مساحاته الخاصة عبر مدونته أو موقعه الخاص أو حائطه الخاص في مواقع التواصل الاجتماعية ؛ فما عادت مسألة النشر في الصحف الورقية ملحة كما كانت في السابق ..




بل إن كثير من الأسماء برزت على ساحة الفكر والثقافة دون أن تنشر شيئا عبر الصحف والمجلات الورقية ..




اعتقد أن هذا الزمن المعولم في صالح الفرد تماما ؛ يكفي أن فتيل ثورات الشباب الربيع العربي انطلقت عبر التواصل الإلكتروني ..







*كان لكم تجربة خاصة في الكتابة عبر الفضاء الالكتروني .. كيف اقتحمتم هذا العالم ..؟ وما هي أهم شروط النجاح خلاله ..؟







**سأستعير عبارة قالها الروائي " عبد الرحمن المنيف " : " إن في حياة كل إنسان لحظات من الخصوبة لا يدركها ولا يعرف متى أو كيف تأتيه أو كيف تنفجر في داخله ، إنها تندفع فجأة ، تعربد مثل الرياح أو مثل الأمطار الغزيرة المفاجئة ، وتطغى على كل شيء .."




وليس ثمة من شروط للنجاح ؛ كل ما في الأمر هو الرغبة في الارتقاء ، فأبرز مراحل الارتقاء هي الجدية والثقافة واحترام التراث المحلي والعالمي مع بذل الجهد ..







*فيما يخص المرأة ككاتبة .. كيف تقيمن وضع الكاتبات العربيات ..؟ وهل يقمن بدورهن المنوط بهن في واقع وحال الأمة ..؟







**المرأة الكاتبة مساهمة وفاعلة في المجتمع مثلها مثل الرجل تماما ، وقد برز تفاعلها إلى جانب الرجل مع ثورات العربية الراهنة ، وكثيرات تعرضن للسجن والتضييق ؛ لأن صوتها لا يقل عن صوت الرجل في المجتمع ؛ وخير دليل أن ثمة أسماء كاتبات وناشطات برزن على لائحة ترشيح جائزة نوبل للسلام كـ المدونة التونسية " لينا بن مهني " التي شاركت في إذكاء الثورة التونسية من خلال سرد أحداثها على الانترنت ، كما اقترح مدير معهد أوسلو لأبحاث السلام " كريستيان برغ هاربفيكن " المصرية " إسراء عبدالفتاح " التي لعبت دورا رئيسا في استمرار الاحتجاجات الشعبية بصورة سلمية في مصر ..




ناهيك عن أدوارهن المختلفة في جوانب الحياة ككل..







*يعاني الواقع العربي من ندرة في عدد الكاتبات العربيات .. هل يعود ذلك لأسباب مجتمعية وكيف يمكن تجاوز هذه الحالة ..؟







**هذا الكلام مخالف للواقع ؛ فنفس المرأة الكاتبة بارز وله وجود واقعي في ساحة الفكر والنشر ، وما تزال مسيرة الكتابة تمضي في طريقها مع مبدعات عربيات لهن وزنهن وثقلهن الفكري والثقافي والإنساني عبر العالم العربي والعالمي ..




دون أن ننكر أن الأوضاع المرأة في بعض المجتمعات العربية ليست سوية بالمعنى الواقعي ، فهناك مجتمعات للأسف ما تزال في لغط عن حق المرأة في قيادة السيارة ؛ وهو أمر قد استوفى حقه في المجتمعات الأخرى مذ قرون ..!







*ما هي النصائح التي تقدميها للكاتبات المبتدئات سواء على المستوى الأدبي أو الفكري ..؟







**إذا ما كان الأمر يتعلق للنصح ؛ فجلنا بحاجة إلى النصح ، فالإنسان مهما ارتقى عليه أن يعلم جيدا أنه تلميذ أبدا ؛ كي يكون لديه تحفز فيضاعف من حجم ارتقائه الفكري والروحي والإنساني والكون من حولنا غني بالمعرفة ؛ فكم نحن استقينا من تلكم المعارف المتزاحمة يا ترى ..؟!




وعلى المستوى الشخصي مازلت إلى اليوم اطلب النصح من معظم الإنسانيين الذين أصادفهم في طريقي ؛ واذكر على سبيل المثال سألت أحدهم عن النصح في الكتابة فقال لي : " لا نصائح في الإبداع سوى أن تجدي نفسك أمام الوردة وأن تمسكيها دون أن تؤلمي عطرها ، احلمي جيدا ، واقرئي جيدا ، وتعلمي أن يكون آخر الليل يقظتك والقلم ، وانتبهي إلى الحياة بتفاصيل ترينها أنت وليس الآخرون " ..




وإن كنت في المقام النصح ، فانصحهم بالرجوع إلى قراءة كتاب " رسائل إلى روائي شاب " لماريو بارغاس يوسا ؛ لعلها تجيب عن تساؤلاتهم في الكتابة ؛ فلكل منا تساؤلاته ..




بل سوف يجد أن " ماريو فارغاس يوسا " في أحد صفحات الكتاب يقول : " إذا لم يكن الكاتب يملك حظ ولادته موهوبا ، عليه أن يصنع موهبته بالكد والعمل والانتقاد الذاتي مثل ، فلوبير " ..

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

طريق المثقف هو انتفاضة عمالية ( १-३ ) ..












طريق المثّقف هو انتّفاضة عمالية ( 1 – 3 )







جريدة الرؤية العمانية ..







من هو المثقف ..؟! هل مفهومه يظلل فقط الذي يملك مخزونا ثقافيا ..؟!




تعريف الثقافة كما جاء في قاموس المحيط : " ثقف ثقفا ثقافة ، صار حاذقا خفيفا فطنا ، وثقفه تثقيفا سوّاه ، وهي تعني تثقيف الرمح ، أي تسويته وتقويمه " ..




وحينما بزغ شمس الثقافة في أوروبا في القرن الثامن عشر كان دائرا حول عملية الاستصلاح كما هو الحال في عملية الزراعة أو البستنة وهو أمر طبيعي ؛ لأن المجتمع كان مجتمعا زراعيا بامتياز، أما في القرن التاسع عشر غدا يشير إلى تحسين أو تعديل المهارات الفردية للإنسان ، لاسيما من خلال التعلم والتربية ، ومن ثم إلى تحقيق قدر من التنمية العقلية والروحية للإنسان ، والتوصل إلى رخاء قومي وقيم عليا ، وفي منتصف القرن التاسع عشر استخدم بعض العلماء مصطلح " الثقافة " للإشارة إلى قدرة الإنسان البشرية على مستوى العالم ..




ومع حلول القرن العشرين تفاوتت معاني الثقافة ، وأصبحت تحتمل مفاهيم ذات علاقة بعلم " الانثروبولوجيا " ، ليشمل بذلك كل الظواهر البشرية التي لا تعد كنتائج لعلم الوراثة البشرية بصفة أساسية ..




المثقف الذي يحمل كمّاً من المعلومات ولا يوظفّها في المكان المناسب والاتجاه الصحيح هو كما الذي يحمل على رأسه خزانا ضخما من الماء ولكن غير صالح للشرب ..!




من هنا يمكن القول بأن للمثقف عدة تأويلات حسبما تأثيره ؛ فالثقافة والتثقيف ليسا مقصوران على من لديه مخزون ثقافي ، فهو لا يشمل فقط الكاتب أو الشاعر أو الباحث أو الصحفي أو الأكاديمي أو الفنان ؛ ولا من لديه شهادة عالية يتخذها عكازه لتثبيت شخصه ..!




بل يفيض هذا المفهوم فئات أخرى لا يقل تأثيرها في المجتمع عن أولئك المثقفين كـ الإعلامي ومقدم البرامج والمطرب والممثل ، المعلم ، المحامي ، أعني هنا بالنخبة المتعلمة ..




وآخرون وتأثيرهم الإنساني لا يقل أهمية عن النخب المتعلمة في حبها الوطني الممتد وهم العاملون : كالفلاح والعامل البسيط والخباز والحداد إلى ما لا نهاية ، وهؤلاء لديهم ما يسمى بثقافة " الواقع " أو ما يوازي ثقافة " المجتمع " ..




لن نسأل بـ لفظة ما " دور " المثقف في المجتمع ..؟! لأن المثقف الذي عجز عن تحديد موقعه عن مرحلة " الدور " وتاه عنها ؛ فإن تأثيره أيضا سّيان ؛ تائه وبلا بصمة حقيقية في المجتمع ..!




وجب السؤال بــ ما " تأثير " المثقف في المجتمع ..؟!




كأن العلاقة ما بين المثقف والمجتمع في الوطن الواحد علاقة مترددة كعلاقة الإبرة بالبالون ؛ تنقصها المرونة في التعاطي ، في بعض المجتمعات يرى الأفراد بأن ما يدلي به المثقف هي مجرد عبارات فضفاضة عن الحاجة ، يفرغها في سطور منمقة لها جرس تنظيري أكثر مما يكون لها أي دور فاعلي تطبيقي في حياة الأفراد ضمن المجتمع الواحد ..




ولا يمكن بأي حال من الأحوال لوم الإنسان البسيط ؛ الذي يستطلب ثقافة تكون على مسافة قريبة من أحلامه وطموحاته وحقوقه ، ثقافة تنوّره ؛ تمنح ظلمته الكابية ضوء أمل ؛ ليرمم آمال مشواره في الحياة ، وهو على ثقة بأن ثمة أصوات واعية تلملم جراحاته وتستعيد حقوقه بصوت الوطن والوطنية ..




في مقطع من مقالة معنونة بـ " نحو فن بروليتاري " لـ " مايد غولد " كتبها عام 1929 م في صحيفته الراديكالية " الجماهير الجديدة " قال فيه وقتئذ : " لم يعد الفن أمرا نخبويا متعجرفا أو جبانا ، فهو يعلم الفلاحين كيف يستخدمون الجرارات ، ويمنح الأناشيد للمقاتلين الشباب ، ويصمم القماش الذي يرتديه العاملات في المصانع ، ويكتب المسرحيات الهزلية لمسرح المصنع ، وله فوق ذلك مائة مهمة أخرى ، الفن المفيد مثله مثل الخبز " ..




من عمق هذه العبارة يمكن القول : بأن لا ثقافة حقيقية ؛ إن لم يجس الجانب الإنساني في المجتمع قبل أي غاية أخرى ، فالمثقف هو إنسان قبل كل شيء ، والحاسة البشرية فيه ينبغي أن تكون على مستوى أعلى / أرقى من الشعورية ؛ كي تساند كلماته الأفئدة المحطمة ، كي ترمم أزمة معدم ، كي تمنح أملا ؛ كي تخضع بقوة كلماته سلطة مستبدة وتقهرها ، ما أعرض وأطول حاجات البشرية على وجه الكون ..!




ولا أبعد عن المثال الكاتب الياباني " كينزا بورو أوي " الذي عزم منذ سنوات خلت أن يكرس حياته لإبنه المعوق ذهنيا ، إن أول ما دفعه ليصبح كاتبا إدراكه العذاب الصامت الذي تعاني منه السمكة في الخطاف ؛ وأصبح كاتبا ليشف الستار عن تلك العلاقة المعذبة لسمكة في الخطاف بإنسانية مكثفة ، ووحده صدقه الإنساني النبيل هو ما أوصله إلى جائزة بحجم نوبل .. المثقف لم يعد ذاك الذي يقتعد خلف مكتبه بين أوراقه وكتبه هذا الدور التقليدي العتيق عفي عليه في زمن غدت فيه السلطة جلادا تتلذذ في تذليل مواطنيها فهم في مرتبة العبيد بالنسبة لها ، وهذا العبد البائس دوره الهامشي ، وخفوت صوته الإنساني الهزيل ؛ يسد حنجرته عن النطق خاصة إن ثمة بطون جائعة فلا حيلة له سوى أن ينتمي إن أبت عزة نفسه إلى قوم " بني صامت " ؛ متحسسا الجدار في كل خطوة من خطواته المرتجفة ..!




المثقف هو ابن المجتمع له حصة من الوطن كما الجميع ، وما يقع على الآخرين يقع عليه وما يمس وطنه يمسه ؛ وفي أثناء الثورة الثقافية في عهد الزعيم الصيني " ماو " فرض التأهيل على المثقفين وأجبروا على التوقف عن مباحث العلم والدراسة والذهاب إلى القرى واعتكاف فيها لممارسة الحياة الثورية مع الفلاحين في أسوأ إيديولوجيا لسياسة الحكم ..!




انقسم المثقفون مع وضد السلطة ؛ وذلك بسبب حدوث خلل في سياسة السلطة في المجتمع الواحد ..! قديما كانت العلاقة متجانسة ما بين السلطة والفرد في مجتمع يسوده التجانس ؛ ولعل خير مثال هو عهد الخليفة العادل " عمر بن الخطاب " عندما خطب المسلمين غداة تولية الخلافة فقال قولته المشهورة : " أيها الناس ، من رأى منكم في ّ اعوجاجا فليقوّمه " وكان الرد على هذه المقولة ما نطق به أحد أولئك البدو البسطاء : " والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا " ..




وشأن المثقفين مع السلطة كما الطائرات الورقية ..!




بوق سلطوي ينفخ لعرش من بيده سوط الأمر وجَلد النهي ، متزاحمين كل حسبما مصدر خوفه ونزعة آماله وأبدا هم حيثما ريح المصالح تميل ..!




وحين يزفر مقام السلطان عن غضبه ؛ فعاصفة هوجاء تمزقه إربا إربا ، ويتلاشى مبعثرا كأن لم يكن ..! أو قد تثخن جراحاته لدهور وهو مشربك على غصينات التعذيب أو التخبط ما بين الصخور ؛ فللريح أمزجتها الخاصة ..!




والمثقف ضد السلطة كعظم في الحنجرة لا يبتلع ...!




لأن السلطة تعي جيدا تأثيره كأسلحة الدمار الشامل ؛ فالتنوير الذي يمارسه في فكر أبناء المجتمع عميق التأثير ، ولكن المثقف إذا ما أراد أن يغدو فاعلا فعليه أن يكون واحدا من الآخرين وضمنهم فوعيه الفكري ومخزونه الثقافي يؤهله كمتحدي لاستبدادية السلطة وكمنافع قوي الذي يكسر شوكة الطغيان ..!




ولأن للمثقف تأثير جم ؛ فالسلطة عكفت بحرص دؤوب على تضييق نطاق حريته ، فكم من رقيب عسسي بحوزته مقص يقطع أعناق الحروف وأرجل العبارات وأيدي الكلمات ؛ لتمنعها عن المضي في دربها ، كي تستأصل دورها الحيوي وتكممه عن الآخرين ؛ فكم من كتب أحرقت ، منعت عن الحصول على جنسية الوطن ، وكم من كاتب نفي وبترت أصابعه وخمد صوت أحلامه في اغتيال قبل أن يصل حسها النبيل معدمي الأحلام ..! ولا أمرّ من تجربة الكاتب الجزائري " ياسمينه صالح " الذي اختبأ وراء اسم زوجته ؛ مضطرا من بطش السلطة كونه جندي في سلك الدولة ولم يكشف عن هويته الأصلية إلا حينما تقاعد ؛ ليعلن للملأ عن اسمه الحقيقي " محمد مولسحول " ..!




وتبدو هنا " أيسلندا " هي حلم كل مثقف وئدت أحلامه وحرياته تحت مسميات باطلة ؛ ففي " أيسلندا " ثمة حرية تعبير شامل انطلاقا من عبارة عضو البرلمان الآيسلندي " روبرت مارشال " : " إننا نرغب في الذهاب بعيدا إلى أقصى حد يمكننا الذهاب إليه لخلق بيئة جيدة لعمل الصحافيين وحماية حرية التعبير " ..




أما المثقف الذي يجد في نفسه نزعا نحو المشاركة الفعلية للوصول إلى مقاعد سياسية عليه أن يكون على الدراية بهدفه وبتطلعات الشعب ؛ كأداة فاعلة مناهضة لا مستبدة برتبة مثقف ..!




ويذكر أن الحكومة الإسرائيلية عرضت منصب رئاسة الدولة في عام 1952 م على " آينشتاين " لكن الأخير رفض العرض قائلا باقتناع : " أنا رجل علم ولست رجل سياسة " ..




أما في مصر فثمة جهات رشحت العالم المصري " أحمد زويل " الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء ، والذي أعلن أمام وكالات أنباء العالم بأنه سوف يرشح نفسه لرئاسة مصر بعد تغييرات الدستور ، وإذا وجد المناخ المناسب معلنا أن حب مصر والمصريين عنده أقوى من حب العلم والمغريات الأمريكية والعالمية له ..





يتبع .........

ليلى البلوشي