الثلاثاء، 25 يناير 2011

الأديبة العمانية ليلى البلوشي في حوار مع مجلة أخبار جزائر الثقافية



الأديبة العمانية ليلى البلوشي لمجلة أخبار جزائر الثقافية :

الحرية مسؤولية بغض النظر عن المفاهيم ، وأعظم ما يتصف به الكاتب : الصدق والتواضع مع نفسه قبل الآخرين ..

२५ / १ / 2011م

تعد ليلى البلوشي واحدة من الكتاب الشباب في سلطنة عمان، نشيطة، وعميقة في فكرها، تشعر أمامها أنك قبالة مثقفة جديرة بالاحترام بصدق، جميلة في أحلامها التي تتجسد في نصوصها أو في مقالاتها الأدبية، وكونها تعيش بعيدا عن سلطنة عمان لم يمنعها من الانتشار عبر الشبكة العنكبوتية ككاتبة عُمانية تحمل خصوصياتها العمانية، مثلما تحمل إرث فكري وثقافي عماني لا يمكن تجاهله أو القفز فوقه، في هذا الحوار مع مجلة أخبار الثقافة، تحدثت هذه العمانية الجميلة عن هموم المثقف، وأحلامه، في ظل جملة من المفاهيم التي تحتاج إلى إعادة تشكيل على أساس صادق وعملي ..


مجلة أخيار الثقافة: لو طلبت منك أن تقدمي "ليلى البلوشي" للقارئ، فماذا ستقولين عنها؟
ليلى البلوشي: قال لنا مرة مدرب في إحدى دورات تنمية الذات بأن أفضل طريقة يقدم فيها الإنسان نفسه هو سردها في قصة قصيرة : ليلى البلوشي وأنا عمانية ولدت وترعرعت في دولة الإمارات ومازلت مقيمة بها، أحب القراءة، وحبي للقراءة قادني إلى الكتابة وشجرة الكتابة في داخلي تفرعت إلى كتابة القصص القصيرة والمقالات ومحاولات شعرية فاشلة، كما أنني باحثة وناقدة في مجالات أدب الطفولة و حبي لبراءة الأطفال وصدقهم اللامحدود هو ما دفعني لهذا المجال الشاق ، لهذا فلا تندهشوا إذا ما رأيتم أصابعي تضغط على مقص عوضا عن قلم، فثمة أفكار تخدع عقل الطفل العربي وتهدمه لابد من قصها.. ولي هوايات أخرى غير الكتابة منها: التأمل والمشي خصوصا تحت المطر، مراقبة المسنين وهم يتنفسون الحياة، حضور دورات تطوير الذات وبرمجتها، والاستماع إلى الآخرين؛ لهذا دائما أبرر صمتي الكلامي بقولي: " أحب أن اسمع "، ومن خلال ما اسمع أتكلم كتابيا، وأدركت فضيلة الصمت في إحدى محاضرات الأدب في الجامعة، فالمحاضر الدكتور كان بين يديه كتاب للأديب والناقد " شوقي ضيف " وكانت صورته مطبوعة على غلاف الكتاب فقال لنا معرفا له: انظروا لصورة هذا الرجل لقد كان كلامه أنفاس بينما كتاباته مجلدات ضخمة..


مجلة أخيار الثقافة: تطرح في الآونة الأخيرة إشكالية المثقف والراهن.. هل ابتعد المثقف عن راهنه إلى الحد الذي يعود فيه التساؤل عن دور المثقف إزاء واقعه، وإزاء المتغيرات التي تحدث بين الفنية والأخرى؟
ليلى البلوشي: " الأدب يسبق الحياة " كما يقول الكاتب التركي " أورهان باموق ، فعلى المثقف أن يكون مع المتغيرات ويناهضها، ولكن بشروط؛ فبعض المتغيرات تفرز نتائج معاكسة، للمثقف دور مهم وهذا الدور يتبدى أهميته في تصعيد وسائل الوعي لدى الآخرين بشكل ايجابي ، يناهض لديهم الجوانب والإمكانات والطاقات التي تصب في صالح القضية، فالمثقف هو إنسان بطبيعته مضطلع ولديه كم من الخبرات ما ليست موجودة عند الآخر العادي، وهنا يكون التأثير وتبعاته ، والوطن يعلو بوعي مثقفيه॥


مجلة أخيار الثقافة: وكيف تفسرين غياب المثقف عن المتغيرات، فهو إما داخل السلطة يتكلم باسم الحاكم، وإما خارج السلطة منسحب أحيانا عن قضية التأثير والتغيير؟ ما رأيك؟
ليلى البلوشي: المثقف ليس غائب بمعنى لا نستطيع أن نجزم فعليا بغيابه، ثمة اختلاف وجهات ثقافية، بعضها يصب في جانب الحياة العام وبعضها الآخر يصب في الجوانب السياسية أو الاجتماعية أو العاطفية وهلم جرا، ثمة نمط حماسي أولئك الذين يكون عندهم الفعل الكتابي يوازي الفعل الشعوري؛ لهذا لديه نزعة ثورية كلوركا وغيفارا، بينما النمط المفكر فإن ما يجري على الساحة يراه بصمت كمتفرج، لكن تأثيراتها تصب في ممارسات أخرى ككتابة آراء حول رؤيته أو عمل فني تشكيلي معزز للوضع الراهن ، ويبقى نمط أولئك الذين لا في العير ولا في النفير سوى أنهم يدّعون الاهتمام من باب الادعاء بالاهتمام على أساس أنه نوع من برستيج ثقافي॥ إذن التغيير والتأثير يتراوح وفق اختلاف تلك الأنماط ..


مجلة أخيار الثقافة: ما حدث في تونس مؤخرا مثلا عرى النخبة الثقافية التي بدت خارج التغطية.. أليست هذه صورة المثقف العربي في النهاية؟
ليلى البلوشي: هنا برز صوت الشعب، صوت الإنسانية قبل صوت المثقف، لأن ما فعله محمد بوعزيزي هذا الإنسان العادي لا يوازيه أي لفظة مهما بدت وقعها في الصوت المثقف، في هذه الحالات وفي مثل هذه الثورات الناس ليست بحاجة إلى مثقف إنها بحاجة إلى تكاتف بشري حقيقي تتحدث بلغتهم المكافحة والبسيطة॥ وليس من المعقول أن يقف الشعب يقرأ تلك الشعارات بينما تلك الحشود متجمهرة بحمية الوطيس في الشوارع العامة متمثلة بوقفتها تلك الشعارات ويرددها بالصوت والصورة، هنا يتغلب الفعل على الكلمة مهما بلغت حدة هذه الكلمات.. تأتي دور الكلمات بعد ذلك، ففي تونس في الوضع الراهن يأتي دور المثقفين في كافة المجالات المختلفة لبث الوعي ولتقوية دعائم الوحدة والوقوف الموحد ضد كل بذرة شريرة تنكل بوحدة الشعب.. هنا في مثل هذه الحالة دور المثقف كدور الخبز؛ لتغذية الوعي الشامل في الشعب..


مجلة أخيار الثقافة: لوحظ في الفترة الأخيرة اشتغال الكتابة على الحرية التي تداخلت مفاهيمها بين الحرية المادية والمعنوية، كيف تنظر ليلى إلى هذه الإشكالية؟
ليلى البلوشي: الحرية مسؤولية بغض النظر عن المفاهيم، لكن ثمة فكرة خاطئة في عقول البعض عن ماهية الحرية خصوصا المرأة الكاتبة فبعضهن يعتقدن أن الحرية هو التفسخ الخلقي، بمعنى أن أتعرى قدر ما أستطيع من ثيابي وأطرح أفكاري الليبرالية المخالفة للقيم، أما بالنسبة للرجل حتى يكون كاتبا ومثقفا، فعليه أن يتخلى عن أخلاقياته ويعاقر الممنوعات كي يغدو كاتبا حرا॥! كل ما سبق هي نماذج عتيقة تحتضن في داخلها حريات منفلتة لا مسؤولة.. هذه المفاهيم الخاطئة هي التي مالت اعتقادات البعض إلى أن الكاتب أو الكاتبة هم منحلون أخلاقيا..! وليس يعني من ترتدي تنوره قصيرة بأنها منحلة ولا من تستر جسدها من رأسها إلى أخمص قدميها هي مثال للأخلاق، هذا يعود لطبيعة كل انسان ونشأته، ما اعنيه هنا هو تحوير الحرية في مفاهيم آثمة تخالف مقاصدها الحقيقية .. الحرية مسؤولية أخلاقية، حريتي ككاتبة لا يعني أن أسفه القيم والمبادئ على حساب أشياء أخرى، يرى البعض أن الكاتب هو إنسان فوضوي لا علاقة له بالأخلاق، بينما لو مررتم على مقالات الأديبة " أحلام مستغانمي " ستجدون أنها كثيرا ما نوهت في مقالاتها أحاديثا حميمية حول علاقتها مع الصلاة وحول الدين، وهي ما تزال قامة أدبية شامخة بالإبداع والالتزام لم يعطل مشوارها الأدبي ولا تألقها الفكري، وحريتها مسؤولة.. في إحدى المرات عبرت لي إحدى الكاتبات عن ضيقها من لبس العباءة وعزت ارتداءها إلى أسباب منها إرضاء الآخرين والمجتمع فقط ..! بالله عليكم، إذا كانت هذه الكاتبة تمارس أمور تخل بقناعاتها الشخصية على حساب الغير، فأي كلمات تلك التي ستضخها لبث مفاهيم الحرية..؟! " من السعادة في كل عصر أن يكون هناك من لديه فردانية كافية وشجاعة كافية ليقف من أجل قناعاته " هكذا يقول " روبرت جرين انجرسول ".. والحريات كما أشرت في إحدى حواراتي السابقة بأنها أنواع، منها ثوري عام لا تكتفي بتحرير نفسها بل لديها نزعة جماعية لتحرير الآخرين معه كحرية غيفارا ونيلسون مانديلا، ومنها أسطوري خاص وهي رغبة الإنسان في تحرير نفسه من سجون مجتمعه।


مجلة أخيار الثقافة: وما مفهوم الحرية بالنسبة إليك ككاتبة؟
ليلى البلوشي: بالنسبة لي هي حرية مسؤولة كما أشرت سابقا، حرية تدفعني نحو تحقيق أهداف وغايات تبني من ذاتي وكياني أمام نفسي والآخرين، الحرية هي أن أقف بصدق أمام البرجماتية، هي أن أفند الأفكار التي تهدم الإنسانية، هي أن أمارس دوري الحيوي في الحياة كأي شخص في هذا العالم الشاسع॥ أي كما يقول " ممدوح عدوان ": " أنا أصرخ ويجب أن تبقى لي هذه الحرية "، والمهم جدا أن يكون الإنسان سيد نفسه حتى يمتلك حريته، والحرية عبء لمن اعتاد على العبودية..


مجلة أخيار الثقافة: لعل الملفت للنظر اشتغال العديد من الكاتبات أيضا على أدب الجسد، والسرير أكثر من اشتغالها على القضايا الإنسانية، كيف تنظرين ككاتبة إلى ذلك؟
ليلى البلوشي: أدب الجسد والسرير تشبعن منه، ظهر في زمن ما كموجه هائلة اجتاحت روايات وقصص الوطن العربي كموضة وطريق سهل للشهرة، عصرنا اليوم لا يتحمل هذا النوع من الترف، كيف اكتب عن جسدين يرسمان حكايتهما في سرير واحد وأنا أقرأ وأشاهد وأسمع آلاف من الأطفال المرضى والمعدمين، ضحايا الزلازل والبراكين والفيضانات॥؟! لكن من الممكن أن أوظفها طبيعيا في مقطع روائي أو قصصي برؤى مختلفة كوسيلة للهروب من الشرور، كواجهة للضياع الإنساني كما نجد في روايات الياباني " هاروكي موراكامي " خصوصا روايتيه " الغابة النروجية " و" جنوب حدود غرب الشمس "، إننا نضخ الحب في كياننا رغم النكبات؛ لأننا بحاجة لهذا الضخ كي نحيا، المسألة هكذا ببساطة ..


مجلة أخيار الثقافة: هذا يقودني إلى سؤالك عن مدى اقترابك من المتن السردي النسائي في الوطن العربي؟
ليلى البلوشي: المتن السردي النسائي لا اجزم متابعتي الدائمة له، لكن ثمة فعلا أقلام مغايرة بدأت تعي واقعها، بدأت تكتب بتطلع أكبر نحو الآخر، أعني بالآخر هنا الإنسان والعالم على سبيل المثال لا حصر الكاتبة السعودية " زينب البحراني "، لديها عقل كتابي حافل وهي نشيطة جدا، إنها من ذاك النمط الذي يشعرك بأنه يفهمك ويفهم معاناتك جيدا، ولا اعرفها شخصيا حتى لا يؤول كلامي على أنه ثناء على معرفة شخصية بيننا، رغم انه ليس ثناء بقدر ما هو حقيقة॥


مجلة أخيار الثقافة: وماذا عن سلطنة عمان؟ حدثينا عن المشهد الثقافي والأدبي في سلطنة عمان؟
ليلى البلوشي: يقول المتنبي: خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به॥ حديثي الآن عن المشهد الثقافي والأدبي في عمان هو عن رؤية وعن سماع وأتابع المشهد الإبداعي من الخارج بعدسة القلب ومرآة العقل، في آخر قراءة عن هذا المشهد قُدمتْ ورقة عن المشهد الثقافي والأدبي في سلطنة عمان في الملتقى الثقافي الأول لدول مجلس التعاون الخليجي الذي أقامته اتحاد الكتاب في الشارقة ، ونشرت في إحدى الجرائد المحلية الإماراتية حيث أقيم، أضحكتني الأسماء الواردة؛ لأنها متوقعة تماما، حتى يخال للبعض أن المشهد الثقافي في عمان كأنه معرض لفن تشكيلي في كل معرض مقام مهما تباعدت فتراتها الزمنية، فإنها تستعرض اللوحات نفسها على الجدران ..! طوال تلك السنوات ونحن نقرأ الأسماء عينها سواء في صحف عمان ومجلاتها وكتب نقادها ومهرجاناتها وكأن لا أحد غيرهم .. عندما اقرأ صحف ومجلات بلادي أقول لنفسي: أين الباقون والباقيات؟ ثمة أسماء أعرفها في عقلي وآخرون اسمع عنهم من الصديقات، ولكن لم يحدث أن قرأت لهم، ونادرا ما اسمع عنهم في مهرجان أو مؤتمر ثقافي..! قالت لي مرة إحدى القاصات شاكية إنهم لا ينشرون لي في الصحيفة الفلانية، سألتها: لماذا وكتابتك مبدعة؟ قالت ببساطة: لأنني لا املك واسطة.. هكذا ببساطة مطلقة..! كتابتها لا ينقصها الإبداع وحجب عن النشر، بينما ثمة كتابات خالية من الإبداع وتنشر..! الناقد " حامد بن عقيل " قال في أحد حواراته بأن " كل ثقافة ناشئة تحتاج إلى ما تتشبث به؛ كي تتضمن لها من خلاله وجودا ثقافيا مميزا " هؤلاء الناشئة في عمان إن لم تستقبلهم صحف ومجلات بلادهم فمن سيحتضن إبداعاتهم ..؟! فالترويج للإنتاجية بالعلاقات الشخصية ومنافع خاصة هو تظلم حقيقي يقضي على الإبداع الحقيقي ويقتله.. تكررت هذه الشكوى من كتاب عديدين ومن كلا الجنسين خصوصا في الآونة الأخيرة، وهذا طبيعي لأن الوعي بدأ يجس النبض ..! ما يفسد الأدب في عمان للأسف هو " الشللية "، من فترة قريبة جدا قال لي أحد الصحفيين هناك ليلى اكتبي في عمان، سأحاول جرك للكتابة في عمان لقد قتلتنا الشللية هنا، والفارغون أكثر ضجيجا..! ومن وقت ليس ببعيد بعثت لي إحدى الكاتبات رسالة فحواها أن السفير العماني في اسبانيا وقع اختاره على ترجمة بعض قصائدي الشعرية للغة الاسبانية وكانت ثمة قائمة بأسماء الشعراء المختارين، والذي اختار هذه القائمة هو السفير نفسه، وقع اختياره عليّ وفق متابعاته الشخصية واختياره تلك الأسماء دون غيرها ليست من الضروري لأفضليتهم على غيرهم، فلابد أن للسفير خطة معينة جعلته يضم تلك الأسماء ضمن جدولة الترجمة، وكانت القائمة تحمل بعض أسماء جديدة لشعراء لم اعرفهم ولم اقرأ لهم، والمتوقع دون أدنى شك إذا ما اعتمد السفير على غيره من الكتاب في وضع تلك القائمة؛ لتغيبت منها أسماء معينة .. ! صراحتي هذه تطعن فقط الشلليين، علا وعسى توقظ ضمائرهم النائمة في بياتها الذي لا ينتهي، حكمّوا ضمائركم ولو لمرة واحدة، أفسحوا المجال للآخرين، لسنا في ساحة " حرب " اكسروا الراء لتكون " حب "، أيها الشلليون لا داعي مطلقا لأن نتوكأ على الآخرين، ولا أن نضخ مديحا ليس في مكانه على أحد؛ فالإبداع الحقيقي وحده يشق طريقه بقوة في كل مكان، كالقلب الدافق بالحب يفترشه الحب في كل مكان.. سقف وطني زاخم بعدد كبير من الكتاب والكاتبات، ينبغي عليهم ألا يقفوا مكتوفي الأيدي في وجه أولئك الشلليين الذين يهمشونهم في الظل، وأن يطالبوا بحقوقهم في النشر والإبداع وأن يؤمنوا بقدراتهم.. بينما في المجتمعات الأخرى نجد تواصل محب بين الكتاب، على سبيل المثال ساحة الأدب الثقافي في السودان فصراعات الجنوب والشمال على المستوى السياسي لم تطل علاقات كتابهم، ففي كل الحوارات والدراسات السودانية هناك ذكر حاشد وحافل بأسماء الآخرين والمثقف المحاور في كل حواراته تجد لديه حرص على ذكر غيره قبل نفسه بتواضع جم ، وآخر ما قرأته حوار مع الروائي المرشح لجائزة بوكر العربية الروائي " أمير تاج سر " ولم ينس كعادة المثقف السوداني عن ذكر الآخرين ..الجهة المشرقة في المشهد الثقافي والأدبي في عمان هو" الملتقى الأدبي للشباب " للرمز الثقافة والأب الروحي الشيخ " هلال العامري " - فليمدده الله بالصحة والعافية وبعمر مديد - فهذا الشيخ الشاب هو دافق الروح والإبداع في أوصال الملتقى الأدبي الذي يقام سنويا في ولاية من ولايات سلطنة عمان العامرة، خرّج أجيالا من الكتاب والكاتبات وكأنه يخّرج أبناءه وبناته، إنني أقف أمام هذا الرجل بفكره النبيل بامتنان واحترام وحب كبير ।


مجلة أخيار الثقافة: كيف تفسرين غياب صوت المثقف العماني عنا في الجزائر، وفي المغرب العربي، خصوصا الصوت النسائي؟
لا أدري ، ربما يعشقون شرانقهم ببساطة ॥! وجهت هذه السؤال لنفسي منذ سنوات، عندما كنت انشر في كثير من المواقع الأدبية لدول الوطن العربي دون أن ألمح أو أجد أي كاتب أو كاتبة عمانية عدا الشاعرة " ريم اللواتي " وكنا أنا وهي الفراشتان الوحيدتان من العمانيات تنشران في بعض تلك المواقع.. واذكر جيدا أن بعض المواقع الالكترونية الأدبية في عمان كانت من ضمن شروطها أن يكون العضو كاتبا أو كاتبة عمانية ولا يسمح لغيرهم في الدخول وعندما سجلت في إحداها منذ سنوات اضطر مدير الموقع من أن يتأكد من هويتي؛ فالكثيرون كانوا يعتقدون بأني إماراتية ومازال ..! وأيضا الأمر نفسه في مسابقاتهم والتي تطلب مشاركا عمانيا، وربما للمسابقات ظروفها وخططها الخاصة كما في كل دولة .. قصارى القول: إذا أنا لم أطرق باب جارتي الجديدة؛ فلن أعرفها يوما، والانتظار كي تأتي هي إلي وتعرف بنفسها فهو انتظار ضائع..


مجلة أخيار الثقافة: وما مدى اقترابك من الأدب الجزائري؟ ومن السرد النسوي الجزائري؟
ليلى البلوشي: اقترابي من الأدب الجزائري كان قريبا مذ البدء في الكتابة، فاحتكاكي بكتاب الوطن العربي كان قبل احتكاكي بكتاب من وطني، كنت اكتب وأشارك في مواقعهم، ولي صداقات تربطني مع كتابهم وكاتباتهم مذ وقت طويل كالقاصة فاطمة الغولي والقاص صباح السعدي॥ وفي الأدب الجزائري ظهرت بعد آسيا جبار وأحلام مستغانمي أسماء مبدعة لا يمكن تهميشها مطلقا كياسمينة صالح وفضيلة الفاروق والقاصة نسيمه بولوفة وفاطمة بريهوم وغيرهن الكثير، الصوت النسائي في الجزائر بارز ومتنوع ..


مجلة أخيار الثقافة: ماذا تقرأين الآن؟
ليلى البلوشي: الآن اقرأ كتاب " هندسة الكلام " للمؤلف الدكتور " إبراهيم الغنيم " ، هو كتاب ابتكاري رائع بحوزتي مذ مدة طويلة وهذه هي قراءتي الثالثة للكتاب نفسه ॥


مجلة أخيار الثقافة: ماذا تكتبين؟
ليلى البلوشي: آخر ما كتبت مقالة بعنوان " رجاء نقاش في عيد ميلادي " سينشر قريبا بإذن الله ॥


مجلة أخيار الثقافة: كلمة ترغبين في قولها عبر موقعنا؟
ليلى البلوشي: الحروف المكابرة لا تمنح أدبا؛ فأعظم ما يتصف به الكاتب في كل زمان ومكان هما الصدق والتواضع مع نفسه قبل الآخرين ..

الجمعة، 14 يناير 2011

نصيحة هنري ميللر : اقرأ أقل ما يمكن ..!



نصيحة هنري ميللر : اقرأ أقل ما يمكن ..!

" لقد لاحظت مؤخراً أنَّ الشبّان يتحولون أكثر فأكثر إلى الكتب الميتافيزيقية ، والغامضة والصوفية بالإضافة إلى الإباحية والبذيئة ، في هذا الكتاب أعتقد أنهم سيجدون أجوبة وإشارات سوف توجههم إلى ذلك النوع من الأدب المفيد والدائم.."

هذه ملحوظة من ضمن الملحوظات التي صدرها " هنري ميللر " في مقدمة كتابه المسمى بـ ( الكتب في حياتي ) هذا الكتاب لم يصدر للعربية بعد ، لكن المترجم العاشق لأدب هنري ميللر " أسامة المنزلجي " اقتطع أجزاء منه وقدمها بلغة عربية رائقة ..

في هذه السطور يسرد هنري ميللر عن الكتب التي قرأها ، وكتب تاق في الحصول عليها ، فحينما كان شابا في الثامنة عشر رغب في الحصول على كتاب " اعترافات رجل أحمق " لسترينبرغ ؛ لكنه كان أمرا مستحيلا ؛ لأنها وعلى وفق مسار عقول تلك السنوات التي عاشها وقتئذ ، كان هذا الكتاب من ضمن الكتب المفسدة للأخلاق ..

" ما الذي يجعل الكتاب حيا ..؟"
يهجمنا هنري ميللر بهذا السؤال الملغز .. لكنه لا يسعف أنفاسنا برهة ؛ كي تشتم جوابا في حيز العقل ، فهو ينسل جوابه بثقة : " والجواب في اعتقادي بسيط ، الكتاب يبقى حيا عبر التوصية المحبة التي يقدمها قارئ إلى آخر " ..

ثم يشهر عن عشقه للكتب ، وأن تلكم الصفحات البيضاء المذيلة بخطوط سوداء هي أحد الأشياء التي يدللها بشر بعمق ، وأن درجة رقي المرء تتضاعف كلما ساهم بكل يسر في مشاطرة الآخرين معه في كتبه ..
يعترف بهذا دون أن يفوته تقديم تفسيرا نموذجيا للكتب التي تبقى حبيس مكتبة صاحبها :
" وكتاب يتمدد بتكاسل على رف هو ذخيرة ضائعة سدى .. كالمال ، يجب جعل الكتب في حالة تداول مستمر ، استعر وأعرّ إلى أقصى مدى كتابا ومالا معا ، وعندما تمتلك كتابا ذا عقل وروح تغتني ، ولكن عندما تعطيه لشخص آخر تغتني ثلاث أضعاف " .

ويقارب هنري ميللر في طرحه هذا الكاتب البرازيلي " باولو كويليو " الذي اعترف مرة أنه لا يحتفظ في مكتبه سوى بأربعمائة كتاب فقط ؛ يحتفظ بها لأسباب وجدانية وبعضها الآخر يعيد قراءتها باستمرار ، أما بقية الكتب التي جمعها وقرأها طوال تلك السنوات وزعها على أصحابه ، ووضع بعضا منها في مكتبة عامة ؛ فهناك يكون للكتاب أكبر فائدة من أن تبقى حبيس مكتبة بيته ..

لكن النصيحة الأكثر أهمية في هذا الكتاب ، تلك التي يرميها لنا بجسارة مدهشة : " اقرأ أقل ما يمكن ..! " ..
فيصدم قراؤه بهذه النصيحة المجانية ، التي لا يمكن سوى أن تنم عن جنون ما ليست بغريبة عن عقيلة هذا الرجل ، خصوصا حين يتبع قائلا بعد تلك النصيحة : " أوه ، لا ينتبك الشك في أني حسدت أولئك الذين غرقوا في الكتب ، أنا أيضا ، أود في سري أن أخوض في تلك الكتب كلها التي طالما عبثت بها في عقلي ، لكني أعلم أن هذا ليس هاما ، أنا أعلم الآن أني لم احتج إلى قراءة حتى عشر ما قرأت .."

هنري ميللر في السطور التالية يدافع بشدة عن نصيحته التي يقّر بأنها لم يلقها عن تهوّر ؛ ولاختبار هذه النصيحة النفيسة يورد عدة أسباب لوجهة نظره :

· " فعندما تصادف كتابا ترغب في قراءته ، أو تعتقد أنك يجب أن تقرأه ، دعه وشأنه بضعة أيام ، ولكن فكر فيه بأشد ما يمكنك من تركيز ، دع العنوان واسم المؤلف يدوران في عقلك ، فكر ماذا يمكن أن تكتب لو أتيحت لك الفرصة ؟ " ..
· " اسأل نفسك بجدية إذا كان ضروريا أن تضيف هذا العمل إلى مخزونك من المعرفة أو إلى ذخيرتك من المتعة ، حاول أن تتخيل ماذا يعني لك أن تضيع هذه المتعة أو الفائدة الإضافية ؟ " ..
· " إذا وجدت أنه لابد أن تقرأ الكتاب ، فانتبه بأي فطنة استثنائية تتعامل معه .. انتبه، أنه مهما كان مثيرا ، فإنه القليل جدا مما يحتويه الكتاب جديد حقا عليك ، وإذا كنت صادقا مع نفسك ، فسوف تكشف أن مكانتك ارتفعت عن مجرد بذل الجهد لمقاومة دوافعك " ..

ميللر بنصائحه تلك يتوق أن يجعل من القارئ ليس مجرد عينان تلهثان خلف عبارات وكلمات متراصة ، بل يريد أن يخلق منه عقلا ذواقا يتخير ما يرغب به عن جدارة متمكنة ، فالكتب الجديرة بالقراءة تلك التي تتصف بالأصالة سواء في الأسلوب ، أو المحتوى النادر في مخزون الأدب ..
ويضع أنموذجا لقارئ فذّ يدعى " بليز سيندرار " فهو قارئ عبقري ، بل قرأ لمعظم الكتاب بلغتهم الأم ، وحينما يعشق كاتبا يلتهم كل كتبه حتى آخر كتاب ألفه ، دون أن يسقط من مجال اهتمامه الرسائل والدراسات التي ألفت عن الكاتب نفسه .
وهو على رأي ميللر ، رجل حيوي ومغامر ومكتشف ، ألف عددا كبيرا من الكتب ، وهو رجل يعرف كيف يبدد وقته بفخامة ، أنه بمعنى ما " يوليوس قيصر الأدب " كما يلقبه ..

نصيحة هنري ميللر عرضت جانبا مهما في قانون القراءة والقارئ ، ولاشك لكل منا مجموعة من الكتب ، التي وجدنا بعد مرور قسط من الزمن ، أنها لم تحفز فينا شيئا ذال بال ، بينما كتب أخرى ثقبت جانبا مهما في أريحة النفس والعقل ، وثمة كتب كثيرة نحلم في الحصول عليها لا امتلاكها ؛ فالكتاب المسافر الذي يعصر من يد إلى يد ، وتصدأ أوراقه من تقلبات الفصول والأزمنة ، حتى ليبدو وكأنه شيخ وقور ، هو الكتاب التي عرف جيدا كيف يحفر مكانه بحق في ذاكرة وقلب التاريخ ، ولن تشمل قط مقطعا من قصيدة " للويس بورخس " والتي يقول فيها :
" هناك باب موصد حتى نهاية الأزمنة
بين كتب مكتبتي
هناك كتاب لن أفتحه أبدا " ..


ليلى البلوشي

الأحد، 2 يناير 2011

لصوص النوم


لصوص النوم

جيء ليلة لملك الفرس " كسرى أنو شروان " بإنسان متشرد فسأله : ماذا تفعل في هذا الليل ؟ فأجاب : أهيم على وجهي ..! فضحك كسرى وقال : الذي يسير وحيدا في الليل يكون عاشقا أو لصا ، فأيهما أنت ؟ فأجاب المتشرد : لا هذا ولا ذاك ..!
قال له كسرى : قل عاشقا تنج من العقاب ..!
فرد عليه : سمعا وطاعة ، أنا عاشق ..!
فقدم له كسرى مبلغا من المال قائلا له : اذهب إلى عشيقتك ومعك هذا المال ، فإذا لم تكن لك عشيقة اتخذها ، المرء لا يعيش دون عشيقة وإلا صار لصا ..!

* * *
في كتاب " هكذا تكلم زرادشت " حكاية للفيلسوف " نيتشه " يفصل فيها حديثا عن النوم تحت مسمى " حول منابر الفضيلة " فيقول فيه :

" تجنبوا اللقاء مع الذين ينامون نوما سيئا ويسهرون الليل ..!"
" يخجل اللص في حضرة النوم ، فيتسلل بطيئا في الليل ، ولكن لا خجل عند حارس الليل ؛ فهو ينفخ بوقه بلا خجل " ..
" عشرات المرات يجب أن تتصالح مع نفسك كل يوم ؛ لأن التغلب على النفس يولد الاستياء ، والذي لم يتصالح مع نفسه ينام نوما سيئا " ..

هنالك فضائل كما يرى " نيتشه " يجب أن نأخذها بعين الاعتبار ، بل يجب أن نتصف بها ؛ كي ننام نوما جيدا ..

فيجب أن تتساءل حينما يجافيك النوم ليلا بنصل الأرق :

" هل خنت أحدا ؟ " " هل سمحت لنفسي أن أتمنى جارية قريبي ؟ "
فإن ذلك يمنع النوم الجيد ..
" عش بسلام مع ربك وجارك " ، " عش في سلام مع شيطان جارك ، وإلا سيزورك ليلا "
" احترم مديرك وأطعه ، حتى وإن كان مديرك أعرج ..! "
" اعتقد أن الراعي الأفضل هو الذي يرعى خرافه في المراعي الخصبة " وهو من شروط النوم الجيد ..
" إنني أفضل المجتمع الصغير على المجتمع الحقود ، ولكن حتى المجتمع الصغير يجب أن يأتي ويذهب في الوقت المحدد " فهذا من شروط النوم الجيد .

" يعجبني معدمو الروح ، فهم يساهمون في النوم الجيد " ..

هل النوم يحتاج إلى دعوة ..؟!

يتحدث " نيتشه " عن هذا بلباقة فيقول : " أتجنب دعوة النوم إلي ..!
فالنوم لا يريد أن ينادى ، وهو سيد الفضائل كلها ..! "
لكنه فكره لا يدعه لحاله ، فيمضغ تفكيره ويتساءل كصبر بقرة : " ما هي المرات العشر التي تغلبت فيها على نفسي خلال النهار ..؟ "

وخلال قيامه بهذه العملية مع أفكار متضاربة تكر وتفر ، كالمد والجزر ؛ فإذا بالنوم يحل عليه فورا ، الذي هو سيد الفضائل كلها ..

ويختمها باعتراف : " إن النوم يضربني على عيني ، فتثقل عيناي ، النوم يلامس ثغري ، فيبقى مفتوحا قليلا .. حقا ، يأتيني النوم بخطوات هادئة ، إنه الأفضل بين جميع اللصوص ، يسلب مني أفكاري لأقف غيبا كهذا المنبر ، ولكنني لا أطيل الوقوف في هذه الوضعية ، فأستلقي حينئذ " ..

* * *

أقول : " عين الظالم لا تنام " ..

إذن ، جلّ هذا العالم ساهر ؛ إلا أقلهم أولئك الذين في قلوبهم غصّة مَظْلمة ، لم يأذن الله تعالى لها أن تقضى بعد ..!


أقول : " العاشق يؤرقه النوم ، فليله طويل بطول عشقه " ..

إلى حيث ينام قلبه يكون حضوره يقظا ..


أقول : " إن المرأة إذا غاب بعلها ، هجم عليها سواد الليل ، السواد كله " ..

وقد انشد :

تطاول هذا الليـل واخضّل جانبه وأرقت أن لا خليـل ألاعبه
فو الله لولا الله لا رب غيـره لحرك من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يصـدني وأكرم بعـلي أن تنال مراكبه


أقول : " الوحيد ، يعزله النوم ، فيكتنفه عزلتان ، عزلته وعزلة ليله " ..

إنه سائر وحيد في معترك الكون ، ما أكبر الكون من حواليه ، وما أصغر كونه الداخلي ، فهو وحيد بها .. !


أقول : " علة في الجسد ، تمنع النوم من الزيارة ، وإن زاره كان طيفا " ..

فالمريض لا يجد في نومه لذة ، الألم وحده يلتذ في جسده ، يسحقه سحقا هو وليله كله ، إنه خبير في أنس لياليه ..


أقول : " الغائب عن عيون الوطن ، رفيقه في غربته أرقه " ..

يهيم في الليل متأبطا ذكرى وطن حبيس في القلب ، والخطوات تنتشله في حنين طويل لا ينتهي ، فليله سرمدي كإحدى أغاني أم كلثوم ..
أقول : " الحزن صاحب الأرق " ..

ما أكثر الأوجاع هذا العالم ، فكيف بها إذن أن تفنى في خدعة النوم ، حتى للنوم منها نصيب في هيئة كابوس يستفيق ولا يتعب من استفاقاته المتكررة ، فالليل ليله ، وهو بصاحبه حر ..!


أقول : " الحالمون يرفضون النوم " ..

خشية أن تضيع أحلامهم في زحمة النوم ..!
وهي الحالمة التي لا تنام ، تعد النجوم في الليل بعدد أحلامها ، وما أتعس الذين لا يحلمون ، ما أتعس أولئك الحالمون ؛ حين تضيع أحلامهم في فوضى الحياة بغفلة سبات أو لحظة جبن ..!


أقول : " الجائع يمنعه قعقعة بطنه من النوم " ..

يستدعي الطعام بشتى الطرق ، ليس ارضاء للنوم بل ارضاء لنفسه الجائعة ، فما أسعد لياليه فلا تكاد تخلو من خلوات اللذة تلك ..!


أقول : " إن الشبعان ، لا ينفك يتقلب في فراشه مؤرقا " ..

فالنوم يبقى خفيفا كلما أكلت أكثر ، لكن الجوع فلا يتعب أبدا ..!


أقول : " المتعبد ، مؤتنس بظلمة ليله " ..

إنه ممتلئ بها ، روحه العظيمه تشتاق خلوات الليل ، فهل ثمة خلوة أحلى وألذ وأمتع من خلوة مع الله ..!

أقول : " وحدهم الأطفال ينامون ببراءة كبيرة " ..

ينامون بلا إنذار ، بلا خوف ، بلا حذر ، من تعب نهار مجهد باللعب إلى مخدة تخدرهم ببراءة عميقة ..
لنكن أبرياء إذن ؛ كي ننعم بنوم الأطفال ..!

* * *

في شذرات من يوميات " بودلير " يقول عن النوم :

" فيما يختص بالنوم ، تلك المغامرة الكئيبة لكل ليلة ، كان يمكن القول إن الناس ينامون يوميا بجرأة غير معقولة ، لولا أننا نعرف أنها جرأة الجاهل بالخطر " ..


" نوم أبيض " يقول عنه الشاعر " عباس بيضون " :

" لا أنام في سرير، لا أذهب إلى فراشي في الساعة نفسها تقريباً كما يفعل الجميع ، لا أذهب إلى فراشي بتاتاً ولا أفكر في أن أذهب ، لعلمي أنني إذا فعلت ذلك لا أنام ، إذا دعوت النوم وتحضرّت لن يحضر ، إذا دخلت تحت اللحاف وسوّيته فوقي ، بعد أن أكون خلعت ثيابي ووضبتها ولبست البيجاما ، إذا وضعت رأسي على الوسادة وأطفأت النور بعد أن أكون تأكدت من إغلاق النوافذ ، لن أنام ، لقد طردت النوم بكل هذه الحركات ، جعلته أبعد فأبعد حركة بعد حركة ، لو فعلت ذلك سيطير النعاس من عينيّ تماماً ، لن يأتي النوم بقدمه إلى هذا الفخ ، هذا الترتيب سيجعله يهرب ، ما أفعله حين أعود في ساعة غير محددة من الليل هو التمدد أمام التلفزيون بثيابي ، وفي الحر بثيابي الداخلية ، التمدد لا يخيف النوم فإن أتمدد غالباً وليس للرقاد وحده ، أضع رأسي على وسادة فوق ذراع الكنبة وأتطلع إلى التلفزيون وانظر في كتاب ، اللمبة مضاءة والبيت مشعشع والتلفزيون والع وأنا فقط أتفرج ، ليس لدى النوم ما يخشاه إذاً ، بوسعه أن يخرج ويتسلل ، أنا لا انتظره لكني وسط الفيلم أدير رأسي على الوسادة ولا أعرف كيف أكون نمت ، أنا كمن لم ينم ، حتى وأنا غاف لست نائماً حقيقياً ، لا زلت في ثيابي ولست في فراشي ، لا بد أن التعب خطفني ، التعب فقط وإن كان نوماً .. "
والفنان الإسباني العبقري " خوان ميرو " كان يعشق النوم ، لدرجة قبل أن ينام كان يكتب على باب غرفته من الخارج : " الفنان يعمل ، فلا تزعجوه " ..

بينما يقول الكاتب " آلان لايتمان " في روايته " أحلام آينشتاين " :

" الضوء يخطط الحياة في هذا العالم ، ولذلك فإن الشخص الذي يولد عند الغروب يمضي النصف الأول من حياته في الليل ، يتعلم مهنا داخلية كالحياكة وصناعة الساعات ، يقرأ كثيرا ، يصبح مفكرا ، يأكل كثيرا ، يخاف من الظلمة الشاملة في الخارج ، يحرث الظلال ... أما الذي يولد عند شروق الشمس يتعلم مهنا خارجية كالزراعة والبناء ، يصبح قوي البنية ، يتجنب الكتب والمشاريع الذهنية ، يكون مشرقا ولا يخش أي شيء " ..

وأنا ولدت في الليل ، في منتصف ليلة شتوية ماطرة بالتحديد ؛ لكني لا أجيد الحياكة ولا صناعة الساعات ، ورغم لصوص النوم الحائمة من حولي غير أني أجيد النوم بشدة ؛ كأن بي عضة من " ذبابة تسي تسي " ؛ فقط حينما يكون دمي فقيرا ..

ولكن لمن يتناول حبوبا منومة من عيار قوي دون أن يغمض له جفن كبطل " ميلان كونديرا " في روايته " كائن لا تحتمل خفته " ؛ فما عليه و- على مسؤوليتي- سوى بكتاب " تأملات قبل النوم " لأوشو ؛ فإنه يبدد ليس فقط لصوص النوم ، بل أيضا لصوص الحسد والحقد والكذب والخيانة والخوف والجشع والاكتئاب .......
ونوما هنيئا مقدما ..



ليلى البلوشي